(الصفحة 661)
يقول : إنّه للإذن في الضمان ، فهو كما لو ادّعى على شخص أنّه يطلب منه عشر قرانات قرضاً ، والمدّعي ينكر القرض ويقول : إنّه يطلبه من باب ثمن المبيع ، فأصل الطلب معلوم ولو لم يعترف(1) المضمون عنه بالضمان أو الإذن فيه، وثبت عليه ذلك بالبيّنة ، فكذلك يجوز له الرجوع عليه مقاصّة عمّا أخذ منه ، وهل يجوز للشاهدين على الإذن في الضمان حينئذ أن يشهدا بالإذن من غير بيان كونه الإذن في الضمان، أو كونه الإذن في الأداء ؟ الظاهر(2) ذلك وإن كان لايخلو عن إشكال ، وكذا في نظائره ، كما إذا ادّعى شخص على آخر أنّه يطلب قرضاً ، وبيّنته تشهد بأنّه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض ، فيجوز لهما أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أنّه للقرض أو لثمن المبيع على إشكال .
[3614] مسألة 5 : إذا ادّعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون له وحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدّقه في ذلك ، وإن صدّقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه، وتقبل شهادته له بالأداء إذا لم يكن هناك مانع من تهمة أو غيرها ممّا يمنع من قبول الشهادة .
- (1) لم يظهر لي مورد المسألة. وأنّ عدم الاعتراف هل فرض في صورة ادّعاء الضامن الضمان والإذن فيه، أو فرض في صورة ادّعائه الإذن في الأداء، وكون المأخوذ منه ظلماً؟ فعلى الأوّل لا معنى للمقاصّة أصلاً; لأنّه بعد فرض الثبوت بالبيّنة يجوز له الرجوع على المضمون عنه بعنوان الضمان، وعلى الثاني لا وجه لقيام البيّنة على غير ما يدّعيه المدّعي بل ينكره; لأنّ مدّعى الضامن إنّما يدّعي مجرّد الإذن وينكر الضمان رأساً، والمفروض إنكار المضمون عنه له أيضاً، كما أنّه لا وجه لإقامة المضمون له البيّنة، على أنّ المضمون عنه قد أذن في الضمان، فالعبارة مشوّشة جدّاً.
- (2) بل الظاهر العدم; لما اُفيد من أنّه ليس الإذن مع قطع النظر عن متعلّقه موضوعاً متحصّلاً له أحكام حتّى يترتّب عليه أحكامه بقيام البيّنة عليه بدون ذكر متعلّقه، وليس مثل الدين، فإنّ له في حدّ نفسه تحصّلاً وأحكاماً، وليس متقوّماً بأسبابه.
(الصفحة 662)
[3615] مسألة 6 : لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى جاز له الرجوع عليه ، ولو ادّعى الوفاء وأنكر الإذن قبل قول المأذون ; لأنّه أمين من قبله ، ولو قيّد الأداء بالإشهاد وادّعى الإشهاد وغيبة الشاهدين قبل قوله أيضاً ، ولو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع . نعم ، لو علم أنّه وفّاه ولكن لم يشهد يحتمل جواز(1) الرجوع عليه ; لأنّ الغرض من الإشهاد العلم بحصول الوفاء والمفروض تحقّقه .
- (1) بل هو الظاهر فيما لو كان الغرض من الإشهاد علم الآذن بحصول الوفاء من قبل المأذون. وأمّا لو كان الغرض منه القدرة على إقامة البيّنة في مقابل الدائن لو أنكر الوفاء فرضاً، أو كان الغرض منه كلا الأمرين فجواز الرجوع عليه في الفرضين بعيد.
(الصفحة 663)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحوالة
[فصل
في معنى الحوالة وشرائطها وأحكامها]
وهي عندهم تحويل المال من ذمّة إلى ذمّة ، والأولى أن يقال : إنّها إحالة المديون دائنه إلى غيره ، أو إحالة المديون دينه من ذمّته إلى ذمّة غيره ، وعلى هذا فلاينتقض طرده بالضمان ، فإنّه وإن كان تحويلاً من الضامن للدين من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّته إلاّ أنّه ليس فيه الإحالة المذكورة ، خصوصاً إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه .
ويشترط فيها ـ مضافاً إلى البلوغ والعقل والاختيار ، وعدم السفه في الثلاثة من المحيل والمحتال والمحال عليه ، وعدم الحجر بالسفه (1) في المحتال والمحال عليه(2) ، بل والمحيل ، إلاّ إذا كانت الحوالة على البريء فإنّه لا بأس به(3) ، فإنّه نظير
- (1) الظاهر اشتباه النسخ، والصواب بالفلس، كما أنّ الظاهر اتحاد حكم السفه معه.
