(الصفحة 594)
المصطلحة(1) ، بل لايبعد كونه منها أيضاً ، وكذا لو أذن لكلّ من يتصدّى للزرع وإن لم يعيّن شخصاً ، وكذا لو قال : كلّ من زرع أرضي هذه أو مقداراً من المزرعة الفلانيّة فلي نصف حاصله أو ثلثه مثلا ، فأقدم واحد على ذلك فيكون نظير الجعالة(2) ، فهو كما لو قال : «كلّ من بات في خاني أو داري فعليه في كلّ ليلة درهم» ، أو «كلّ من دخل حمّامي فعليه في كلّ مرّة ورقة» ، فإنّ الظاهر صحّته للعمومات ; إذ هو نوع من المعاملات العقلائية، ولا نسلّم انحصارها في المعهودات ، ولا حاجة إلى الدليل الخاصّ لمشروعيتها ، بل كلّ معاملة عقلائيّة صحيحة إلاّ ما خرج بالدليل الخاصّ كما هو مقتضى العمومات .
[3495] مسألة 3 : المزارعة من العقود اللازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط أو بخيار الاشتراط ; أي تخلّف بعض الشروط المشترطة على أحدهما ، وتبطل أيضاً بخروج الأرض عن قابليّة الانتفاع لفقد الماء أو استيلائه أو نحو ذلك ،ولا تبطل بموت أحدهما فيقوم وارث الميّت منهما مقامه . نعم ، تبطل
- (1) إن كان المراد من عدم كونها من المزارعة المصطلحة عدم ترتّب آثارها عليه، كاستحقاق الزارع إحداث الزرع فيها وإبقائها إلى أوان بلوغها، فدعوى الصحّة ممنوعة بعد كونه غرريّاً محضاً. وإن كان المراد منه عدم كونها من مصاديقها، وإن ترتّب عليها أحكامها وآثارها، فدعوى عدم كونها كذلك ممنوعة بعد عدم اعتبار لفظ خاصّ في إيجاب المزارعة، وعدم تقوّمها بإنشائها بهذا العنوان.
- (2) كونه نظيراً للجعالة ممنوع، بل هو عكسها، فإنّها جعل شيء على نفسه لغيره على فرض وقوع عمل منه، وهنا جعل شيئاً لنفسه على غيره على تقدير وقوع العمل من الغير. نعم، فيما إذا كان البذر من المالك تصحّ الجعالة، بأن يقول: من زرع هذا البذر في أرضي فله نصف الحاصل مثلاً، بناءً على صحّة الجعالة المجهول جعلها وجوداً وكميّةً، ومن هنا انقدح عدم كون الأمثلة أيضاً من مصاديق الجعالة، بل بعضها إباحة بالعوض أو إذن بالإتلاف بالعوض، ومع ذلك فالصحّة فيها محلّ تأمّل وإشكال.
(الصفحة 595)
بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل ، سواء كان قبل خروج الثمرة أو بعده ، وأمّا المزارعة المعاطاتيّة فلا تلزم(1) إلاّ بعد التصرّف ، وأمّا الإذنيّة فيجوز فيها الرجوع دائماً(2) ، لكن إذا كان بعد الزرع وكان البذر من العامل يمكن دعوى لزوم إبقائه إلى حصول الحاصل ; لأنّ الإذن في الشيء إذن(3) في لوازمه ، وفائدة الرجوع أخذ اُجرة الأرض منه حينئذ ويكون الحاصل كلّه للعامل .
[3496] مسألة 4 : إذا استعار(4) أرضاً للمزارعة ثمّ أجرى عقدها لزمت ، لكن للمعير الرجوع في إعارته فيستحقّ(5) اُجرة المثل لأرضه على المستعير ، كما إذا استعارها للإجارة فآجرها بناءً على ما هو الأقوى من جواز كون العوض لغير مالك المعوّض .
