(الصفحة 640)
لا ملكيّة فيه ، مدفوعة بمنع عدم قابليّته للملكية ، وعلى فرضه أيضاً لايكون فارقاً بعد الانفهام العرفي .
السابع : التنجيز(1) ، فلو علّق الضمان على شرط ـ كأن يقول : أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي ، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا ، أو إن لم يف أصلاً ـ بطل على المشهور ، لكن لادليل عليه بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامّة إلاّ دعوى الإجماع في كلّ العقود على أنّ اللازم ترتّب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير ، أو دعوى منافات التعليق للإنشاء ، وفي الثاني ما لايخفى، وفي الأوّل منع تحقّقه في المقام ، وربما يقال : لايجوز تعليق الضمان ولكن يجوز تعليق الوفاء على شرط مع كون الضمان مطلقاً ، وفيه : أنّ تعليق الوفاء عين تعليق الضمان ولايعقل التفكيك(2) . نعم ، في المثال الثاني يمكن أن يقال بإمكان تحقّق الضمان منجّزاً مع كون الوفاء معلّقاً على عدم وفاء المضمون له ; لأنّه يصدق أنّه ضمن الدين على نحو الضمان في الأعيان المضمونة ، إذ حقيقته قضيّة تعليقيّة ، إلاّ أن يقال بالفرق بين الضمان العقدي والضمان اليدي .
الثامن : كون الدين الذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه ، سواء كان مستقرّاً كالقرض والعوضين في البيع الذي لا خيار فيه ، أو متزلزلاً كأحد العوضين
- (1) على الأحوط.
- (2) كون تعليق الوفاء عين تعليق الضمان ممنوع، وعلى فرض عدم تعقّل التفكيك كيف يعقل فرض إمكانه في بعض الموارد، مع أنّه إنّما يلائم على قول غيرنا من كون الضمان عبارة عن ضمّ ذمة إلى ذمّة، مع أنّ دعوى كون حقيقة الضمان في الأعيان المضمونة راجعة إلى قضية تعليقيّة ممنوعة أيضاً، وتوقّف ترتّب الأثر على مثل التلف فيها لا يوجب كون الضمان بنفسه قضية تعليقية، وإلاّ يلزم القول بمثله في المقام مطلقاً ولو في موارد عدم التعليق، فإنّ أثر الضمان إنّما يظهر على تقدير بقاء الدين وعدم سقوطه بأداء متبرّع ونحوه مثلاً، مع أنّه لم يعهد منهم دعوى التعليق في المقام في موارد العدم.
(الصفحة 641)
في البيع الخياري ; كما إذا ضمن الثمن الكلّي للبائع ، أو المبيع الكلّي للمشتري ، أو المبيع الشخصي (1) قبل القبض ، وكالمهر قبل الدخول ونحو ذلك ، فلو قال : أقرض فلاناً كذا وأنا ضامن ، أو بعه نسيئة وأنا ضامن لم يصحّ على المشهور(2) ، بل عن «التذكرة» الإجماع ، قال : لو قال لغيره : مهما أعطيت فلاناً فهو عليّ لم يصحّ إجماعاً ، ولكن ما ذكروه من الشرط ينافي جملة من الفروع الآتية ، ويمكن أن يقال بالصحّة إذا حصل المقتضي للثبوت وإن لم يثبت فعلاً بل مطلقاً ; لصدق الضمان وشمول العمومات العامّة، وإن لم يكن من الضمان المصطلح عندهم ، بل يمكن منع عدم كونه منه أيضاً .
