(الصفحة 665)
اللازمة ، ويتحقّقان بالكتابة ونحوها ، بل يمكن دعوى أنّ الوكالة أيضاً كذلك ، كما أنّ الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر ، ألا ترى أنّه لافرق بين أن يقول : أنت مأذون في بيع داري ، أو قال : أنت وكيل ، مع أنّ الأوّل من الإيقاع قطعاً .
الثاني : التنجيز(1) ، فلاتصحّ مع التعليق على شرط أو وصف ، كما هو ظاهر المشهور ، لكن الأقوى عدم اعتباره كما مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين .
الثالث : الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال ، وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل فيما لو تبرّع المحال عليه بالوفاء; بأن قال للمحتال : أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي ، وحينئذ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل ، لا وجه له ; إذ المفروض لايكون من الحوالة بل هو من الضمان ، وكذا من المحال عليه إذا كان بريئاً أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه ، وأمّا إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف ، ولايبعد التفصيل (2) بين أن يحوّله عليه بماله عليه; بأن يقول : أعطه من الحقّ الذي لي عليك ، فلايعتبر رضاه، فإنّه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه وإن كان بنحو إشتغال ذمّته للمحتال وبراءة ذمّة المحيل بمجرّد الحوالة ، بخلاف ما إذا وكّله ، فإنّ ذمّة المحيل مشغولة إلى حين الأداء ، وبين أن يحوّله عليه من غير نظر إلى الحقّ الذي له عليه على نحو الحوالة على البريء ، فيعتبر رضاه ; لأنّ شغل ذمّته بغير رضاه على خلاف القاعدة ، وقد يعلّل باختلاف الناس في الاقتضاء فلابدّ من رضاه ، ولايخفى ضعفه ، كيف وإلاّ لزم عدم جواز بيع دينه على غيره مع أنّه لا إشكال فيه .
- (1) على الأحوط.
- (2) لا محصّل لهذا التفصيل لعدم الفرق بين الحوالتين وكونهما بنحو واحد، والأحوط اعتبار رضاه، بل قبوله في المقامين.
(الصفحة 666)
الرابع : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ، سواء كان مستقرّاً او متزلزلاً ، فلاتصحّ في غير الثابت ، سواء وجد سببه كـ «مال الجعالة» قبل العمل ومال السبق والرماية قبل حصول السبق ، أو لم يوجد سببه أيضاً كالحوالة بما يستقرضه ، هذا ما هو المشهور(1) ، لكن لايبعد كفاية حصول السبب كما ذكرنا في الضمان ، بل لايبعد الصحّة(2) فيما إذا قال : أقرضني كذا وخذ عوضه من زيد ، فرضي ورضي زيد أيضاً ; لصدق الحوالة وشمول العمومات ، فتفرغ ذمّة المحيل وتشتغل ذمّة المحال بعد العمل وبعد الاقتراض .
الخامس : أن يكون المال المحال به معلوماً جنساً وقدراً ، للمحيل والمحتال ، فلاتصحّ الحوالة بالمجهول على المشهور للغرر ، ويمكن أن يقال بصحّته إذا كان آئلاً إلى العلم كما إذا كان ثابتاً في دفتره ، على حدّ ما مرّ في الضمان من صحّته مع الجهل بالدين ، بل لايبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقّن ، بل وكذا لو قال : كلّما شهدت به البيّنة وثبت خذه من فلان . نعم ، لو كان مبهماً كما إذا قال : أحد الدينين اللذين لك عليّ خذ من فلان، بطل ، وكذا لو قال : خذ شيئاً من دينك من فلان . هذا ، ولو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن(3)الحكم بصحّته ; لعدم الإبهام فيه حينئذ .
السادس : تساوي المالين ـ أي المحال به والمحال عليه ـ جنساً ونوعاً ووصفاً على ما ذكره جماعة، خلافاً لآخرين ، وهذا العنوان وإن كان عامّاً إلاّ أنّ مرادهم
- (1) قد مرّ في باب الضمان أنّه الأحوط بل الأقوى.
- (2) والأقوى فيه عدم الصحّة.
- (3) لم يعلم الفرق بينه وبين الفرض السابق الذي صرّح فيه بالبطلان، إلاّ إذا فرض تساوي الدينين هنا من جميع الجهات دون ذلك الفرض، أو كان الغرض هناك ما كان معيّناً في قصده وإن لم يذكر. ودعوى كون هذه الصورة أولى بالصحّة ممنوعة.
(الصفحة 667)
بقرينة التعليل بقولهم : تفصّياً من التسلّط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمّته به ، إذ لايجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه فيما كانت الحوالة على مشغول الذمّة بغير ما هو مشغول الذمّة به; كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير ; بأن يدفع بدل الدنانير دراهم ، فلايشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، أو على مشغول الذمّة بالدنانير بأن يدفع الدراهم ، ولعلّه لأنّه وفاء بغير الجنس برضا الدائن ، فمحلّ الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس ، والوجه في عدم الصحّة ما اُشير إليه من أنّه لايجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه ، وأيضاً الحكم على خلاف القاعدة، ولا إطلاق في خصوص الباب ولا سيرة كاشفة، والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة ، ووجه الصحّة أنّ غاية ما يكون أنّه مثل الوفاء بغير الجنس ولا بأس به (1)، وهذا هو الأقوى .