- (2) لا وجه لاعتبار عدم الفلس بالإضافة إلى المحال عليه، والحجر عليه في أمواله الموجودة لا يستلزم الحجر عليه في الحوالة.
- (3) من دون فرق بين أن يكون المحيل مفلساً، أو المحال عليه.
(الصفحة 664)
الاقتراض منه ـ اُمور :
أحدها : الإيجاب والقبول على ما هو المشهور بينهم ، حيث عدّوها من العقود اللازمة، فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال ، وأمّا المحال عليه فليس من أركان العقد وإن اعتبرنا رضاه مطلقاً أو إذا كان بريئاً ، فإنّ مجرّد اشتراط الرضا منه لايدلّ على كونه طرفاً وركناً للمعاملة ، ويحتمل أن يقال : يعتبر(1) قبوله أيضاً ، فيكون العقد مركّباً من الإيجاب والقبولين ، وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللازمة ; من الموالاة بين الإيجاب والقبول ونحوها ، فلا تصحّ مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما ; بأن أوقع الحوالة بالكتابة ، ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع(2) . غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرّد هذا لايصيّره عقداً ، وذلك لأنّها نوع من وفاء الدين، وإن كانت توجب انتقال الدين من ذمّته إلى ذمّة المحال عليه ، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء، وهو لايكون عقداً وإن احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس، فإنّه يعتبر فيه رضا الدائن ومع ذلك إيقاع ، ومن ذلك يظهر أنّ الضمان أيضاً من الإيقاع ، فإنّه نوع من الوفاء، وعلى هذا فلايعتبر فيهما شيء ممّا يعتبر في العقود
- (1) لا يبعد ذلك فيما إذا كانت الحوالة على البريء، أو بغير الجنس الذي على المحال عليه، ولكن الظاهر عدم إخلال الفصل على النحو المتعارف فيها، وأمّا في غيرهما فالأحوط اعتباره بالنحو الذي ذكرنا.
- (2) الظاهر أنّ الحوالة وكذا الضمان والوكالة كلّها من العقود، أمّا الحوالة فلأنّ حقيقتها لا ترجع إلى الوفاء، بل هي عبارة عن نقل المحيل ما في ذمّته للمحتال إلى المحال عليه، فهو تصرّف في ملك الغير من جهة، وفي ذمّة الغير من جهة اُخرى، ولا يعقل تحقّقها بدون القبول. وأمّا الضمان فكذلك لما ذكر. وأمّا الوكالة فلأنّها تغاير مجرّد الإذن; لأنّ حقيقتها النيابة المضافة إليهما، وليس لأحدهما الاستقلال فيها، والمفروض أنّه موضوع في الشرع والعرف لآثار خاصّة، وهذا بخلاف الإذن الذي هو مجرّد ترخيص.
(الصفحة 665)
اللازمة ، ويتحقّقان بالكتابة ونحوها ، بل يمكن دعوى أنّ الوكالة أيضاً كذلك ، كما أنّ الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر ، ألا ترى أنّه لافرق بين أن يقول : أنت مأذون في بيع داري ، أو قال : أنت وكيل ، مع أنّ الأوّل من الإيقاع قطعاً .
الثاني : التنجيز(1) ، فلاتصحّ مع التعليق على شرط أو وصف ، كما هو ظاهر المشهور ، لكن الأقوى عدم اعتباره كما مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين .
الثالث : الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال ، وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرّع المحال عليه بالوفاء; بأن قال للمحتال : أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي ، وحينئذ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل ، لا وجه له ; إذ المفروض لايكون من الحوالة بل هو من الضمان ، وكذا من المحال عليه إذا كان بريئاً أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه ، وأمّا إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف ، ولايبعد التفصيل (2) بين أن يحوّله عليه بماله عليه; بأن يقول : أعطه من الحقّ الذي لي عليك ، فلايعتبر رضاه، فإنّه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه وإن كان بنحو إشتغال ذمّته للمحتال وبراءة ذمّة المحيل بمجرّد الحوالة ، بخلاف ما إذا وكّله ، فإنّ ذمّة المحيل مشغولة إلى حين الأداء ، وبين أن يحوّله عليه من غير نظر إلى الحقّ الذي له عليه على نحو الحوالة على البريء ، فيعتبر رضاه ; لأنّ شغل ذمّته بغير رضاه على خلاف القاعدة ، وقد يعلّل باختلاف الناس في الاقتضاء فلابدّ من رضاه ، ولايخفى ضعفه ، كيف وإلاّ لزم عدم جواز بيع دينه على غيره مع أنّه لا إشكال فيه .
- (1) على الأحوط.
- (2) لا محصّل لهذا التفصيل لعدم الفرق بين الحوالتين وكونهما بنحو واحد، والأحوط اعتبار رضاه، بل قبوله في المقامين.