(الصفحة 633)
بوجهين آخرين :
أحدهما : أنّها إنّما تجب بعد إخراج المؤن ، والفرض كون العمل في مقابل الحصّة فهي من المؤن ، وهو كما ترى ، وإلاّ لزم احتساب اُجرة عمل المالك والزارع لنفسه أيضاً ، فلا نسلّم أنّها حيث كانت في قبال العمل تعدّ من المؤن .
الثاني : أنّه يشترط في وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف ، وفي المقام وإن حصلت الملكيّة للعامل بمجرّد الظهور إلاّ أنّه لايستحقّ التسلّم إلاّ بعد تمام العمل ، وفيه ـ مع فرض تسليم(1) عدم التمكّن من التصرّف ـ : أنّ اشتراطه مختصّ بما يعتبر في زكاته الحول كالنقدين والأنعام لا في الغلاّت ، ففيها وإن لم يتمكّن من التصرّف حال التعلّق يجب إخراج زكاتها بعد التمكّن على الأقوى ، كما بيّن في محلّه ، ولايخفى أنّ لازم كلام هذا القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصّة على المالك أيضاً كما اعترف به ، فلايجب على العامل لما ذكر ، ولايجب على المالك لخروجها عن ملكه .
[3564] مسألة 34 : إذا اختلفا في صدور العقد وعدمه فالقول قول منكره ، وكذا لو اختلفا في اشتراط شيء على أحدهما وعدمه ، ولو اختلفا في صحّة العقد وعدمها قدّم قول مدّعي الصحّة ، ولو اختلفا في قدر حصّة العامل قدّم قول المالك المنكر للزيادة ، وكذا لو اختلفا في المدّة ، ولو اختلفا في قدر الحاصل قدّم قول العامل ، وكذا لو ادّعى المالك عليه سرقة أو إتلافاً أو خيانة ، وكذا لو ادّعى عليه أنّ التلف كان بتفريطه إذا كان أميناً له كما هو الظاهر ، ولايشترط في سماع دعوى المالك تعيين مقدار ما يدّعيه عليه، بناءً على ما هو الأقوى من سماع(2) الدعوى المجهولة ، خلافاً للعلاّمة في «التذكرة» في المقام .
[3565] مسألة 35 : إذا ثبتت الخيانة من العامل بالبيّنة أو غيرها هل له رفع يد
- (1) والأولى عدم التسليم، وإلاّ ففيه إشكال.
- (2) فيه إشكال.
(الصفحة 634)
العامل على الثمرة أو لا ؟ قولان ، أقواهما العدم ; لأنّه مسلّط على ماله ، وحيث إنّ المالك أيضاً مسلّط على حصّته فله أن يستأجر أميناً يضمّه مع العامل، والاُجرة عليه لأنّ ذلك لمصلحته، ومع عدم كفايته في حفظ حصّته جاز (1) رفع يد العامل واستئجار من يحفظ الكلّ، والاُجرة على المالك أيضاً .
[3566] مسألة 36 : قالوا : المغارسة باطلة(2) ، وهي أن يدفع أرضاً إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما، سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضاً للعامل أو لا ، ووجه البطلان الأصل بعد كون ذلك على خلاف القاعدة ، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه .
نعم ، حكي عن الأردبيلي وصاحب «الكفاية» الإشكال فيه ; لإمكان استفادة الصحّة من العمومات ، وهو في محلّه إن لم يتحقّق الإجماع ، ثمّ على البطلان يكون الغرس لصاحبه ، فإن كان من مالك الأرض فعليه اُجرة عمل الغارس إن كان جاهلاً بالبطلان(3) ، وإن كان للعامل فعليه اُجرة الأرض للمالك مع جهله به ، وله الإبقاء بالاُجرة ، أو الأمر بقلع الغرس أو قلعه بنفسه ، وعليه أرش نقصانه إن نقص من جهة القلع ، ويظهر من جماعة أنّ عليه تفاوت ما بين قيمته قائماً ومقلوعاً ، ولا دليل عليه بعد كون المالك مستحقّاً للقلع ، ويمكن حمل كلام بعضهم على ما ذكرنا من أرش النقص الحاصل بسبب القلع إذا حصل ; بأن انكسر مثلا بحيث لايمكن غرسه في مكان آخر ، ولكن كلمات الآخرين لاتقبل هذا الحمل ، بل هي صريحة في ضمان التفاوت بين القائم والمقلوع ; حيث قالوا مع ملاحظة أوصافه
- (1) محلّ تأمّل وإشكال.