التاسع : أن لايكون ذمّة الضامن مشغولة للمضمون عنه بمثل الدين الذي عليه على ما يظهر من كلماتهم في بيان الضمان بالمعنى الأعمّ ، حيث قالوا : إنّه بمعنى التعهّد بمال أو نفس، فالثاني الكفالة ، والأوّل إن كان ممّن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة ، وإن لم يكن فضمان بالمعنى الأخصّ، ولكن لا دليل على هذا الشرط ، فاذا ضمن للمضمون عنه بمثل ماله عليه يكون ضماناً ، فإن كان بإذنه يتهاتران بعد أداء مال الضمان ، وإلاّ فيبقى الذي للمضمون عنه عليه وتفرغ ذمّته ممّا عليه بضمان الضامن تبرّعاً ، وليس من الحوالة ; لأنّ المضمون عنه على التقديرين لم يحل مديونه على الضامن حتّى تكون حوالة ، ومع الإغماض عن ذلك غاية ما يكون أنّه يكون داخلاً في كلا العنوانين ، فيترتّب عليه ما يختصّ بكل منهما، مضافاً إلى ما يكون مشتركاً .
العاشر : امتياز الدين والمضمون له والمضمون عنه عند الضامن على وجه يصحّ معه القصد إلى الضمان ، ويكفي التميّز الواقعي وإن لم يعلمه الضامن ، فالمضرّ هو
- (1) ليس هذا من أمثلة المقام.
- (2) وهو الأحوط بل الأقوى.
(الصفحة 642)
الإبهام والترديد ، فلايصحّ(1) ضمان أحد الدينين ولو لشخص واحد على شخص واحد على وجه الترديد مع فرض تحقّق الدينين ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد ، ولا ضمان دين لأحد الشخصين ولو على واحد ، ولو قال : ضمنت الدين الذي على فلان ولم يعلم أنّه لزيد أو لعمرو ، أو الدين الذي لفلان ولم يعلم أنّه على زيد أو على عمرو صحّ ; لأنّه متعيّن واقعاً ، وكذا لو قال : ضمنت لك كلّ ما كان لك على الناس ، أو قال : ضمنت عنك كلّ ما كان عليك لكلّ من كان من الناس ، ومن الغريب ما عن بعضهم من اعتبار العلم بالمضمون عنه والمضمون له بالوصف والنسب ، أو العلم باسمهما ونسبهما ، مع أنّه لا دليل عليه أصلاً ، ولم يعتبر ذلك في البيع الذي هو أضيق دائرة من سائر العقود .
[3568] مسألة 1 : لايشترط في صحّة الضمان العلم بمقدار الدين ولا بجنسه ، ويمكن أن يستدّل عليه ـ مضافاً إلى العمومات العامّة، وقوله (صلى الله عليه وآله) :
«الزعيم غارم» ـ بضمان(2) عليّ بن الحسين (عليهما السلام) لدين عبدالله بن الحسن، وضمانه لدين محمّد ابن اُسامة ، لكن الصحّة مخصوصة بما إذا كان له واقع معيّن ، وأمّا إذا لم يكن كذلك، كقولك : ضمنت شيئاً من دينك فلايصحّ ، ولعلّه مراد من قال : إنّ الصحّة إنّما هي فيما إذا كان يمكن العلم به بعد ذلك ، فلايرد عليه ما يقال من عدم الإشكال في الصحّة مع فرض تعيّنه واقعاً، وإن لم يمكن العلم به فيأخذ بالقدر المعلوم .
هذا ، وخالف بعضهم فاشترط العلم به لنفي الغرر والضرر ، وردّ بعدم العموم في الأوّل لاختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات ، وبالإقدام في الثاني ، ويمكن الفرق بين الضمان التبرّعي والإذني ، فيعتبر في الثاني دون الأوّل ; إذ ضمان عليّ بن الحسين (عليهما السلام) كان تبرّعيّاً، واختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع ، بل يجري في
- (1) على الأحوط.
- (2) الاستدلال بالروايتين لا يخلو من الإشكال من جهات.
(الصفحة 643)
مثل المقام الشبيه بالمعاوضة إذا كان بالإذن مع قصد الرجوع على الآذن ، وهذا التفصيل لايخلو عن قرب(1) .
[3569] مسألة 2 : إذا تحقّق الضمان الجامع لشرائط الصحّة انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وتبرأ ذمّة المضمون عنه بالإجماع والنصوص ، خلافاً للجمهور حيث إنّ الضمان عندهم ضمّ ذمّة إلى ذمّة ، وظاهر كلمات الأصحاب عدم صحّة ما ذكروه حتّى مع التصريح به على هذا النحو ، ويمكن(2)الحكم بصحّته حينئذ للعمومات .