[3497] مسألة 5 : إذا شرط أحدهما على الآخر شيئاً في ذمّته أو في الخارج من ذهب أو فضّة أو غيرهما مضافاً إلى حصّته من الحاصل صحّ ، وليس قراره مشروطاً بسلامة الحاصل(6) ، بل الأقوى صحّة استثناء مقدار معيّن من الحاصل لأحدهما مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعاً بينهما ، فلايعتبر إشاعة جميع
- (1) مرّ الكلام فيها.
- (2) إذا لم تكن من مصاديق المزارعة المصطلحة، وإلاّ فهي أيضاً لازمة.
- (3) لكنّه يرجع عن الإذن في اللازم، ولا دليل على عدم جواز رجوعه عنه.
- (4) بناءً على جواز استعارة الأرض للمزارعة، وقد مرّ الإشكال فيه.
- (5) أي بالإضافة إلى ما بعد الرجوع، وإذنه في المزارعة لا يلازم عدم ثبوت حقّ الرجوع له. غاية الأمر أنّ لزوم المزارعة مانع عن جواز إ بطالها واسترداد العين، ولا منافاة بينه وبين استحقاق اُجرة المثل بالنسبة إلى ما بعد الرجوع.
- (6) ليس المراد بالسلامة مجرّد الحصول في مقابل اللاحصول، ولا السلامة في مقابل العيب، بل الظاهر أنّ المراد بها الحصول بمقدار يترقّب بحيث لم يتلف شيء منه بآفة أو غيرها.
(الصفحة 596)
الحاصل بينهما على الأقوى ، كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه ، أو استثناء مقدار خراج السلطان أو مايصرف في تعمير الأرض ثمّ القسمة ، وهل يكون قراره في هذه الصورة مشروطاً بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع الثمار أو لا ؟ وجهان(1) .
[3498] مسألة 6 : إذا شرط مدّة معيّنة يبلغ الحاصل فيها غالباً ، فمضت والزرع باق لم يبلغ ، فالظاهر أنّ للمالك الأمر بإزالته بلا أرش، أو إبقائه ومطالبة الاُجرة إن رضي العامل بإعطائها ، ولايجب(2) عليه الإبقاء بلا اُجرة ، كما لايجب عليه الأرش مع إرادة الإزالة ; لعدم حقّ للزارع بعد المدّة، و«الناس مسلّطون على أموالهم» . ولا فرق بين أن يكون ذلك بتفريط الزارع أو من قبل الله، كتأخير المياه أو تغيّر الهواء ، وقيل: بتخييره بين القلع مع الأرش والبقاء مع الاُجرة . وفيه ما عرفت ، خصوصاً إذا كان بتفريط الزارع، مع أنّه لا وجه لإلزامه العامل بالاُجرة بلا رضاه . نعم ، لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى البلوغ بلا اُجرة أو معها إن مضت المدّة قبله لايبعد صحّته (3) ووجوب الإبقاء عليه .
[3499] مسألة 7 : لو ترك الزارع الزرع بعد العقد وتسليم الأرض إليه حتّى انقضت المدّة ، ففي ضمانه اُجرة المثل للأرض ـ كما أنّه يستقرّ عليه المسمّى في الإجارة ـ أو عدم ضمانه أصلاً غاية الأمر كونه آثماً بترك تحصيل الحاصل ، أو التفصيل بين ما إذا تركه اختياراً فيضمن أو معذوراً فلا ، أو ضمانه مايعادل الحصّة
- (1) والظاهر هو الوجه الأوّل، فإنّه على تقدير التلف يحسب التالف على المستثنى والمستثنى منه بالنسبة.
- (2) أي عند إرادة الإبقاء، فلا إشعار في العبارة باحتمال وجوب الإبقاء بلا اُجرة تعييناً.
- (3) إذا كانت مدّة التأخير على فرضه معلومة بحسب العادة، وإلاّ فصحّة الشرط بل صحّة العقد معه محلّ إشكال.
(الصفحة 597)
المسمّـاة من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة ، أو ضمانه بمقدار تلك الحصّة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث ومن قيمة عمل الزارع ، أو الفرق بين ما إذا اطّلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة; لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن، وبين صورة عدم اطّلاعه إلى أن فات وقت الزرع فيضمن وجوه ، وبعضها أقوال ، فظاهر بل صريح جماعة الأوّل(1) . بل قال بعضهم : يضمن النقص الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص ، واستظهر بعضهم الثاني ، وربما يستقرب الثالث ، ويمكن القول بالرابع ، والأوجه الخامس ، وأضعفها السادس .
