(الصفحة 163)
وأمّا لو شكّ في ذلك واحتمل أن يكون على نحو أحد الأوّلين، أو على نحو الثالث فقد يقال: بأنّ مقتضى القاعدة في المقام وجوب الاجتناب عن الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي أيضاً.
ولكنّ التحقيق يقتضي البراءة; لأنّ مرجع الشكّ في ذلك إلى أنّ نجاسـة الملاقي هل تكون مجعولـة بالنحو الأوّل أو الثاني حتّى تكون مقتضاه وجوب الاجتناب عنـه في المقام; لتأثير العلم الإجمالي في تنجيز التكليف بوجوب الاجتناب على أيّ تقدير، ولا يحصل القطع بموافقتـه إلاّ مع الاجتناب عن الجميع; لأنّـه لو لم يجتنب عن الملاقي ـ بالكسر ـ لم يجتنب عن النجس لو كان هو الملاقى ـ بالفتح ـ أو أنّها مجعولـة على النحو الثالث الذي مرجعـه إلى كونها حكماً وضعيّاً مستقلاّ في قبال النجاسـة المجعولـة للأعيان النجسـة حتّى يكون مقتضاه عدم وجوب الاجتناب عنـه في بعض الصور; لعدم قابليّـة العلم الإجمالي الثاني للتنجيز.
وبعبارة اُخرى: مرجع الشكّ في ذلك إلى الشكّ في أنّ العلم الإجمالي الثاني هل يكون قابلا للتأثير في التنجيز، لأجل عدم تعلّقـه بحكم آخر، أو لا يكون قابلا لـه، لأجل كون معلومـه حكماً آخر، ومع الشكّ في ذلك لا يعلم بوجوب الاجتناب عن الملاقي، وهو مورد لجريان البراءة العقليّـة والنقليـة. ففي الحقيقـة يصير المقام من قبيل دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيـين الذي يكون الأصل الجاري فيـه هو البراءة كما سنحقّقـه; لأنّ وجوب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ معلوم، إمّا لكونـه هو النجس، وإمّا لوقوعـه طرفاً للعلم الإجمالي بالنجس، ووجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ مشكوك، لأنّـه
(الصفحة 164)
يحتمل أن يكون حكماً مستقلاّ، ومعـه لا يكون العلم الإجمالي الثاني قابلا للمنجّزيّـة أصلا، فيجري فيـه الأصل.
وبالتأمّل فيما ذكرناه تعرف الخلل فيما أفاده العَلمان النائيني(1)والعراقي (قدس سرهما)(2) في هذا المقام، ولعلّ مرجع كلامهما إلى أمر واحد وإن كان الأوّل قد أتعب نفسـه الشريفـة بإيراد مقدّمـة ليس لها كثير ارتباط بالمقام، مضافاً إلى عدم خلوّها من المناقشـة، بل المناقشات، فتأمّل جيّداً.
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 89 ـ 93.
- 2 ـ نهايـة الأفكار 3: 365.
(الصفحة 165)
تنبيهات
ثمّ إنّـه أورد الشيخ المحقّق الأنصاري في ذيل هذا المقام تنبيهات(1) وتبعـه المحقّق النائيني(2)، ولابأس بالتعرّض لبعضها فنقول:
التنبيه الأوّل : في التفصيل بين الشرائط والموانع في وجوب الاحتياط
لا فرق في وجوب الاحتياط في أطراف الشبهـة المحصورة بين الشبهـة الحكميّـة والموضوعيّـة، ولا في الموضوعيّـة بين التكاليف النفسيّـة والغيريّـة، ولا في الثاني بين الشرائط والموانع، فيجب تكرار الصلاة إلى أربع جهات مع اشتباه القبلـة بينها، وفي الثوبين المشتبهين بالنجس.
وربّما يقال بعدم وجـوب الاحتياط في مـورد الشبهـة الموضوعيّـةفي الشرائط والموانـع، كما هـو المحكي عـن الحلّي فـي السرائر حيث ذهب إلى وجوب الصلاة عارياً في مثال الثوبين(3)، ولعلّـه لدعوى سقوط الشرط والمانع عن الشرطيّـة والمانعيّـة، ولكن هذه الدعوى ممنوعـة، لأنّها بلا بيّنـة وبرهان، هذا.
وحكي عن المحقّق القمّي(4) التفصيل بين ما يستفاد من مثل قولـه (عليه السلام):
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 454.
