(الصفحة 636)
ثمارها الدود ، فشكوا إليه ما بهم، فقال (عليه السلام) : دواء هذا معكم وليس تعلمون ، أنتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب وليس هكذا يجب ، بل ينبغي أن تصبّوا الماء في اُصول الشجر ثمّ تصبوا التراب كي لايقع فيه الدود ، فاستأنفوا كما وصف فذهب عنهم ذلك». وفي خبر عن أحدهما (عليهما السلام) قال : تقول إذا غرست أو زرعت :
«وَمَثَلُ كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ* تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِين بِإِذْنِ رَبِّهَا». وفي خبر آخر :
«إذا غرست غرساً أو نبتاً فاقرأ على كلّ عود أو حبّة : سبحان الباعث الوارث ، فإنّه لايكاد يخطئ إن شاء الله» .
(الصفحة 637)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الضمان
[فصل
في معنى الضمان وشرائطه وأحكامه]
وهو من الضمن ; لأنّه موجب لتضمّن ذمّة الضامن للمال الذي على المضمون عنه للمضمون له ، فالنون فيه أصليّة كما يشهد له سائر تصرّفاته من الماضي والمستقبل وغيرهما ، وما قيل من احتمال كونه من الضمّ فيكون النون زائدة واضح الفساد ، إذ مع منافاته لسائر مشتقّاته لازمه كون الميم مشدّدة . وله إطلاقان : إطلاق بالمعنى الأعمّ الشامل للحوالة والكفالة أيضاً ، فيكون بمعنى التعهّد بالمال أو النفس ، وإطلاق بالمعنى الأخصّ ; وهو التعهّد بالمال عيناً أو منفعة أو عملاً ، وهو المقصود من هذا الفصل .
ويشترط فيه اُمور :
أحدها : الإيجاب ، ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ ، بل يكفي الفعل الدالّ (1)ـ ولو
- (1) بالدلالة الظاهرة على إنشاء الضمان به، لكن فرضه مشكل.
(الصفحة 638)
بضميمة القرائن ـ على التعهّد والالتزام بما على غيره من المال .
الثاني : القبول من المضمون له ، ويكفي فيه أيضاً كلّ ما دلّ على ذلك من قول أو فعل(1) ، وعلى هذا فيكون من العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، كذا ذكروه(2) ، ولكن لايبعد دعوى عدم اشتراط القبول على حدّ سائر العقود اللازمة ، بل يكفي رضا المضمون له سابقاً أو لاحقاً ، كما عن «الإيضاح» والأردبيلي، حيث قالا : يكفي فيه الرضا ولايعتبر القبول العقدي ، بل عن «القواعد» : وفي اشتراط قبوله احتمال، ويمكن استظهاره من قضيّة الميّت المديون الذي امتنع النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يصلّي عليه حتّى ضمنه عليّ (عليه السلام) ، وعلى هذا فلايعتبر فيه ما يعتبر في العقود من الترتيب والموالاة وسائر ما يعتبر في قبولها . وأمّا رضا المضمون عنه فليس معتبراً فيه ، إذ يصحّ الضمان التبرّعي ، فيكون بمنزلة وفاء دين الغير تبرّعاً ، حيث لايعتبر رضاه ، وهذا واضح فيما لم يستلزم(3) الوفاء أو الضمان عنه ضرراً عليه أو حرجاً ; من حيث كون تبرّع هذا الشخص لوفاء دينه منافياً لشأنه ، كما إذا تبرّع وضيع ديناً عن شريف غنيّ قادر على وفاء دينه فعلاً .
الثالث : كون الضامن بالغاً عاقلاً ، فلايصحّ ضمان الصبي وإن كان مراهقاً ، بل وإن أذن له الوليّ على إشكال ، ولا ضمان المجنون إلاّ إذا كان أدوارياً في دور إفاقته ، وكذا يعتبر كون المضمون له بالغاً عاقلاً ، وأمّا المضمون عنه فلايعتبر فيه ذلك ، فيصحّ كونه صغيراً أو مجنوناً . نعم ، لاينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض .
الرابع : كونه مختاراً ، فلايصحّ(4) ضمان المكره .
- (1) إذا لم يكن الإيجاب باللفظ، وإلاّ ففيه إشكال كما مرّ.
- (2) ولعلّه الأظهر.
- (3) وفي صورة الاستلزام الحكم بالبطلان غير واضح.
- (4) وكذا لا يصحّ الضمان للمكره.
(الصفحة 639)
الخامس : عدم كونه محجوراً لسفه إلاّ بإذن الولي ، وكذا المضمون له ، ولا بأس بكون الضامن مفلساً ، فإنّ ضمانه نظير اقتراضه، فلايشارك المضمون له مع الغرماء ، وأمّا المضمون له فيشترط عدم كونه مفلساً ، ولا بأس بكون المضمون عنه سفيهاً أو مفلساً ، لكن لاينفع إذنه (1) في جواز الرجوع عليه .
