(الصفحة 600)
من حفر ساقية أو بئر أو نحو ذلك ، فإن كان الزارع عالماً بالحال صحّ ولزم ، وإن كان جاهلاً كان له خيار الفسخ ، وكذا لو كان الماء مستولياً عليها وأمكن قطعه عنها، وأمّا لو لم يمكن التحصيل في الصورة الاُولى أو القطع في الثانية كان باطلاً ، سواء كان الزارع عالماً أو جاهلاً . وكذا لو انقطع في الأثناء ولم يمكن تحصيله أو استولى عليها ولم يمكن قطعه ، وربما يقال بالصحّة مع علمه بالحال ، ولاوجه له وإن أمكن الانتفاع بها بغير الزرع ; لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع . نعم ، لو استأجر أرضاً للزراعة مع علمه بعدم الماء وعدم إمكان تحصيله أمكن الصحّة ; لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع إلاّ أن يكون على وجه التقييد ، فيكون باطلاً أيضاً .
[3503] مسألة 11 : لا فرق في صحّة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما ، ولابدّ من تعيين ذلك إلاّ أن يكون هناك معتاد ينصرف إليه الإطلاق . وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصّة بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل ، وكذا لايلزم أن يكون تمام العمل على العامل ، فيجوز كونه عليهما ، وكذا الحال في سائر المصارف . وبالجملة هنا اُمور أربعة : الأرض والبذر والعمل والعوامل ، فيصحّ أن يكون من أحدهما أحد هذه ومن الآخر البقيّة، ويجوز أن يكون من كلّ منهما اثنان منها ، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض أحدها ومن الآخر البقيّة ، كما يجوز الاشتراك في الكلّ ، فهي على حسب ما يشترطان ، ولايلزم على من عليه البذر دفع عينه ، فيجوز له دفع قيمته ، وكذا بالنسبة إلى العوامل ، كما لايلزم مباشرة العامل بنفسه ، فيجوز له أخذ الأجير على العمل إلاّ مع الشرط .
[3504] مسألة 12 : الأقوى جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين ; بأن تكون الأرض من واحد، والبذر من آخر، والعمل من ثالث، والعوامل من رابع ، بل يجوز
(الصفحة 601)
أن يكون بين أزيد من ذلك; كأن يكون بعض البذر من واحد وبعضه الآخر من آخر ، وهكذا بالنسبة إلى العمل والعوامل ; لصدق المزارعة وشمول الإطلاقات ، بل يكفي العمومات العامّة ، فلا وجه لما في «المسالك» من تقوية عدم الصحّة بدعوى أنّها على خلاف الأصل، فتتوقّف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه ذلك . ودعوى أنّ العقد لابدّ أن يكون بين طرفين موجب وقابل ، فلايجوز تركّبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركاناً له ، مدفوعة بالمنع ، فإنّه أوّل الدعوى .
[3505] مسألة 13 : يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته أو يزارعه في حصّته ، من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك، ولايشترط فيه إذنه . نعم ، لايجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلاّ بإذنه وإلاّ كان ضامناً ، كما هو كذلك في الإجارة أيضاً ، والظاهر(1) جواز نقل مزارعته إلى الغير بحيث يكون كأنّه هو الطرف للمالك بصلح ونحوه بعوض ولو من خارج أو بلا عوض ، كما يجوز نقل حصّته إلى الغير ، سواء كان ذلك قبل(2) ظهور الحاصل أو بعده ، كلّ ذلك لأنّ عقد
- (1) إن كان المراد من نقل مزارعته إلى الغير هو إيقاع عقد مزارعة آخر معه يكون العامل فيه بمنزلة المالك في الأوّل. غاية الأمر أنّ الفرق بينه وبين الفرض المتقدّم أنّه هناك يكون العامل الثاني طرفاً للعامل الأوّل، وهنا يكون كأنّه الطرف للمالك، فالظاهر عدم الجواز; لافتقار ذلك إلى فسخ المزارعة الأولى وإيجاد مزارعة جديدة، ومع فرض الفسخ يكون العامل الأوّل أجنبيّاً محضاً. وإن كان المراد نقل حصّته وسهمه إلى الغير بصلح ونحوه بعوض أو بدونه، فهو وإن كان جائزاً إلاّ أنّه لا يصير العامل الثاني بذلك كأنّه هو الطرف للمالك، بل الطرف له هو الأوّل، ويجب عليه القيام بأمر الزراعة ولو من دون مباشرة، مضافاً إلى أنّه لا يبقى الفرق حينئذ بين هذا الفرض والفرض الآتي.