- 2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 134.
- 3 ـ السرائر 1: 184 ـ 185.
- 4 ـ الظاهر من عبارة القوانين خلاف ذلك. راجع قوانين الاُصول 2: 38 / السطر19.
(الصفحة 166)
«لاتصلِّ في ما لا يؤكل»(1) وبين ما يستفاد من مثل قولـه:
«لا صلاة إلاّ بطهور»(2)، فذهب إلى السقوط في موارد الاشتباه في الأوّل دون الثاني، هذا.
والوجـه في ذلك هو أنّ أطراف العلم الإجمالي عند هذا المحقّق تكون محكومـة بحكم الشكّ البدوي; لأنّ مذهبـه عدم منجّزيـة العلم الإجمالي(3).
وحينئذ فيتّجـه التفصيل بين الشرائط والموانع، كما هو الشأن في موارد الشكّ البدوي، لأنّ الشرط يجب إحرازه لتوقّف إحراز المشروط عليـه، وأمّا المانع فيكفي فيـه مجرّد الشكّ في تحقّقـه، ولا يلزم إحراز عدمـه، هذا.
واحتمل المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ أن يكون الوجـه في هذا التفصيل قياس باب العلم والجهل بالموضوع بباب القدرة والعجز، ثمّ أورد عليـه بأنّ هذا القياس ليس على ما ينبغي، فإنّ القدرة من الشرائط لثبوت التكليف، والعلم بالموضوع أو الحكم من الشرائط لتنجّز التكليف، والمفروض أنّـه قد علم بحصول الشرط بين الأطراف، فلا موجب لسقوطـه(4)، هذا. ولا يخفى فساد أصل الاحتمال وكذا الإيراد.
أمّا الاحتمال، فلأنّ هذا القياس لا يقتضي التفصيل بين الشرائط والموانع، لأنّـه لو كان الجهل بالموضوع كالعجز فلا وجـه لثبوت التكليف مطلقاً، شرطاً
- 1 ـ راجـع وسائل الشيعـة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلي، الباب2، الحديث6 و7.
- 2 ـ تهذيب الأحكام 1: 49 / 144، وسائل الشيعـة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب1، الحديث1.
- 3 ـ قوانين الاُصول 2: 25 / السطر3.
- 4 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 135.
(الصفحة 167)
كان أو مانعاً، ولو لم يكن كذلك فلا وجـه لسقوطـه كذلك.
وأمّا الإيراد، فلما مرّ غير مرّة من أنّ القدرة لا تكون من شرائط ثبوت التكليف، بل العجز عذر عقلي، وهكذا الجهل وغيره، لعدم انحلال الخطابات بنحو العموم إلى الخطابات الشخصيّـة حتّى لا يعقل توجيهها إلى غير القادر والجاهل ونحوهما. فالوجـه في تفصيل المحقّق المزبور ما عرفت، فتدبّر.
التنبيه الثاني : في كيفية النيّة لو كان المعلوم بالإجمال من العبادات
لو كان المعلوم بالإجمال من العبادات كالمثالين المتقدّمين في التنبيـه السابق فقد وقع الخلاف في كيفيـة نيّـتـه، فيظهر مـن الشيخ (قدس سره)
أنّـه لابدّ مـن قصد امتثال الأمر المعلوم بالإجمال على كلّ تقدير، وذلك يتوقّف على أن يكون المكلّف حال الإتيان بأحد المحتملين قاصداً للإتيان بالمحتمل الآخر، إذ مع عدمـه لا يتحقّق قصد امتثال الأمر المعلوم بالإجمال على كلّ تقدير، بل يكون قاصداً لامتثال الأمر على تقدير تعلّقـه بما ينطبق على المأتي بـه. وهذا لا يكفي في تحقّق الإطاعـة مع العلم بالأمر.
نعم يكفي في الشبهـة البدويّـة مجـرّد قصد احتمال الأمر والمحبوبيـة، لأنّ هذا هو الذي يمكن في حقّـه، بخلاف المقام(1).
وأورد عليـه المحقّق النائيني بما حاصلـه: أنّ العلم بتعلّق الأمر بأحد المحتملين لايوجب فرقاً في كيفيـة النيّـة في الشبهات، فإنّ الطاعـة والامتثال في كل من المحتملين ليست إلاّ احتماليّـة، كما في الشبهـة البدويّـة، إذ المكلّف
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 455.