ثمّ هذا كلّه إذا لم يكن الترك بسبب عذر عامّ ، وإلاّ فيكشف عن بطلان المعاملة . ولو انعكس المطلب; بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد فللعامل الفسخ ، ومع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصّته من منفعة الأرض أو ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين ، أو التفصيل بين صورة العذر وعدمه ، أو عدم الضمان حتّى لو قلنا به في الفرض الأوّل بدعوى الفرق بينهما، وجوه(2) .
[3500] مسألة 8 : إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم يمكن الاسترداد منه ، فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخيّر بين الفسخ وعدمه ، وإن كان بعده لم يكن له الفسخ ، وهل يضمن (3) الغاصب تمام منفعة
- (1) وهو الأقرب فيما هو المفروض من تسليم الأرض إليه، الظاهر في كونها تحت يد العامل واستيلائه في تلك المدّة، بل الظاهر ضمان النقص الحاصل بسبب ترك الزرع أيضاً.
- (2) والأخير أوجه.
- (3) أي مع عدم الفسخ، سواء كان ذلك لأجل عدم ثبوت حقّه له كما في الفرض الثاني، أو لأجل عدم اختياره إيّاه كما في أحد الشقّين من الفرض الأوّل.
(الصفحة 598)
الأرض في تلك المدّة للمالك فقط ، أو يضمن له بمقدار حصّته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض، ويضمن له أيضاً مقدار قيمة حصّته من عمل العامل حيث فوّته عليه ، ويضمن للعامل أيضاً مقدار حصّته من منفعة الأرض ؟ وجهان(1) ، ويحتمل ضمانه لكلّ منهما ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين .
[3501] مسألة 9 : إذا عيّن المالك نوعاً من الزرع من حنطة أو شعير أو غيرهما تعيّن ولم يجز للزارع التعدّي عنه ، ولو تعدّى إلى غيره ذهب بعضهم إلى أنّه إن كان ما زرع أضرّ ممّا عيّنه المالك كان المالك مخيّراً بين الفسخ وأخذ اُجرة المثل للأرض ، والإمضاء وأخذ الحصّة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضرّ ، وإن كان أقلّ ضرراً لزم وأخذ الحصّة منه . وقال بعضهم: يتعيّن أخذ اُجرة المثل للأرض مطلقاً ; لأنّ ما زرع غير ما وقع عليه العقد ، فلايجوز أخذ الحصّة منه مطلقاً ، والأقوى(2) أنّه إن علم أنّ المقصود مطلق الزرع، وأنّ الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة الأرض وترك ما يوجب ضرراً فيها ، يمكن أن يقال : إنّ الأمر كما ذكر ; من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ، وتعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضرراً ، لكن التحقيق مع ذلك خلافه .
وإن كان التعيين لغرض متعلّق بالنوع الخاصّ لا لأجل قلّة الضرر وكثرته ،
- (1) لا يبعد أقربية الوجه الأوّل.
- (2) والظاهر بعد كون المفروض هو صورة علم المالك بعد بلوغ الحاصل هو التفصيل من أوّل الأمر بين كون التعيين على وجه الشرطية، أو على نحو القيدية، ففي الأوّل يتخيّر المالك بين أخذ اُجرة مثل المنفعة الفائتة من الأرض، وأخذ حصّته من الحاصل فيما إذا كان البذر من العامل، وفي الثاني يتعيّن له أخذ اُجرة مثل الأرض. نعم، لو صارت ناقصة بواسطة زرع غير ما هو المعيّن يثبت له أرش النقص على الزارع أيضاً، وأمّا ما يستفاد من المتن من فرض صورة ثالثة خارجة عن صورتي الاشتراط والتقييد، فيدفعه أنّ تلك الصورة ترجع لا محالة إلى إحدى الصورتين.