(الصفحة 579)
[3475] السادسة عشرة : إذا تعدّد العامل ، كأن ضارب اثنين بمائة مثلا بنصف الربح بينهما متساوياً أو متفاضلاً ، فإمّا أن يميّز حصّة كلّ منهما من رأس المال; كأن يقول : على أن يكون لكلّ منه نصفه ، وإمّا لايميّز ، فعلى الأوّل الظاهر عدم اشتراكهما في الربح والخسران والجبر إلاّ مع الشرط(1) ; لأنّه بمنزلة تعدّد العقد ، وعلى الثاني يشتركان فيها ، وإن اقتسما بينهما فأخذ كلّ منهما مقداراً منه ، إلاّ أن يشترطا عدم الاشتراك فيها ، فلو عمل أحدهما وربح وعمل الآخر ولم يربح أو خسر يشتركان في ذلك الربح ويجبر به خسران الآخر ، بل لو عمل أحدهما وربح ولم يشرع الآخر بعد في العمل فانفسخت المضاربة يكون الآخر شريكاً وإن لم يصدر(2) منه عمل ; لأنّه مقتضى الاشتراك في المعاملة ، ولايعدّ هذا من شركة الأعمال كما قد يقال ، فهو نظير ما إذا آجرا نفسهما لعمل بالشركة ، فهو داخل في عنوان المضاربة لا الشركة ، كما أنّ النظير داخل في عنوان الإجارة .
[3476] السابعة عشرة : إذا أذن المالك للعامل في البيع والشراء نسيئة ، فاشترى نسيئة وباع كذلك ، فهلك المال فالدين في ذمّة المالك ، وللديّان إذا علم بالحال أو تبيّن له بعد ذلك الرجوع على كلّ منهما ، فإن رجع على العامل وأخذ منه رجع هو على المالك . ودعوى أنّه مع العلم من الأوّل ليس له الرجوع على العامل لعلمه بعدم اشتغال ذمّته ، مدفوعة بأنّ مقتضى المعاملة ذلك خصوصاً في المضاربة ، وسيّما إذا علم أنّه عامل يشتري للغير ، ولكن لم يعرف ذلك الغير أنّه من هو ومن أيّ بلد ، ولو لم يتبيّن للديّان أنّ الشراء للغير يتعيّن له الرجوع على العامل في الظاهر ويرجع هو على المالك .
- (1) بل ومع الشرط أيضاً، إلاّ أن يرجع إلى شرط الإعطاء أو الجبران، وكذا في الفرض الآتي، فإنّ صحّة الشرط فيه أيضاً محلّ إشكال بل منع.
- (2) لعدم مجيء وقته، وإلاّ فمحلّ إشكال.
(الصفحة 580)
[3477] الثامنة عشرة : يكره المضاربة مع الذمّي، خصوصاً إذا كان هو العامل ; لقوله (عليه السلام) : «لاينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمّي ولايبضعه بضاعة ولايودعه وديعة ولايصافيه المودّة». وقوله (عليه السلام) : «إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلاّ أن تكون تجارة حاضرة لايغيب عنها المسلم». ويمكن أن يستفاد من هذا الخبر كراهة مضاربة من لايؤمن منه في معاملاته من الاحتراز عن الحرام .
[3478] التاسعة عشرة : الظاهر صحّة المضاربة على مائة دينار مثلا كلّياً ، فلايشترط كون مال المضاربة عيناً شخصيّة ، فيجوز إيقاعهما العقد على كلّي ثمّ تعيينه في فرد ، والقول بالمنع لأنّ القدر المتيقّن العين الخارجي من النقدين ضعيف ، وأضعف منه احتمال المنع حتّى في الكلّي في المعيّن ; إذ يكفي في الصحّة العمومات .
[3479] متمّم العشرين : لو ضاربه على ألف مثلا فدفع إليه نصفه فعامل به ثمّ دفع إليه النصف الآخر ، فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر ; لأنّه مضاربة واحدة . وأمّا لو ضاربه على خمسمائة فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة زاده ودفع خمسمائة اُخرى ، فالظاهر عدم جبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى ; لأنّهما في قوّة مضاربتين . نعم ، بعد المزج والتجارة بالمجموع يكونان واحدة .
(الصفحة 581)
فصل
في أحكام الشركة
وهي عبارة عن كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، ملكاً أو حقّاً ، وهي إمّا واقعيّة قهريّة ، كما في المال أو الحقّ الموروث ، وإمّا واقعيّة اختياريّة من غير استناد إلى عقد، كما إذا أحيا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك أو حفرا بئراً أو اغترفا ماءً أو اقتلعا شجراً . وإمّا ظاهريّة قهريّة، كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل أجنبيّ بحيث لايتميّز أحدهما (1) من الآخر ، سواء كانا من جنس واحد كمزج حنطة بحنطة، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخلّ بالدبس . وإمّا ظاهريّة اختياريّة، كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة ، فإنّ مال كلّ منهما في الواقع ممتاز عن الآخر ، ولذا لو فرض تمييزهما اختصّ كلّ منهما بماله . وأمّا الاختلاط مع التميّز فلايوجب الشركة ولو ظاهراً ، إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهري أو القرعة . وإمّا واقعيّة مستندة إلى عقد غير عقد الشركة، كما إذا ملكا شيئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها . وإمّا واقعيّة منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله، كما إذا اشترى شيئاً فطلب منه شخص أن يشركه فيه، ويسمّى عندهم بالتشريك، وهوصحيح لجملة من الأخبار.
