(الصفحة 742)
آخر لم تسمع دعواه(1) إلاّ بالبيّنة . نعم ، له مع عدمها(2) على كلّ منهما اليمين ، فإن وجّه الدعوى على الامرأة فأنكرت وحلفت سقط دعواه عليها، وإن نكلت أو ردّت اليمين عليه فحلف لايكون حلفه حجّة على الزوج وتبقى على زوجيّة الزوج مع عدمها ، سواء كان عالماً بكذب المدّعي أو لا، وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدّعي ، وإن كان الأحوط(3) حينئذ طلاقها، فيبقى النزاع بينه وبين الزوج، فإن حلف سقط(4)دعواه بالنسبة إليه أيضاً ، وإن نكل أو ردّ اليمين عليه فحلف حكم له بالزوجيّة إذا كان ذلك بعد أن حلف في الدعوى على الزوجيّة بعد الردّ عليه ، وإن كان قبل تماميّة الدعوى مع الزوجة فيبقى النزاع بينه وبينها، كما إذا وجّه الدعوى أوّلاً عليه .
والحاصل : أنّ هذه دعوى على كلّ من الزوج والزوجة ، فمع عدم البيّنة إن حلفا سقط دعواه عليهما ، وإن نكلا أو ردّ اليمين عليه فحلف ثبت مدّعاه ، وإن حلف أحدهما دون الآخر فلكلّ حكمه ، فإذا حلف الزوج في الدعوى عليه فسقط بالنسبة إليه ، والزوجة لم تحلف بل ردّت اليمين على المدّعي أو نكلت وردّ الحاكم عليه فحلف، وإن كان لايتسلّط عليها لمكان حقّ الزوج ، إلاّ أنّه لو طلّقها أو مات عنها ردّت إليه ، سواء قلنا: إنّ اليمين المردودة بمنزلة الإقرار أو بمنزلة البيّنة أو قسم ثالث . نعم ، في استحقاقها النفقة والمهر المسمّى على الزوج إشكال ، خصوصاً إن قلنا: إنّه بمنزلة الإقرار أو البيّنة . هذا كلّه إذا كانت منكرة لدعوى المدّعي ، وأمّا إذا
- (1) بحيث كانت موجبة للحكم ببطلان الزوجية الفعلية وعدم صحّتها.
- (2) أي عدم البيّنة.
- (3) الظاهر أنّ منشأ الاحتياط في هذه الصورة وجود رواية دالّة على تصديق الثقة، لكن المفروض فيها ما إذا كان المدّعي ثقة لا ما إذا أخبر ثقة بصدق المدّعي.
- (4) الظاهر أنّ حلف الزوج إنّما هو على عدم العلم لا على نفي الواقع، كما في حلف الزوجة، وإن كان ظاهر النصّ والأكثر على ما قيل عدم ثبوت هذا الحقّ للمدّعي هنا مطلقاً.
(الصفحة 743)
صدّقته وأقرّت بزوجيته فلايسمع بالنسبة إلى حقّ الزوج ، ولكنّها مأخوذة بإقرارها ، فلا تستحقّ النفقة على الزوج ولا المهر المسمّى ، بل ولا مهر المثل إذا دخل بها; لأنّها بغيّة بمقتضى إقرارها إلاّ أن تظهر عذراً في ذلك ، وتردّ على المدّعي بعد موت الزوج أو طلاقه ، إلى غير ذلك .
[3858] الرابعة : إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة وأنكرت ، فهل يجوز لها أن تتزوّج من غيره قبل تمامية الدعوى مع الأوّل ، وكذا يجوز لذلك الغير تزويجها أو لا ، إلاّ بعد فراغها من المدّعي ؟ وجهان ; من أنّها قبل ثبوت دعوى المدّعي خليّة ومسلّطة على نفسها ، ومن تعلّق حقّ المدّعي بها وكونها في معرض ثبوت زوجيّتها للمدّعي ، مع أنّ ذلك تفويت حقّ المدّعي إذا ردّت الحلف عليه وحلف ، فإنّه ليس حجّة على غيرها وهو الزوج ، ويحتمل التفصيل بين ما إذا طالت الدعوى ، فيجوز للضرر عليها بمنعها حيئنذ ، وبين غير هذه الصورة ، والأظهر الوجه الأوّل(1) .
