(الصفحة 667)
بقرينة التعليل بقولهم : تفصّياً من التسلّط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمّته به ، إذ لايجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه فيما كانت الحوالة على مشغول الذمّة بغير ما هو مشغول الذمّة به; كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير ; بأن يدفع بدل الدنانير دراهم ، فلايشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، أو على مشغول الذمّة بالدنانير بأن يدفع الدراهم ، ولعلّه لأنّه وفاء بغير الجنس برضا الدائن ، فمحلّ الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس ، والوجه في عدم الصحّة ما اُشير إليه من أنّه لايجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه ، وأيضاً الحكم على خلاف القاعدة، ولا إطلاق في خصوص الباب ولا سيرة كاشفة، والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة ، ووجه الصحّة أنّ غاية ما يكون أنّه مثل الوفاء بغير الجنس ولا بأس به (1)، وهذا هو الأقوى .
ثمّ لايخفى أنّ الإشكال إنّما هو فيما إذا قال : أعط ممّا لي عليك من الدنانير دراهم ; بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه ، وأمّا إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلاينبغي الإشكال فيه ، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير ، وحينئذ فتفرغ ذمّة المحيل من الدراهم وتشتغل ذمّة المحال عليه بها ، وتبقى ذمّة المحال عليه مشغولة بالدنانير، وتشتغل ذمّة المحيل له بالدراهم ، فيتحاسبان بعد ذلك ، ولعلّ الخلاف أيضاً مختصّ بالصورة الاُولى لا ما يشمل هذه الصورة أيضاً ، وعلى هذا فيختصّ الخلاف بصورة واحدة وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمّة; بأن يدفع من طرف ما عليه من الحقّ بغير جنسه ، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم .
[3616] مسألة 1 : لا فرق في المال المحال به أن يكون عيناً في الذمّة أو منفعة أو
- (1) غاية الأمر أنّه قد مرّ اعتبار رضا المحال عليه حينئذ.
(الصفحة 668)
عملاً لايعتبر فيه المباشرة ، ولو مثل الصلاة والصوم والحجّ والزيارة والقراءة ، سواء كانت على بريء أو على مشغول الذمّة بمثلها ، وأيضاً لا فرق بين أن يكون مثليّاً كالطعام أو قيميّاً كالعبد والثوب ، والقول بعدم الصحّة في القيمي للجهالة ضعيف ، والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها .
[3617] مسألة 2 : إذا تحقّقت الحوالة برئت ذمّة المحيل وإن لم يبرئه المحتال ، والقول بالتوقف على إبرائه ضعيف ، والخبر الدالّ على تقييد عدم الرجوع على المحيل بالإبراء من المحتال المراد منه القبول لا اعتبارها بعده أيضاً ، وتشتغل(1) ذمّة المحال عليه للمحتال فينتقل الدين إلى ذمّته ، وتبرأ ذمّة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به ، وتشتغل ذمّة المحيل للمحال عليه إن كانت على بريء أو كانت بغير المثل ويتحاسبان بعد ذلك .
[3618] مسألة 3 : لايجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على مليّ .
[3619] مسألة 4 : الحوالة لازمة فلايجوز فسخها بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة . نعم ، لو كانت على معسر مع جهل المحتال بإعساره يجوز له الفسخ والرجوع على المحيل ، والمراد من الإعسار أن لايكون له ما يوفي دينه زائداً على مستثنيات الدين ، وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم ، ولايعتبر فيه كونه محجوراً ، والمناط الإعسار واليسار حال الحوالة وتماميّتها ، ولايعتبر الفور في جواز الفسخ ، ومع إمكان الاقتراض والبناء عليه يسقط (2) الخيار للانصراف على إشكال ، وكذا مع وجود المتبرّع .
[3620] مسألة 5: الأقوى جواز الحوالة على البريء، ولايكون داخلاً في الضمان.
- (1) أي بمجرّد الحوالة وإن لم يتحقّق الأداء من المحال عليه، وسيأتي البحث عن ذلك في المسألة العاشرة وأنّ الأقوى خلاف ذلك.
- (2) والأقرب عدم السقوط.
(الصفحة 669)
[3621] مسألة 6 : يجوزاشتراط خيار الفسخ لكلّ من الثلاثة .