ثمّ لايخفى أنّ الإشكال إنّما هو فيما إذا قال : أعط ممّا لي عليك من الدنانير دراهم ; بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه ، وأمّا إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلاينبغي الإشكال فيه ، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، وحينئذ فتفرغ ذمّة المحيل من الدراهم وتشتغل ذمّة المحال عليه بها ، وتبقى ذمّة المحال عليه مشغولة بالدنانير، وتشتغل ذمّة المحيل له بالدراهم ، فيتحاسبان بعد ذلك ، ولعلّ الخلاف أيضاً مختصّ بالصورة الاُولى لا ما يشمل هذه الصورة أيضاً ، وعلى هذا فيختصّ الخلاف بصورة واحدة وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمّة; بأن يدفع من طرف ما عليه من الحقّ بغير جنسه ، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم .
[3616] مسألة 1 : لا فرق في المال المحال به أن يكون عيناً في الذمّة أو منفعة أو
- (1) غاية الأمر أنّه قد مرّ اعتبار رضا المحال عليه حينئذ.
(الصفحة 668)
عملاً لايعتبر فيه المباشرة ، ولو مثل الصلاة والصوم والحجّ والزيارة والقراءة ، سواء كانت على بريء أو على مشغول الذمّة بمثلها ، وأيضاً لا فرق بين أن يكون مثليّاً كالطعام أو قيميّاً كالعبد والثوب ، والقول بعدم الصحّة في القيمي للجهالة ضعيف ، والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها .
[3617] مسألة 2 : إذا تحقّقت الحوالة برئت ذمّة المحيل وإن لم يبرئه المحتال ، والقول بالتوقف على إبرائه ضعيف ، والخبر الدالّ على تقييد عدم الرجوع على المحيل بالإبراء من المحتال المراد منه القبول لا اعتبارها بعده أيضاً ، وتشتغل(1) ذمّة المحال عليه للمحتال فينتقل الدين إلى ذمّته ، وتبرأ ذمّة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به ، وتشتغل ذمّة المحيل للمحال عليه إن كانت على بريء أو كانت بغير المثل ويتحاسبان بعد ذلك .
[3618] مسألة 3 : لايجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على مليّ .
[3619] مسألة 4 : الحوالة لازمة فلايجوز فسخها بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة . نعم ، لو كانت على معسر مع جهل المحتال بإعساره يجوز له الفسخ والرجوع على المحيل ، والمراد من الإعسار أن لايكون له ما يوفي دينه زائداً على مستثنيات الدين ، وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم ، ولايعتبر فيه كونه محجوراً ، والمناط الإعسار واليسار حال الحوالة وتماميّتها ، ولايعتبر الفور في جواز الفسخ ، ومع إمكان الاقتراض والبناء عليه يسقط (2) الخيار للانصراف على إشكال ، وكذا مع وجود المتبرّع .
[3620] مسألة 5: الأقوى جواز الحوالة على البريء، ولايكون داخلاً في الضمان.
- (1) أي بمجرّد الحوالة وإن لم يتحقّق الأداء من المحال عليه، وسيأتي البحث عن ذلك في المسألة العاشرة وأنّ الأقوى خلاف ذلك.
- (2) والأقرب عدم السقوط.
(الصفحة 669)
[3621] مسألة 6 : يجوزاشتراط خيار الفسخ لكلّ من الثلاثة .
[3622] مسألة 7 : يجوز الدور في الحوالة، وكذا يجوز الترامي بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، أو بتعدّد المحتال واتّحاد المحال عليه .
[3623] مسألة 8 : لو تبرّع أجنبيّ عن المحال عليه برئت ذمّته ، وكذا لو ضمن عنه ضامن برضا المحتال ، وكذا لو تبرّع المحيل عنه .
[3624] مسألة 9 : لو أحال عليه فقبل وأدّى ، ثمّ طالب المحيل بما أدّاه فادّعى أنّه كان له عليه مال و أنكر المحال عليه ، فالقول قوله مع عدم البيّنة، فيحلف على براءته ويطالب عوض ما أدّاه; لأصالة البراءة من شغل ذمّته للمحيل . ودعوى أنّ الأصل أيضاً عدم اشتغال ذمّة المحيل بهذا الأداء ، مدفوعة بأنّ الشكّ في حصول اشتغال ذمّته وعدمه مسبّب عن الشكّ في اشتغال ذمّة المحال عليه وعدمه ، وبعد جريان أصالة براءة ذمّته يرتفع الشكّ .
هذا على المختار من صحّة الحوالة على البريء ، وأمّا على القول بعدم صحتها فيقدّم قول المحيل ; لأنّ مرجع الخلاف إلى صحّة الحوالة وعدمها، ومع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدّم قول مدّعي الصحّة وهو المحيل ، ودعوى أنّ تقديم قول مدّعي الصحّة إنّما هو إذا كان النزاع بين المتعاقدين، وهما في الحوالة المحيل والمحتال; وأمّا المحال عليه فليس طرفاً وإن اعتبر رضاه في صحّتها ، مدفوعة أوّلاً بمنع عدم كونه طرفاً ، فإنّ الحوالة مركّبة من إيجاب وقبولين ، وثانياً يكفي اعتبار رضاه في الصحّة في جعل اعترافه بتحقّق المعاملة حجّة عليه بالحمل على الصحّة . نعم ، لو لم يعترف بالحوالة بل ادّعى أنّه أذن له في أداء دينه يقدّم قوله لأصالة البراءة من شغل ذمّته، فبإذنه في أداء دينه له مطالبة عوضه، ولم يتحقّق هنا حوالة بالنسبة إليه حتّى تحمل على الصحّة، وإن تحقّق بالنسبة إلى المحيل والمحتال لاعترافهما بها .
[3625] مسألة 10 : قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة ـ حيث قالوا : لو أحال