وحينئذ فإن أقام المدّعي بيّنة وحكم له بها كشف عن فساد العقد عليها ، وإن لم يكن له بيّنة وحلفت(2) بقيت على زوجيّتها ، وإن ردّت اليمين على المدّعي وحلف ففيه وجهان ; من كشف كونها زوجة للمدّعي فيبطل العقد عليها ، ومن أنّ اليمين المردودة لايكون مسقطاً لحقّ الغير وهو الزوج ، وهذا هو الأوجه (3)، فيثمر فيما إذا طلّقها الزوج أو مات عنها ، فإنّها حينئذ تردّ على المدّعي ، والمسألة سيّالة تجري في دعوى الأملاك وغيرها أيضاً، والله العالم .
- (1) لعدم تعلّق الحقّ بمجرّد الدعوى قبل ثبوتها، وعدم كون التزويج موجباً للتفويت فيما إذا حلف بعد الردّ عليه; لعدم ثبوت الحقّ حاله.
- (2) يمكن أن يقال بعدم ثبوت حقّ الحلف للمدّعي في مثل هذه الموارد، وعدم سماع دعواه إلاّ مع البيّنة، كما أشرنا إليه في المسألة المتقدّمة.
- (3) فيه إشكال.
(الصفحة 744)
[3859] الخامسة : إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة فأنكرت وادّعت زوجية امرأة اُخرى لايصحّ شرعاً زوجيّتها لذلك الرجل مع الامرأة الاُولى; كما إذا كانت اُخت الاُولى أو اُمّها أو بنتها ، فهناك دعويان: إحداهما من الرجل على الامرأة ، والثانية من الامرأة الاُخرى على ذلك الرجل ، وحينئذ فإمّا أن لايكون هناك بيّنة لواحد من المدّعيين، أو يكون لأحدهما دون الآخر، أو لكليهما ، فعلى الأوّل يتوجّه اليمين على المنكر في كلتا الدعويين ، فإن حلفا سقطت الدعويان ، وكذا إن نكلا(1) وحلف كلّ من المدّعيين اليمين المردودة ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر وحلف مدّعيه اليمين المردودة سقطت دعوى الأوّل وثبت مدّعى الثاني .
وعلى الثاني ; وهو ما إذا كان لأحدهما بيّنة ثبت مدّعى من له البيّنة ، وهل تسقط دعوى الآخر، أو يجري عليه قواعد الدعوى من حلف المنكر أو ردّه ؟ قد يدّعى القطع بالثاني ; لأنّ كلّ دعوى لابدّ فيها من البيّنة أو الحلف ، ولكن لايبعد(2) تقوية الوجه الأوّل ; لأنّ البيّنة حجّة شرعيّة وإذا ثبت بها زوجيّة إحدى الامرأتين لايمكن معه زوجيّة الاُخرى ; لأنّ المفروض عدم إمكان الجمع بين الامرأتين ، فلازم ثبوت زوجيّة إحداهما بالأمارة الشرعية عدم زوجيّة الاُخرى .
وعلى الثالث فإمّا أن يكون البيّنتان مطلقتين، أو مؤرّختين متقارنتين، أو تاريخ إحداهما أسبق من الاُخرى(3) فعلى الأوّلين تتساقطان ويكون كما لو لم يكن بيّنة أصلاً ، وعلى الثالث ترجّح الأسبق إذا كانت تشهد بالزوجيّة من ذلك التاريخ
- (1) لكنّ السقوط في هذه الصورة إنّما هو لأجل عدم إمكان الثبوت; للتعارض الموجب للتساقط.
- (2) محلّ نظر ، بل منع.
- (3) أو تكون إحداهما مؤرخّة والاُخرى مطلقة.
(الصفحة 745)
إلى زمان الثانية(1) وإن لم تشهد ببقائها إلى زمان الثانية، فكذلك إذا كانت الامرأتان الاُمّ والبنت مع تقدّم تاريخ البنت ، بخلاف الاُختين والاُمّ والبنت مع تقدّم تاريخ الاُمّ ; لإمكان صحّة العقدين ; بأن طلّق الاُولى وعقد على الثانية في الاُختين ، وطلّق الاُمّ مع عدم الدخول بها ، وحينئذ ففي ترجيح الثانية أو التساقط وجهان(2) . هذا ، ولكن وردت رواية تدلّ على تقديم بيّنة الرجل إلاّ مع سبق بيّنة الامرأة المدّعية ، أو الدخول بها في الاُختين ، وقد عمل بها المشهور في خصوص الاُختين ، ومنهم من تعدّى إلى الاُمّ والبنت أيضاً، ولكن العمل بها حتّى في موردها مشكل(3); لمخالفتها للقواعد وإمكان حملها على بعض المحامل التي لا تخالف القواعد .
