(الصفحة 12)
يكون قيده السلبي صادقاً مع عدمـه ممّا لا يعقل، ضرورة أنّـه لا يعقل أن يكون الموضوع للحكم بالحرمـة والنجاسـة إلاّ أمراً وجودياً ثابتاً.
إن قلت:
لابأس بجريان الاستصحاب على الوجـه الأخير; لأنّـه يستصحب عدم قابليّـة الحيوان للتذكيـة الصادق مع عدم الحيوان إلى زمان وجوده، فيصير الموضوع موجوداً، فيترتّب عليـه الحكم.
قلت
:
استصحاب تلك الحالـة وإن كان صحيحاً من حيث وجود الحالـة السابقـة، إلاّ أنّ تطبيق تلك الحالـة التي تكون أعمّ من وجود الموضوع على الحالـة اللاحقـة المشروطـة بوجود الموضوع يكون بحكم العقل، فيصير حينئذ من الاُصول المثبتـة التي لا نقول بها، وقد تقدّم منّا في باب قرشيّـة المرأة تفصيل هذا الكلام بما لا مزيد عليـه، هذا.
وقد يقال في تقريب جريان استصحاب عدم القرشيّة وكذا عدم القابليـة: إنّ الموضوع للحكم الشرعي إنّما هو المركّب من عنوان المرأة وعنوان الغير القرشيّـة وكذا المركّب من الحيوان ومن عدم القابليـة للتذكيـة، وحينئذ فلابأس بجريان استصحاب هذا الجزء من الموضوع بعد كون الجزء الآخر محرزاً بالوجدان.
ويرد عليـه ـ مضافاً إلى أنّ ذلك مخالف لظاهر الأدلّـة الشرعيّـة ـ أنّ أخذ هذا في الجزء العدمي إمّا أن يكون على نحو يكون جزؤه الآخر مفروض الوجود، وإمّا أن يكون على نحو يصدق مع عدم الجزء الآخر أيضاً، فعلى الأوّل يرجع إلى أحد الوجوه الثلاثـة من الوجوه الأربعـة المتقدّمـة، وقد تقدّم الجواب عنـه، وعلى الثاني ـ فمضافاً إلى أنّ هذا النحو من الاعتبار ممّا لا يعقل، لاستلزامـه التناقض، فإنّ أخذ الجزء الأوّل جزءً للموضوع لا يصحّ إلاّ بعد أن يكون قد فرض وجوده، وأخذ الجزء الآخر على نحو يصدق مع عدم الجزء الأوّل مناقض لذلك،
(الصفحة 13)
كما هو واضح يرد عليـه ما اُورد على الوجـه الأخير من الوجوه الأربعـة المتقدّمـة، فتدبّر في المقام، فانقدح أنّـه لا مجال لاستصحاب عدم القابلية أصلا.
وأمّا استصحاب عدم التذكيـة:
فالظاهر عدم جريانـه أيضاً، وقبل الخوض في ذلك لابدّ من بيان الوجوه المتصوّرة في معنى عدم التذكيـة بحسب التصوّر الابتدائي فنقول:
منها: أن يكون المراد بـه عدم زهوق الروح بالنحو المعتبر شرعاً المأخوذ موضوعاً للحكم بالطهارة أو مع الحلّيـة على نحو السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع الذي هو عبارة عن زهوق الروح.
ومنها: أن يكون المراد بـه زهوق روح الحيوان لا على النحو المعتبر شرعاً على نحو الموجبـة المعدولـة.
ومنها: أن يكون المراد بـه زهوق الروح الذي لم يكن على النحو الشرعي على نحو الموجبـة السالبـة المحمول.
ومنها: أن يكون المراد بـه زهوق الروح لا بنحو التذكيـة على نحو السالبـة المحصّلـة.
ومنها: أن يكون أمراً مركّباً من زهوق الروح ومن عدم تحقّق النحو المعتبر شرعاً في صيرورتـه طاهراً وحلالا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أخذ عدم التذكيـة بالمعنى الأوّل موضوعاً للحكم الشرعي ممّا لا يعقل، لأنّ الأمر السلبي يستحيل أن يكون موضوعاً لحكم من الأحكام، ومن هنا يعلم أنّ أخذه كذلك بالمعنى الرابع أيضاً لا يمكن إذا كانت السالبـة أعمّ من وجود الموضوع، وإذا كانت في صورة وجود الموضوع فهو يرجع إلى أحد الوجهين الثاني والثالث، وأمّا المعنى الأخير فهو أيضاً غير معقول
(الصفحة 14)
لو كان المراد من الجزء السلبي هو السلب الصادق مع عدم الجزء الآخر، للزوم التناقض، فلم يبق في البين إلاّ الوجـه الثاني والوجـه الثالث. فالاستصحاب لابدّ أن يكون مجراه هو أحدهما.
ومن الواضح أنّـه لا يجري، لأنّـه ليس لـه حالـة سابقـة حتّى تستصحب، لأنّـه لم يمض للحيوان زمان كان زاهق الروح فيـه لا على النحو المعتبر شرعاً، فإنّـه من حين زهوق روحـه كان مشكوكاً من حيث التذكيـة وعدمها، فلا مجال للاستصحاب.
ودعوى
أنّ السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع عدم موضوعها كانت صادقـة في الزمان السابق، فتستصحب إلى زمان وجود الموضوع، والمستصحب لابدّ وأن يكون ذا أثر شرعي في الزمان اللاحق، ولا يعتبر أن يكون موضوعاً للحكم الشرعي حتّى في الزمان السابق.