- (1) إن كان عدم التميّز بنحو لا يرى العرف وجوده واقعاً فالشركة واقعيّة، كما في امتزاج المايعين المتماثلين، بل غير المتماثلين، كما في امتزاج الماء مع الجلاّب، وإلاّ فلا معنى للشركة الظاهرية، بل اللازم الرجوع إلى الصلح أو القرعة، كما في اختلاط الجوز بالجوز والدراهم والدنانير بمثلهما.
(الصفحة 582)
وإمّا واقعيّة منشأة بتشريك كلّ(1) منهما الآخر في ماله، ويسمّى هذا بالشركة العقديّة ومعدود من العقود .
ثمّ إنّ الشركة قد تكون في عين، وقد تكون في منفعة، وقد تكون في حقّ ، وبحسب الكيفيّة إمّا بنحو الإشاعة، وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن ، وقد تكون على وجه يكون كلّ من الشريكين أو الشركاء مستقلاّ في التصرّف، كما في شركة الفقراء في الزكاة ، والسادة في الخمس ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة ونحوها .
[3480] مسألة 1 : لاتصحّ الشركة العقديّة إلاّ في الأموال بل الأعيان ، فلا تصحّ في الديون ، فلوكان لكلّ منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون كلّ منهما بينهما لم يصحّ ، وكذا لا تصحّ في المنافع ; بأن كان لكلّ منهما دار مثلا وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كلّ منهما بينهما بالنصف مثلا ، ولو أرادا ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر ، أو صالح نصف منفعة داره بدينار مثلا وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار .
وكذا لا تصحّ شركة الأعمال وتسمّى شركة الأبدان أيضاً ، وهي أن يوقعا العقد على أن يكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما ، سواء اتّفق عملهما كالخياطة مثلا ، أو كان على أحدهما الخياطة والآخر النساجة ، وسواء كان ذلك في عمل معيّن أو في كلّ ما يعمل كلّ منهما، ولو أرادا الاشتراك في ذلك صالح أحدهما
- (1) ظاهره أنّ مجرّد إنشاء التشريك يوجب تحقّق الشركة الحقيقيّة، وهي كون شيء واحد لاثنين أو أزيد، مع أنّ تحقّقها بدون الخلط والامتزاج محلّ تأمّل بل منع، كما سيأتي، ومع حصول الاختلاط لا حاجة إلى الإنشاء، وعليه فالشركة العقدية في مقابل سائر أنواع الشركة غير ثابتة، إلاّ أن يكون أثرها مجرّد الإباحة والإذن في التصرّف، كما يؤمئ إليه ما سيأتي من كون الفسخ مؤثّراً في ارتفاع الإذن والإباحة فقط.
(الصفحة 583)
الآخر نصف منفعته المعيّنة أو منافعه إلى مدّة كذا بنصف منفعة أو منافع الآخر ، أو صالحه نصف منفعته بعوض معيّن وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته بذلك العوض.
ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه; وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد الشركة على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ويكون ما يبتاعه بينهما ، فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما ، وإذا أرادا ذلك على الوجه الصحيح وكّل كلّ منهما الآخر في الشراء فاشترى لهما وفي ذمّتهما .
وشركة المفاوضة أيضاً باطلة ; وهي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كلّ ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصيّة أو نحو ذلك مشتركاً بينهما ، وكذا كلّ غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما ، فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بالشركة في الأعيان المملوكة فعلاً ، وتسمّى بشركة العنان .
[3481] مسألة 2 : لو استأجر اثنين لعمل واحد باُجرة معلومة صحّ وكانت الاُجرة مقسّمة عليهما بنسبة عملهما ، ولايضرّ الجهل بمقدار حصّة كلّ منهما حين العقد ; لكفاية معلوميّة المجموع ، ولايكون من شركة الأعمال التي تكون باطلة بل من شركة الأموال ، فهو كما لو استأجر كلاّ منهما لعمل وأعطاهما شيئاً واحداً بإزاء اُجرتهما . ولو اشتبه مقدار عمل كلّ منهما، فإن احتمل التساوي حمل عليه(1) ; لأصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر، وإن علم(2) زيادة أحدهما على الآخر فيحتمل القرعة في المقدار الزائد ، ويحتمل(3) الصلح القهري .
- (1) والأحوط التصالح، ولا مجال لأصالة عدم الزيادة، لعدم جريانها ذاتاً على بعض الوجوه، وللمعارضة على البعض الآخر.
- (2) ولم يعلم مستحقّ الزيادة.
- (3) والأحوط التصالح.