السادس : أن لايكون الضامن مملوكاً غير مأذون من قبل مولاه على المشهور(2) ; لقوله تعالى :
{لاَ يَقدِرُ عَلَى شَىء} [النحل: 16 / 75] . ولكن لايبعد صحّة ضمانه وكونه في ذمّته يتبع به بعد العتق ، كما عن «التذكرة» و«المختلف». ونفي القدرة منصرف عمّا لاينافي حقّ المولى . ودعوى أنّ المملوك لا ذمّة له كما ترى ، ولذا لا إشكال في ضمانه لمتلفاته .
هذا ، وأمّا إذا أذن له مولاه فلا إشكال في صحّة ضمانه، وحينئذ فإن عيّن كونه في ذمّة نفسه أو في ذمّة المملوك يتبع به بعد عتقه أو في كسبه فهو المتّبع ، وإن أطلق الإذن ففي كونه في ذمّة المولى أو في كسب المملوك، أو في ذمّته يتبع به بعد عتقه، أو كونه متعلّقاً برقبته وجوه وأقوال ، أوجهها الأوّل لانفهامه عرفاً(3)، كما في إذنه للاستدانة لنفقته أو لأمر آخر ، وكما في إذنه في التزويج، حيث إنّ المهر والنفقة على مولاه . ودعوى الفرق بين الضمان والاستدانة; بأنّ الاستدانة موجبة لملكيّته، وحيث إنّه لا قابلية له لذلك يستفاد منه كونه على مولاه، بخلاف الضمان، حيث إنّه
- (1) في الزائد على مقدار تعلّق به الحجر; وهو مقدار نصيب المضمون له، وأمّا ذلك المقدار فلا مانع من تأثير إذنه في جواز الرجوع عليه حال حجره، كما أنّه يؤثّر مطلقاً بعد رفع الحجر.
- (2) وهو الأقوى.
- (3) لا إشكال فيه على فرض الانفهام، وأمّا على تقدير العدم والتردّد بين كونه في ذمّة نفسه أو في ذمّة العبد فالبطلان لا يخلو عن قوّة.
(الصفحة 640)
لا ملكيّة فيه ، مدفوعة بمنع عدم قابليّته للملكية ، وعلى فرضه أيضاً لايكون فارقاً بعد الانفهام العرفي .
السابع : التنجيز(1) ، فلو علّق الضمان على شرط ـ كأن يقول : أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي ، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا ، أو إن لم يف أصلاً ـ بطل على المشهور ، لكن لادليل عليه بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامّة إلاّ دعوى الإجماع في كلّ العقود على أنّ اللازم ترتّب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير ، أو دعوى منافات التعليق للإنشاء ، وفي الثاني ما لايخفى، وفي الأوّل منع تحقّقه في المقام ، وربما يقال : لايجوز تعليق الضمان ولكن يجوز تعليق الوفاء على شرط مع كون الضمان مطلقاً ، وفيه : أنّ تعليق الوفاء عين تعليق الضمان ولايعقل التفكيك(2) . نعم ، في المثال الثاني يمكن أن يقال بإمكان تحقّق الضمان منجّزاً مع كون الوفاء معلّقاً على عدم وفاء المضمون له ; لأنّه يصدق أنّه ضمن الدين على نحو الضمان في الأعيان المضمونة ، إذ حقيقته قضيّة تعليقيّة ، إلاّ أن يقال بالفرق بين الضمان العقدي والضمان اليدي .
الثامن : كون الدين الذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه ، سواء كان مستقرّاً كالقرض والعوضين في البيع الذي لا خيار فيه ، أو متزلزلاً كأحد العوضين
- (1) على الأحوط.
- (2) كون تعليق الوفاء عين تعليق الضمان ممنوع، وعلى فرض عدم تعقّل التفكيك كيف يعقل فرض إمكانه في بعض الموارد، مع أنّه إنّما يلائم على قول غيرنا من كون الضمان عبارة عن ضمّ ذمة إلى ذمّة، مع أنّ دعوى كون حقيقة الضمان في الأعيان المضمونة راجعة إلى قضية تعليقيّة ممنوعة أيضاً، وتوقّف ترتّب الأثر على مثل التلف فيها لا يوجب كون الضمان بنفسه قضية تعليقية، وإلاّ يلزم القول بمثله في المقام مطلقاً ولو في موارد عدم التعليق، فإنّ أثر الضمان إنّما يظهر على تقدير بقاء الدين وعدم سقوطه بأداء متبرّع ونحوه مثلاً، مع أنّه لم يعهد منهم دعوى التعليق في المقام في موارد العدم.