[3622] مسألة 7 : يجوز الدور في الحوالة، وكذا يجوز الترامي بتعدّد المحال عليه واتّحاد المحتال ، أو بتعدّد المحتال واتّحاد المحال عليه .
[3623] مسألة 8 : لو تبرّع أجنبيّ عن المحال عليه برئت ذمّته ، وكذا لو ضمن عنه ضامن برضا المحتال ، وكذا لو تبرّع المحيل عنه .
[3624] مسألة 9 : لو أحال عليه فقبل وأدّى ، ثمّ طالب المحيل بما أدّاه فادّعى أنّه كان له عليه مال و أنكر المحال عليه ، فالقول قوله مع عدم البيّنة، فيحلف على براءته ويطالب عوض ما أدّاه; لأصالة البراءة من شغل ذمّته للمحيل . ودعوى أنّ الأصل أيضاً عدم اشتغال ذمّة المحيل بهذا الأداء ، مدفوعة بأنّ الشكّ في حصول اشتغال ذمّته وعدمه مسبّب عن الشكّ في اشتغال ذمّة المحال عليه وعدمه ، وبعد جريان أصالة براءة ذمّته يرتفع الشكّ .
هذا على المختار من صحّة الحوالة على البريء ، وأمّا على القول بعدم صحتها فيقدّم قول المحيل ; لأنّ مرجع الخلاف إلى صحّة الحوالة وعدمها، ومع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدّم قول مدّعي الصحّة وهو المحيل ، ودعوى أنّ تقديم قول مدّعي الصحّة إنّما هو إذا كان النزاع بين المتعاقدين، وهما في الحوالة المحيل والمحتال; وأمّا المحال عليه فليس طرفاً وإن اعتبر رضاه في صحّتها ، مدفوعة أوّلاً بمنع عدم كونه طرفاً ، فإنّ الحوالة مركّبة من إيجاب وقبولين ، وثانياً يكفي اعتبار رضاه في الصحّة في جعل اعترافه بتحقّق المعاملة حجّة عليه بالحمل على الصحّة . نعم ، لو لم يعترف بالحوالة بل ادّعى أنّه أذن له في أداء دينه يقدّم قوله لأصالة البراءة من شغل ذمّته، فبإذنه في أداء دينه له مطالبة عوضه، ولم يتحقّق هنا حوالة بالنسبة إليه حتّى تحمل على الصحّة، وإن تحقّق بالنسبة إلى المحيل والمحتال لاعترافهما بها .
[3625] مسألة 10 : قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة ـ حيث قالوا : لو أحال
(الصفحة 670)
عليه فقبل وأدّى ، فجعلوا محلّ الخلاف ما إذا كان النزاع بعد الأداء ـ أنّ حال الحوالة حال الضمان في عدم جواز مطالبة العوض إلاّ بعد الأداء ، فقبله وإن حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل والمحتال ، لكن ذمّة المحيل لا تشتغل للمحال عليه البريء إلاّ بعد الأداء ، والأقوى (1) حصول الشغل بالنسبة إلى المحيل بمجرّد قبول المحال عليه ، إذ كما يحصل به الوفاء بالنسبة إلى دين المحيل بمجرّده فكذا في حصوله بالنسبة إلى دين المحال عليه للمحيل إذاكان مديوناً له ، وحصول شغل ذمّة المحيل له إذا كان بريئاً ، ومقتضى القاعدة في الضمان أيضاً تحقّق شغل المضمون عنه للضامن بمجرّد ضمانه ، إلاّ أنّ الإجماع وخبر الصلح دلاّ على التوقّف على الأداء فيه ، وفي المقام لا إجماع ولا خبر ، بل لم يتعرّضوا لهذه المسألة ، وعلى هذا فله الرجوع على المحيل ولو قبل الأداء ، بل وكذا لو أبرأه المحتال أو وفّاه بالأقلّ أو صالحه بالأقلّ فله عوض ما أحاله عليه بتمامه مطلقاً إذا كان بريئاً .