- (2) في صحّة نقل الحصّة قبل ظهور الحاصل إشكال، والتعليل بأنّ عقد المزارعة موجب لنقل منفعة الأرض ـ نصفاً أو مثله ـ عليل، فإنّه لا يقتضي أزيد من ثبوت حقّ الانتفاع بالزرع من الأرض، وليست المزارعة كإجارة الأرض، كماسيأتي في المسألة الخامسة عشرة.
(الصفحة 602)
المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض نصفاً أو ثلثاً أو نحوهما إلى العامل ، فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة . ولافرق فيما ذكرنا بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة العمل بنفسه أو لا ، إذ لا منافاة بين صحّة المذكورات وبين مباشرته للعمل ، إذ لايلزم في صحّة المزارعة مباشرة العمل ، فيصحّ أن يشارك أو يزارع غيره ويكون هو المباشر دون ذلك الغير .
[3506] مسألة 14 : إذا تبيّن بطلان العقد، فإمّا أن يكون قبل الشروع في العمل أو بعده وقبل الزرع ; بمعنى نثر الحبّ في الأرض أو بعده وقبل حصول الحاصل ، أو بعده ، فإن كان قبل الشروع فلا بحث ولا إشكال ، وإن كان بعده وقبل الزرع ; بمعنى الإتيان بالمقدّمات من حفر النهر وكري الأرض وشراء الآلات ونحو ذلك فكذلك . نعم ، لو حصل وصف في الأرض يقابل بالعوض ـ من جهة كريها أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها ـ كان للعامل(1) قيمة ذلك الوصف ، وإن لم يكن كذلك وكان العمل لغواً فلا شيء له ، كما أنّ الآلات لمن أعطى ثمنها ، وإن كان بعد الزرع كان الزرع لصاحب البذر ، فإن كان للمالك كان الزرع له ، وعليه للعامل اُجرة عمله وعوامله(2) ، وإن كان للعامل كان له وعليه اُجرة الأرض للمالك ، وإن كان منهما كان لهما على النسبة نصفاً أو ثلثاً، ولكلّ منهما على الآخر اُجرة مثل ما يخصّه من تلك النسبة ، وإن كان من ثالث فالزرع له، وعليه للمالك اُجرة الأرض وللعامل اُجرة عمله وعوامله ، ولايجب على المالك إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل إن كان التبيّن قبله ، بل له أن يأمر بقلعه وله أن يبقي بالاُجرة إذا رضي صاحبه ، وإلاّ فليس
- (1) فيه إشكال من دون فرق بين أن يكون العمل بأمر المالك أو بدونه، ومن دون فرق أيضاً بين أن يكون البطلان مستنداً إلى غير جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض، أو كان مستنداً إليه.
- (2) قد مرّ الإشكال فيه وفي بعض الفروض الآتية.
(الصفحة 603)
له إلزامه بدفع الاُجرة .
هذا كلّه مع الجهل بالبطلان ، وأمّا مع العلم فليس للعالم منهما (1) الرجوع على الآخر بعوض أرضه أو عمله ; لأنّه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله ، فكأنّه متبرّع به وإن كان الآخر أيضاً عالماً بالبطلان ، ولو كان العامل بعد ما تسلّم الأرض تركها في يده بلا زرع فكذلك يضمن اُجرتها للمالك مع بطلان المعاملة ; لفوات منفعتها تحت يده ، إلاّ في صورة علم المالك بالبطلان لما مرّ .
