(الصفحة 233)
إلى الثاني(1) ، انتهى ملخّصاً .
ويرد عليه : ما عرفت من عدم احتمال مسألة البقاء على تقليد الميّت لتقليدين ولو كانا مترتّبين ، فمع الرجوع إلى فتوى الحيّ بوجوب البقاء ، لا يبقى مجال للرجوع فيها إلى الغير ; سواء كان هو الميّت أو الحيّ الآخر ، وسواء كان في طوله أو في عرضه ، ومع عدم الشمول لا أثر لما تكلّفه من إثبات اختصاص فتوى الميّت بوجوب الرجوع بخصوص من سبقه بالإفتاء ، حتّى يتحقّق التوافق بين الثاني والثالث على عدم حجّية فتوى المجتهد الأوّل ; ضرورة أنّ ثمرة سعة دائرة هذه الفتوى وضيقها إنّما هي على فرض الشمول ، وبدونه لا ينتج ما أفاده أصلا .
مضافاً إلى ما عرفت من أنّ فتوى الثالث بوجوب البقاء إنّما يكون موضوعها التقليد الصحيح ، وتقليد الثاني لا يكون صحيحاً عند الثالث ; لأ نّه كانت وظيفة المكلّف بحسب رأي الثالث ; هو البقاء على تقليد المجتهد الأوّل ولم يكن له الرجوع إلى الثاني . غاية الأمر أ نّه كان معذوراً في الرجوع إليه ما دام الثاني باقياً ، وبعد موته وفتوى الحيّ بوجوب البقاء يستكشف أ نّه لم يكن له الرجوع إلى الثاني .
ومن هنا ظهر أنّ ما أفاده من ترجيح جانب التقليد الثاني قهراً ممنوع ; لعدم تساويه مع الأوّل ، فضلا عن كونه راجحاً عليه ، كما أنّ التمسّك باستصحاب الأحكام المقلّد فيها لا يوجب ثبوت الرجحان للثاني ; لأنّ جريانه فرع ثبوتها بسبب التقليد الصحيح ، والمفروض ـ بمقتضى فتوى الثالث ـ عدم كون تقليد الثاني تقليداً صحيحاً ; لأ نّه كان يجب عليه البقاء على الأوّل .
ومنه يظهر النظر في اقتضاء استصحاب حرمة العدول ذلك ; لأنّ العدول المحرّم
- (1) بحوث في الاُصول ، الاجتهاد والتقليد : 29 ـ 31 .
(الصفحة 234)
إنّما هو العدول عن التقليد الصحيح ، لا عن كلّ تقليد وإن لم يكن متّصفاً بهذا الوصف .
ثالثها : ما اختاره في المستمسك من تعيّن البقاء على تقليد الأوّل ، حيث إنّه بعد بيان أ نّه إذا قلّد بكراً ـ وهو المجتهد الثالث ـ في مسألة البقاء ، يمتنع الرجوع إلى عمرو ـ وهو المجتهد الثاني ـ في هذه المسألة ; لأنّ المسألة الواحدة لا تحتمل تقليدين مترتّبين ; لأ نّه لو بني على جواز اجتماع المثلين في رتبتين ، فلا أقلّ من لزوم اللغويّة مع اتّفاقهما عملا ، أو التناقض مع اختلافهما .
ولا مجال لتوهّم أ نّه يكون هناك مسألتان لاختلاف موضوعيهما ; نظراً إلى أنّ فتوى الميّت حرمة البقاء على تقليد زيد ـ وهو المجتهد الأوّل ـ وفتوى الحيّ
وجوب البقاء على تقليد عمرو ، فلا مانع من الرجوع في كلّ واحدة إلى واحد ، وذلك لأنّ خصوصيّة عمرو ليست مقوّمة للقضيّة الشرعيّة التي يرجع فيها العامّي إلى بكر ; ضرورة أنّ فتواه وجوب البقاء بنحو الكلّيّة ، قال : ومن ذلك يظهر أيضاً أ نّه لو كان رأي بكر وجوب البقاء ، وجب البقاء على تقليد زيد وإن كان رأي
عمرو وجوب العدول(1) .
ويرد عليه : أنّ ما أفاده في وجه عدم شمول فتوى الحيّ بوجوب البقاء لفتوى الميّت بوجوب الرجوع وإن كان صحيحاً ، وكذا ما رتّب عليه من الثمرة من وجوب البقاء على تقليد زيد ، إلاّ أنّ ترتّب هذه الثمرة ممّا لم يعلم وجهه ، ولم يظهر من تلك المقدّمة أصلا ، والوجه فيها ما عرفت من عدم كون تقليد الثاني صحيحاً حتّى يجب
البقاء عليه ، وعلى تقدير التنزّل عن ذلك والاكتفاء بالصحّة ـ ولو مع انكشاف
- (1) مستمسك العروة الوثقى : 1 / 33 ـ 34 .
(الصفحة 235)
الخلاف ـ يجوز البقاء على تقليد كلّ من الأوّلين ، فتدبّر .
الصورة الثانية : ما إذا كان الثاني قائلا بوجوب العدول ، والثالث بجواز البقاء ، وفي هذه الصورة لا إشكال في جواز الرجوع في سائر المسائل العمليّة إلى المجتهد الثالث الحيّ ، والأخذ بفتاويه وتطبيق العمل عليها ; لأنّ المفروض تجويزه البقاء والعدول معاً ، وقول الثاني بوجوب العدول أيضاً يساعده . وأمّا إذا أراد البقاء مستنداً إلى فتوى الثالث بجوازه ، فهل يبقى على تقليد الأوّل أو الثاني ، أو يتخيّر بين الأمرين؟ وجوه واحتمالات .