[3626] مسألة 11 : إذا أحال السيّد بدينه على مكاتبه بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة صحّ ، سواء كان قبل حلول النجم أو بعده ; لثبوته في ذمّته . والقول بعدم صحّته قبل الحلول لجواز تعجيز نفسه ضعيف ، إذ غاية ما يكون كونه متزلزلاً، فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن في زمان الخيار ، واحتمال عدم اشتغال ذمّة العبد لعدم ثبوت ذمّة اختياريّة له فيكون وجوب الأداء تكليفيّاً كما ترى . ثمّ إنّ العبد بقبول الحوالة(2) يتحرّر لحصول وفاء مال الكتابة بالحوالة ولو لم يحصل الأداء
- (1) بل الأقوى توقّف تحقّق الشغل على الأداء، كما قد عرفت في الضمان ومرّ هناك أنّ قيام الإجماع والخبر على خلاف ما تقتضيه القاعدة من تأخّر الاشتغال ممنوع، وعليه فحالها حاله في جميع الجهات المذكورة في المتن وغيرها.
- (2) بل بنفسها وإن لم يقبل، إذ لا تتوقّف الحوالة عليه على قبوله بعد كونه عبداً مديوناً للمولى كما هو الأظهر.
(الصفحة 671)
منه ، فإذا أعتقه المولى قبل الأداء بطل عتقه .
وما عن «المسالك» من عدم حصول الانعتاق قبل الأداء ـ لأنّ الحوالة ليست في حكم الأداء بل في حكم التوكيل ، وعلى هذا إذا أعتقه المولى صحّ وبطلت الكتابة ولم يسقط عن المكاتب مال الحوالة ; لأنّه صار لازماً للمحتال، ولايضمن السيد ما يغرمه من مال الحوالة ـ فيه نظر من وجوه ، وكأنّ دعواه أنّ الحوالة ليست في حكم الأداء ، إنّما هي بالنظر إلى ما مرّ(1) من دعوى توقّف شغل ذمّة المحيل للمحال عليه على الأداء كما في الضمان ، فهي وإن كان كالأداء بالنسبة إلى المحيل والمحتال، فبمجرّدها يحصل الوفاء وتبرأ ذمّة المحيل ، لكن بالنسبة إلى المحال عليه والمحيل ليس كذلك ، وفيه منع التوقّف المذكور كما عرفت ، فلا فرق بين المقامين في كون الحوالة كالأداء فيتحقّق بها الوفاء .
[3627] مسألة 12 : لو باع السيّد مكاتبه سلعة فأحاله بثمنها صحّ ; لأنّ حاله حال الأحرار ; من غير فرق بين سيّده وغيره ، وما عن الشيخ(2) من المنع ضعيف .
[3628] مسألة 13 : لو كان للمكاتب دين على أجنبيّ فأحال سيّده عليه من مال الكتابة صحّ ، فيجب عليه تسليمه للسيّد ويكون موجباً لانعتاقه، سواء أدّى المحال عليه المال للسيّد أم لا.
[3629] مسألة 14 : لو اختلفا(3) في أنّ الواقع منهما كانت حوالة أو وكالة، فمع
- (1) ولكن مورد ما مرّ هو الحوالة على البريء لا المديون، إلاّ أن يقال بكون المقام أيضاً كذلك; لأنّه لا يعقل أن يكون العبد مديوناً للمولى; لأنّه يلزم أن يكون المولى مديوناً لنفسه، ولكنّه كما ترى.
- (2) ولكن المحكي عن الشيخ (قدس سره) هو المنع فيما لو أحاله بمال الكتابة، وأمّا الحوالة عليه بثمن السلعة التي ابتاعها فاحتمل فيها الوجهان.
- (3) لابدّ من فرض المسألة فيما إذا كان مدّعي الوكالة يدّعيها بأن يكون أمانة عند الوكيل، وإلاّ فلا يترتّب على هذه الدعوى بالنسبة إلى ما بعد القبض أثر أصلاً، ضرورة اتفاقهما حينئذ على كون المال للمحتال وارتفاع اشتغال ذمّة المحيل له، كما أنّ إجراء الاُصول المذكورة بالنسبة إلى ما بعد القبض مخدوش في هذه الصورة، ضرورة أنّ ارتفاع اشتغال ذمّة المحيل للمحتال، وكذا ذمّة المحال عليه للمحيل، وكذا ملكية المحتال للمال المأخوذ معلوم، سواء كان الواقع هي الحوالة أو الوكالة بالنحو المذكور. نعم، لو كانت الوكالة بنحو الأمانة لا بأس بجريان أكثر هذه الاُصول.