[3507] مسألة 15 : الظاهر(2) من مقتضى وضع المزارعة ملكيّة العامل لمنفعة الأرض بمقدار الحصّة المقرّرة له ، وملكيّة المالك للعمل على العامل بمقدار حصّته ، واشتراك البذر بينهما على النسبة ، سواء كان منهما أو من أحدهما أو من ثالث ، فإذا خرج الزرع صار مشتركاً بينهما على النسبة ، لا أن يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل ، فيصير الحاصل مشتركاً من ذلك الحين ، كما ربما يستفاد من بعض الكلمات ، أو كونه لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل وإدراكه ، فيصير مشتركاً في ذلك الوقت ، كما يستفاد من بعض آخر . نعم، الظاهر جواز إيقاع العقد على أحد هذين الوجهين مع التصريح والاشتراط به من حين العقد .
ويترتّب على هذه الوجوه ثمرات :
منها : كون التبن(3) أيضاً مشتركاً بينهما على
- (1) قد مرّ عدم مدخلية العلم في رفع الضمان وسقوط المال، أو العمل عن الحرمة وصيرورة الفاعل متبرّعاً.
- (2) بل الظاهر أنّ مقتضى وضعها استحقاق كلّ منهما على الآخر بذل ما جعله على نفسه والتزم به من حوائج الزراعة، والعامل لا يكون له إلاّ حقّ الانتفاع بالأرض، ولا يكون مالكاً إلاّ لإلزام المالك بتسليم الأرض، والمالك ليس له إلاّ حقّ الانتفاع بالعمل، ولا يكون مالكاً إلاّ لإلزام العامل بالعمل وغير ذلك، ومع ذلك فالشركة بينهما لا تتوقّف على حصول الحاصل وبلوغه، بل تتحقّق من حين خروج الزرع إلاّ مع شرط الخلاف.
- (3) لا يبعد أن يكون التبن بنفسه من الحاصل، فيكون مشتركاً بينهما على جميع الوجوه.
(الصفحة 604)
النسبة على الأوّل دون الأخيرين ، فإنّه لصاحب البذر .
ومنها : في مسألة الزكاة .
ومنها : في مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء قبل ظهور الحاصل .
ومنها : في مسألة مشاركة الزارع مع غيره ومزارعته معه .
ومنها : في مسألة ترك الزرع إلى أن انقضت المدّة ، إلى غير ذلك .
[3508] مسألة 16 : إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه ، كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله، أو استولى عليه ولم يمكن قطعه، أو حصل مانع آخر عامّ ، فالظاهر لحوق حكم تبيّن البطلان من الأوّل على ما مرّ ; لأنّه يكشف عن عدم قابليتها للزرع ، فالصحّة كانت ظاهريّة ، فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر ، ويحتمل بعيداً(1) كون الانفساخ من حينه، فيلحقه حكم الفسخ في الأثناء على ما يأتي ، فيكون مشتركاً بينهما على النسبة .
[3509] مسألة 17 : إذا كان العقد واجداً لجميع الشرائط وحصل الفسخ في الأثناء إمّا بالتقايل ، أو بخيار الشرط لأحدهما ، أو بخيار الاشتراط بسبب تخلّف ما شرط على أحدهما ، فعلى ما ذكرنا من مقتضى وضع المزارعة ـ وهو الوجه الأوّل من الوجوه المتقدّمة ـ فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة ، وليس(2)لصاحب الأرض على العامل اُجرة أرضه، ولا للعامل اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى ; لأنّ المفروض صحّة المعاملة وبقاؤها إلى حين الفسخ . وأمّا بالنسبة إلى
- (1) هذا الاحتمال قريب جدّاً في مفروض المسألة، الذي هو ما إذا حصل الموجب بعد خروج الزرع، فإنّ الزرع الخارج مشترك بينهما ـ على ما اختاره واخترناه ـ من عدم توقّف تحقّق الشركة على ظهور الحاصل أو بلوغه. نعم، لو كان حصول الموجب قبل خروج الزرع فالظاهر تحقّق الانفساخ من الأصل.
- (2) قد تقدّم منه (قدس سره) في المسألة التاسعة أنّ مقتضى الفسخ رجوع مالك الأرض إلى اُجرة المثل لها، والمفروض هناك وإن كان صورة حصول الفسخ بعد بلوغ الحاصل، إلاّ أنّه لا فرق بين المسألتين من هذه الجهة، والحقّ ما هناك.