والظاهر هو الوجه الثاني ; لأنّ رجوعه إلى الثاني والأخذ بفتاويه كان صحيحاً على طبق رأيه ورأي الثالث، فالعدول عنه إلى الأوّل ، وتطبيق العمل على فتاويه يكون عدولا، وقد مرّ أنّ هذا النحو من العدول غير جائز(1) ، سيّما إذا لم يكن الثاني والأوّل متساويين من حيث الفضيلة ، بل كان الأوّل مفضولا بالإضافة إليه ، فتأمّل جيّداً .
(الصفحة 236)[انعزال وكيل المجتهد بموته دون المنصوب من قبله]
مسألة 15 : المأذون والوكيل عن المجتهد ـ في التصرّف في الأوقاف ، أو الوصايا ، أو في أموال القُصَّر ـ ينعزل بموت المجتهد . وأمّا المنصوب من قبله ; بأن نصبه متولّياً للوقف ، أو قيّماً على القصّر ، فلا يبعد عدم انعزاله ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بتحصيل الإجازة ، أو النصب الجديد للمنصوب من المجتهد الحيّ 1 .
1 ـ أمّا الانعزال بالموت في المأذون والوكيل ; فلقيام الإجماع على بطلان
الوكالة بموت الموكّل(1) ، مضافاً إلى أنّ الوكالة متقوّمة بالإذن من الموكّل ، والموت يخرجه عن أهليّة التصرّف والإذن ، فلا مجال للنيابة عنه والقيام مقامه ، كما
هو ظاهر .
وأمّا عدم الانعزال بالموت في المنصوب من قبله ، كما في المتولّي للوقف ، أو القيّم على الصغير ، فالمحكي عن الإيضاح : أ نّه نفي الخلاف عن عدم انعزال الأولياء والقوّام المجعولين من قبل المجتهد(2) . وقال صاحب الجواهر(قدس سره) بعد حكاية ما في الإيضاح : إن تمّ إجماعاً فذاك ، وإلاّ كان المتّجه ما ذكرنا ; يعني الانعزال . نعم ، لو كان النصب وكيلا أو وليّاً عن الإمام(عليه السلام) ، وكان ذلك جائزاً له لم ينعزل قطعاً(3) .
والمستفاد من هذه العبارة أنّ المجتهد الجاعل للولاية والناصب للولي تارة :يجعلها عن نفسه للولي ، بحيث تكون ولاية الولي من شؤون ولاية المجتهد الذي
- (1) مفتاح الكرامة : 7 / 612 ، جواهر الكلام : 27 / 360 .
-
(2) إيضاح الفوائد : 4 / 305 .
-
(3) جواهر الكلام : 40 / 66 .
(الصفحة 237)
ولاّه . واُخرى : يجعلها عن الإمام(عليه السلام) فتكون من شؤون ولاية الإمام (عليه السلام) وإن كان الجاعل لها المجتهد ، وعليه : فالمجتهد واسطة في الثبوت ، كما أ نّه يستفاد منها أنّ النصب بالنحو الأوّل وجوازه ممّا لا إشكال فيه ، ولكن عدم الانعزال فيه يتوقّف على تماميّة الإجماع على خلاف القاعدة المقتضية للانعزال ، وبالنحو الثاني يكون أصل جوازه مشكوكاً ، لكن عدم الانعزال على فرض الجواز مسلّم على طبق القاعدة ; لأ نّه حينئذ وليّ عن الإمام(عليه السلام) ولا تبطل ولايته بموت المجتهد ،
ولا ينحصر ذلك بالولاية ، بل يجري في الوكالة أيضاً .
هذا ، ولكن ربما يستشكل في أصل جواز الجعل بكلا النحوين ، بأنّ ذلك مبنيّ على ثبوت الولاية المطلقة في زمان الغيبة ، إذ حينئذ يتمكّن من نصب المتولّي والقيِّم ونحوهما . وأمّا بناءً على عدم ثبوت الولاية المطلقة له ، فلا يجوز له إعطاء هذه المناصب لغيره بعد عدم دلالة دليل عليه ; فإنّ قوله(عليه السلام) في مقبولة عمر بن حنظلة : فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً(1) لا يفيد الولاية كذلك ; فإنّ الحاكم فيها ليس إلاّ بمعنى القاضي ، كما ورد في صحيحة أبي خديجة ، حيث قال : فإنّي قد جعلته قاضياً(2) . بل زاد المستشكل فقال ما ملخّصه :
إنّه لو سلّمنا ثبوت الولاية المطلقة للفقيه على النصب ، فالقدر المتيقّن إنّما هو ولايته على النصب وهو حيّ ، وأمّا ولايته على النصب ـ ما دام كون المنصوب حيّاً وإن مات المجتهد ـ فهي مشكوكة الثبوت ، ومقتضى الأصل العدم . ودعوى جريان
- (1) الكافي : 1 / 67 ح10 ، تهذيب الأحكام : 6 / 218 ح514 وص301 ح845 ، وعنهما وسائل الشيعة : 27 / 136 كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح1 .
-
(2) الكافي : 7 / 412 ح4 ، الفقيه : 3 / 2 ح1 ، تهذيب الأحكام : 6 / 219 ح516 ، وعنها وسائل الشيعة : 27 / 13 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب1 ح5 ، وص139 ب11 ح6 .