[3860] السادسة : إذا تزوّج العبد بمملوكة ثمّ اشتراها بإذن المولى ، فإن اشتراها للمولى بقي نكاحها على حاله(4) ولا إشكال في جواز وطئها(5) ، وإن اشتراها لنفسه بطل نكاحها(6) وحلّت له بالملك على الأقوى من ملكّية العبد ، وهل يفتقر وطؤها
- (1) وتشهد الثانية بنفس وقوع العقد الظاهر في كونه صحيحاً، وأمّا إذا شهدت أيضاً بالزوجية الفعلية فالظاهر وقوع التعارض وإن كانت الاُولى أسبق، وهنا فروض اُخر من جهة اختلاف مستند البيّنتين يختلف فيها الحكم.
- (2) بعدما كان المفروض عدم شهادة الأسبق بالبقاء إلى زمان الثانية ـ ولازم ذلك الشهادة بنفس وقوع العقد صحيحاً وحدوث الزوجية قبلاً ـ لا مجال للترديد في ترجيح الثانية عليها; لإمكان صدقها واجتماعها مع الاُولى، من دون فرق بين أن تشهد بالزوجية الفعلية، أو بوقوع العقد الظاهر في كونه صحيحاً.
- (3) لا إشكال فيه، ومجرّد المخالفة للقواعد على فرضها لا يمنع عن العمل بالرواية، خصوصاً بعد عمل المشهور بها.
- (4) ما لم يفسخ المولى.
- (5) وإن كان الأحوط الاستئذان لا بلحاظه بل بلحاظها.
- (6) على إشكال.
(الصفحة 746)
حينئذ إلى الإذن من المولى أو لا ؟ وجهان ، أقواهما ذلك(1) ; لأنّ الإذن السابق إنّما كان بعنوان الزوجيّة وقد زالت بالملك ، فيحتاج إلى الإذن الجديد . ولو اشتراها لا بقصد كونها لنفسه أو للمولى، فإن اشتراها بعين مال المولى كانت له وتبقى الزوجيّة(2) ، وإن اشتراها بعين ماله كانت له وبطلت الزوجيّة ، وكذا إن اشتراها في الذمّة ; لانصرافه إلى ذمّة نفسه ، وفي الحاجة إلى الإذن الجديد وعدمها الوجهان .
[3861] السابعة : يجوز تزويج امرأة تدّعي أنّها خليّة من الزوج من غير فحص مع عدم حصول العلم بقولها ، بل وكذا إذا لم تدّع ذلك ولكن دعت الرجل إلى تزويجها ، أو أجابت إذا دعيت إليه ، بل الظاهر ذلك وإن علم كونها ذات بعل سابقاً وادّعت طلاقها أو موته . نعم ، لو كانت متّهمة في دعواها فالأحوط (3) الفحص عن حالها ، ومن هنا ظهر جواز تزويج زوجة من غاب غيبة منقطعة ولم يعلم موته وحياته إذا ادّعت حصول العلم لها بموته من الأمارات والقرائن، أو بإخبار المخبرين وإن لم يحصل العلم بقولها ، ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم ، ولكن الأحوط الترك ، خصوصاً إذا كانت متّهمة .
[3862] الثامنة : إذا ادّعت امرأة أنّها خليّة فتزوّجها رجل ثمّ ادّعت بعد ذلك كونها ذات بعل(4) لم تسمع دعواها . نعم ، لو أقامت البيّنة على ذلك فرّق بينها وبينه وإن لم يكن هناك زوج معيّن ، بل شهدت بأنّها ذات بعل على وجه الإجمال .
[3863] التاسعة : إذا وكّلا وكيلاً في إجراء الصيغة في زمان معيّن لايجوز لهما المقاربة بعد مضيّ ذلك الزمان إلاّ إذا حصل لهما العلم بإيقاعه ، ولايكفي الظنّ بذلك
- (1) بل الوجه الثاني قويّ.
- (2) على نحو ما مرّ، وكذا البطلان في الفرض الآتي.
- (3) والأولى.
- (4) أي حين وقوع التزويج.