- (2) وهو الأحوط لو لم يكن أقوى.
- (3) بل مطلقاً كما مرّ مراراً، لكن بشرط عدم زيادة الاُجرة على مقدار حصّته، وإلاّ فلا يستحقّ الزيادة، وكذلك في اُجرة الأرض.
(الصفحة 635)
الحالية من كونه في معرض الإبقاء مع الاُجرة أو القلع .
ومن الغريب ما عن «المسالك» من ملاحظة كون قلعه مشروطاً بالأرش لا مطلقاً ، فإنّ استحقاقه للأرش من أوصافه وحالاته، فينبغي أن يلاحظ أيضاً في مقام التقويم ، مع أنّه مستلزم للدور كما اعترف به ، ثمّ إنّه إن قلنا بالبطلان يمكن تصحيح المعاملة بإدخالها تحت عنوان الإجارة أو المصالحة أو نحوهما مع مراعاة شرائطهما ، كأن تكون الاُصول مشتركة بينهما ، إمّا بشرائها بالشركة أو بتمليك أحدهما للآخر نصفاً منها مثلا إذا كانت من أحدهما ، فيصالح صاحب الأرض مع العامل بنصف منفعة أرضه مثلا ، أو بنصف عينها على أن يشتغل بغرسها وسقيه إلى زمان كذا ، أو يستأجره للغرس والسقي إلى زمان كذا بنصف منفعة الأرض مثلا .
[3567] مسألة 37 : إذا صدر من شخصين مغارسة ولم يعلم كيفيتها وأنّها على الوجه الصحيح أو الباطل بناءً على البطلان، يحمل فعلهما على الصحّة (1) إذا ماتا أو اختلفا في الصحّة والفساد .
تذنيب
في«الكافي» عن أبي عبدالله (عليه السلام):
«من أراد أن يلقّح النخل إذا كان لايجود عملها ولايتبعّل بالنخل فيأخذ حيتاناً صغاراً يابسة فيدقّها بين الدقّين ، ثمّ يذرّ في كلّ طلعة منها قليلاً، ويصرّ الباقي في صرّة نظيفة ثمّ يجعله في قلب النخل ينفع بإذن الله تعالى». وعن الصدوق في كتاب «العلل» بسنده عن عيسى بن جعفر العلويّ، عن آبائه (عليهم السلام)، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال :
«مرّ أخي عيسى (عليه السلام) بمدينة وإذا في
- (1) لا موقع لأصالة الصحّة في مثل المقام، وقد تقدّم منه (قدس سره) الإشكال في جريانها فيه.
(الصفحة 636)
ثمارها الدود ، فشكوا إليه ما بهم، فقال (عليه السلام) : دواء هذا معكم وليس تعلمون ، أنتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب وليس هكذا يجب ، بل ينبغي أن تصبّوا الماء في اُصول الشجر ثمّ تصبوا التراب كي لايقع فيه الدود ، فاستأنفوا كما وصف فذهب عنهم ذلك». وفي خبر عن أحدهما (عليهما السلام) قال : تقول إذا غرست أو زرعت :
«وَمَثَلُ كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ* تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِين بِإِذْنِ رَبِّهَا». وفي خبر آخر :
«إذا غرست غرساً أو نبتاً فاقرأ على كلّ عود أو حبّة : سبحان الباعث الوارث ، فإنّه لايكاد يخطئ إن شاء الله» .
(الصفحة 637)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الضمان
[فصل
في معنى الضمان وشرائطه وأحكامه]
وهو من الضمن ; لأنّه موجب لتضمّن ذمّة الضامن للمال الذي على المضمون عنه للمضمون له ، فالنون فيه أصليّة كما يشهد له سائر تصرّفاته من الماضي والمستقبل وغيرهما ، وما قيل من احتمال كونه من الضمّ فيكون النون زائدة واضح الفساد ، إذ مع منافاته لسائر مشتقّاته لازمه كون الميم مشدّدة . وله إطلاقان : إطلاق بالمعنى الأعمّ الشامل للحوالة والكفالة أيضاً ، فيكون بمعنى التعهّد بالمال أو النفس ، وإطلاق بالمعنى الأخصّ ; وهو التعهّد بالمال عيناً أو منفعة أو عملاً ، وهو المقصود من هذا الفصل .
ويشترط فيه اُمور :
أحدها : الإيجاب ، ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ ، بل يكفي الفعل الدالّ (1)ـ ولو
- (1) بالدلالة الظاهرة على إنشاء الضمان به، لكن فرضه مشكل.