مدفوعـة:
بأنّ المستصحب لابدّ أن يكون بنفسـه موضوعاً للحكم الشرعي ولو في الزمان اللاحق، وقد عرفت أنّ السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع لايعقل أن تؤخذ موضوعاً، وإثبات الموضوع باستصحاب السالبـة يكون من قبيل استصحاب العامّ لإثبات الخاصّ الموضوع للحكم، وهو من الاُصول المثبتـة التي جريانها على خلاف التحقيق.
فانقـدح:
أنّـه لا مجـال لاستصحـاب عـدم التـذكيـة، سـواء شـكّ فـي قابليّـة الحيوان لها وعدمها، أو شكّ في اعتبار شرط آخر زائـد على الاُمور المعتبرة فيها، أو شكّ في مانعيّـة شيء كالوطء والجلل، أو غيره مـن الشبهات الحكميّـة، وكذا لو شكّ في كون الحيوان الموجود في البين مذكّى أم لا، فإنّـه لا يجري فيـه أيضاً.
(الصفحة 15)
ثمّ إنّـه ربّما يظهر من الشيخ (قدس سره)
التفصيل في جريان استصحاب عدم التذكيـة بين الآثار الوجوديّـة والآثار العدميـة(1).
وقد صرّح بذلك بعض المحقّقين
من محشي الرسالـة، فقال ـ بعد استظهار أنّ الميتـة في نظر الشارع والمتشرّعـة هي ما كان فاقداً لشرائط التذكيـة، وأنّ الموضوع للحرمـة والنجاسـة هو ماعدا المذكّى، وأنّـه لا يثبت بأصالـة عدم التذكيـة ـ ما لفظـه: فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار، فما كان منها مرتّباً على عدم كون اللحم مذكّى كعدم حلّيتـه وعدم جواز الصلاة فيـه وعدم طهارتـه وغير ذلك من الأحكام العدميـة المنتزعـة من الوجوديّات التي تكون التذكيـة شرطاً في ثبوتها ترتّب عليـه، فيقال: الأصل عدم تعلّق التذكيـة بهذا اللحم الذي زهق روحـه، فلايحلّ أكلـه ولا الصلاة فيـه ولا استعمالـه فيما يشترط بالطهارة. وأمّا الآثار المترتّبـة على كونـه غير مذكّى كالأحكام الوجوديّـة الملازمـة لهذه العدميات كحرمـة أكلـه ونجاستـه وتنجيس ملاقيـه وحرمـة الانتفاع بـه ببيعـه وغير ذلك من الأحكام المعلّقـة على عنوان الميتـة أو غير المذكّى فلا(2)، انتهى موضع الحاجـة من كلامـه (قدس سره)
.
ويرد عليـه أوّلا:
أنّ ما أفاد من أنّ التذكيـة سبب في ثبوت الآثار الوجوديّـة كالطهارة والحلّيـة وجواز الاستعمال في الصلاة، وهو مسبوق بالعدم، فيترتّب عليـه ما ذكر، محلّ نظر; فإنّـه لم يجعل الحيوان المذكّى موضوعاً لتلك
- 1 ـ فرائد الاُصول 1: 371 ـ 372.
- 2 ـ حاشيـة فرائـد الاُصول، المحقّـق الهمداني: 387 ـ 388، مصباح الفقيـه، الطهارة: 653 / السطر16.
(الصفحة 16)
الآثار، بل لم يجعل هذه الأحكام بعد تحقّق التذكيـة أصلا; ضرورة أنّ الطهارة الثابتـة بعد التذكيـة هي الطهارة التي كانت متحقّقـة في حال حياة الحيوان، غايـة الأمر أنّها استمرّت إلى بعد الموت لعدم قيام الدليل على النجاسـة، وهكذا الحلّيـة وجواز الصلاة فيـه; فإنّ الحيوان في حال الحياة كان حلالا والصلاة فيـه جائزاً، واستمرّ ذلك إلى بعد الموت في الحيوان المذكّى، لعدم قيام ما يدلّ على الحرمـة وعدم جواز الصلاة فيـه، بل المجعول في باب الحيوان هو الحرمـة والنجاسـة وغير ذلك من الآثار المترتّبـة على عدم كون اللحم مذكّى، وقد ذكر أنّـه لا مجال للاستصحاب لإثبات ذلك.
وثانياً:
أنّـه لو سلّم أنّ الطهارة والحلّيـة وغيرهما كانت مجعولـة ومترتّبـة على كون الحيوان مذكّى، لكن نقول: إنّ عدم هذه الأحكام الوجوديّـة لا يكون مترتّباً على عدم كون الحيوان مذكّى، فإنّ هذا الأمر العدمي يصدق مع عدم الحيوان، ومع وجوده حيّاً، ومع موتـه حتف الأنف، أو بغير التذكيـة الشرعيّـة، ومن المعلوم أنّ الموضوع لعدم الحلّيـة وعدم جواز الصلاة فيـه وعدم الطهارة هو القسم الأخير، فإنّ الحيوان في حال حياتـه حلال طاهر كما عرفت، ومع عدمـه لا يعقل الحكم عليـه بذلك.
وحينئذ نقول: إنّ عدم كون الحيوان مذكّى وإن كان لـه حالـة سابقـة، إلاّ أنّـه لا يكون مترتّباً عليـه أثر شرعي، واستصحابـه إلى زمان الموت لإثبات القسم الأخير يكون مثبتاً محضاً، كما هو واضح لايخفى.
وثالثاً
:
لو سلّم كون الموضوع لعدم هذه الأحكام الوجوديّـة هو عدم كون اللحم مذكّى وقطعنا النظر عن استحالـة كون الموضوع للحكم هو العدم المحمولي، لكن نقول: إنّ ترتّب تلك الأعدام على الموضوع العدمي ليس ترتّباً