[3570] مسألة 3 : إذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت ذمّته وذمّة(3) المضمون عنه ، وإن أبرأ ذمّة المضمون عنه لم يؤثّر شيئاً ، فلا تبرأ ذمّة الضامن ; لعدم المحلّ للإبراء بعد براءته بالضمان ، إلاّ إذا استفيد منه الإبراء من الدين الذي كان عليه، بحيث يفهم منه عرفاً إبراء ذمّة الضامن . وأمّا في الضمان بمعنى ضمّ ذمّة إلى ذمّة، فإن أبرأ ذمّة المضمون عنه برئت ذمّة الضامن أيضاً، وإن أبرأ ذمة الضامن فلاتبرأ ذمة المضمون عنه ، كذا قالوا ، ويمكن أن يقال(4) ببراءة ذمّتهما على التقديرين .
[3571] مسألة 4 : الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له ، فلايجوز للضامن فسخه حتّى لو كان بإذن المضمون عنه وتبيّن إعساره . وكذا لايجوز
- (1) والأقرب منه العدم.
- (2) ولكنّه مشكل.
- (3) في العبارة مسامحة.
- (4) لكنّه ضعيف على تقدير كون المراد من ضمّ الذمّة إلى اُخرى أن تكون ذمّة الضامن وثيقة للدين، ضرورة أنّ إسقاط الوثيقة لا يلازم إسقاط الدين، وأمّا لو كان المراد منه تعدّد الذمم بالإضافة إلى دين واحد، كما في الأيادي المتعدّدة في ضمان الأعيان المضمونة، ويؤيّده حكم بعض القائلين بهذا القول بجواز رجوع المضمون له إلى كلّ واحد منهما على التخيير، فهذا الاحتمال ليس بضعيف.
(الصفحة 644)
للمضمون له فسخه والرجوع على المضمون عنه ، لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره ، بخلاف ما لو كان معسراً حين الضمان وكان جاهلاً بإعساره ، ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، ويستفاد من بعض الأخبار أيضاً ، والمدار كما أشرنا إليه في الإعسار واليسار على حال الضمان ، فلو كان موسراً ثمّ أعسر لايجوز له الفسخ ، كما أنّه لو كان معسراً ثمّ أيسر يبقى الخيار(1) ، والظاهر عدم الفرق في ثبوت الخيار مع الجهل بالإعسار بين كون المضمون عنه أيضاً معسراً أو لا ، وهل يلحق بالإعسار تبيّن كونه مماطلاً مع يساره في ثبوت الخيار أو لا ؟ وجهان(2) .
[3572] مسألة 5 : يجوز(3) اشتراط الخيار في الضمان للضامن والمضمون له ; لعموم أدلّة الشروط ، والظاهر جواز اشتراط شيء لكلّ منهما ، كما إذا قال الضامن : أنا ضامن بشرط(4) أن تخيط لي ثوباً ، أو قال المضمون له : أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا ، ومع التخلّف يثبت للشارط خيار تخلّف الشرط .
[3573] مسألة 6 : إذا تبيّن كون الضامن مملوكاً وضمن من غير إذن مولاه، أو بإذنه وقلنا : إنّه يتبع بما ضمن بعد العتق لايبعد ثبوت الخيار للمضمون له .
[3574] مسألة 7 : يجوز ضمان الدين الحالّ حالاّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان المؤجّل حالاّ ومؤجّلاً بمثل ذلك الأجل أو أزيد أو أنقص ، والقول بعدم صحّة الضمان إلاّ مؤجّلاً وأنّه يعتبر فيه الأجل كالسلم ضعيف ، كالقول بعدم صحّة ضمان الدين
- (1) إلاّ إذا كان العلم بالإعسار بعد حدوث اليسار، ففيه يكون بقاء الخيار محلّ تأمّل وارتياب.
- (2) أظهرهما العدم.
- (3) على إشكال فيه وفي ثبوت الخيار عند تخلّف الشرط.
- (4) أي مع شرط.