(الصفحة 166)
«لاتصلِّ في ما لا يؤكل»(1) وبين ما يستفاد من مثل قولـه:
«لا صلاة إلاّ بطهور»(2)، فذهب إلى السقوط في موارد الاشتباه في الأوّل دون الثاني، هذا.
والوجـه في ذلك هو أنّ أطراف العلم الإجمالي عند هذا المحقّق تكون محكومـة بحكم الشكّ البدوي; لأنّ مذهبـه عدم منجّزيـة العلم الإجمالي(3).
وحينئذ فيتّجـه التفصيل بين الشرائط والموانع، كما هو الشأن في موارد الشكّ البدوي، لأنّ الشرط يجب إحرازه لتوقّف إحراز المشروط عليـه، وأمّا المانع فيكفي فيـه مجرّد الشكّ في تحقّقـه، ولا يلزم إحراز عدمـه، هذا.
واحتمل المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ أن يكون الوجـه في هذا التفصيل قياس باب العلم والجهل بالموضوع بباب القدرة والعجز، ثمّ أورد عليـه بأنّ هذا القياس ليس على ما ينبغي، فإنّ القدرة من الشرائط لثبوت التكليف، والعلم بالموضوع أو الحكم من الشرائط لتنجّز التكليف، والمفروض أنّـه قد علم بحصول الشرط بين الأطراف، فلا موجب لسقوطـه(4)، هذا. ولا يخفى فساد أصل الاحتمال وكذا الإيراد.
أمّا الاحتمال، فلأنّ هذا القياس لا يقتضي التفصيل بين الشرائط والموانع، لأنّـه لو كان الجهل بالموضوع كالعجز فلا وجـه لثبوت التكليف مطلقاً، شرطاً
- 1 ـ راجـع وسائل الشيعـة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلي، الباب2، الحديث6 و7.
- 2 ـ تهذيب الأحكام 1: 49 / 144، وسائل الشيعـة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب1، الحديث1.
- 3 ـ قوانين الاُصول 2: 25 / السطر3.
- 4 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 135.
(الصفحة 167)
كان أو مانعاً، ولو لم يكن كذلك فلا وجـه لسقوطـه كذلك.
وأمّا الإيراد، فلما مرّ غير مرّة من أنّ القدرة لا تكون من شرائط ثبوت التكليف، بل العجز عذر عقلي، وهكذا الجهل وغيره، لعدم انحلال الخطابات بنحو العموم إلى الخطابات الشخصيّـة حتّى لا يعقل توجيهها إلى غير القادر والجاهل ونحوهما. فالوجـه في تفصيل المحقّق المزبور ما عرفت، فتدبّر.
التنبيه الثاني : في كيفية النيّة لو كان المعلوم بالإجمال من العبادات
لو كان المعلوم بالإجمال من العبادات كالمثالين المتقدّمين في التنبيـه السابق فقد وقع الخلاف في كيفيـة نيّـتـه، فيظهر مـن الشيخ (قدس سره)
أنّـه لابدّ مـن قصد امتثال الأمر المعلوم بالإجمال على كلّ تقدير، وذلك يتوقّف على أن يكون المكلّف حال الإتيان بأحد المحتملين قاصداً للإتيان بالمحتمل الآخر، إذ مع عدمـه لا يتحقّق قصد امتثال الأمر المعلوم بالإجمال على كلّ تقدير، بل يكون قاصداً لامتثال الأمر على تقدير تعلّقـه بما ينطبق على المأتي بـه. وهذا لا يكفي في تحقّق الإطاعـة مع العلم بالأمر.
نعم يكفي في الشبهـة البدويّـة مجـرّد قصد احتمال الأمر والمحبوبيـة، لأنّ هذا هو الذي يمكن في حقّـه، بخلاف المقام(1).
وأورد عليـه المحقّق النائيني بما حاصلـه: أنّ العلم بتعلّق الأمر بأحد المحتملين لايوجب فرقاً في كيفيـة النيّـة في الشبهات، فإنّ الطاعـة والامتثال في كل من المحتملين ليست إلاّ احتماليّـة، كما في الشبهـة البدويّـة، إذ المكلّف
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 455.
(الصفحة 168)
لا يمكنـه أزيد من قصد امتثال الأمر الاحتمالي عند الإتيان بكلّ من المحتملين، لأنّهما ليسا بمنزلـة فعل واحد مرتبط الأجزاء حتّى يقال: العلم بتعلّق التكليف بالفعل الواحد يقتضي قصد امتثال الأمر المعلوم. وحينئذ فلو أتى بأحد المحتملين من دون أن يكون قاصداً للإتيان بالمحتمل الآخر يحصل الامتثال ويصحّ العمل على تقدير تعلّق الأمر بذلك المحتمل.
نعم يكون متجرّياً في قصده، ولكن ذلك لا دخل لـه في تحقّق الإطاعـة على تقدير مصادفـة المأتي بـه للواقع(1)، هذا.
ولايخفى أنّـه لا ينبغي الإشكال في أنّ الداعي في الشبهات البدويّـة هو احتمال الأمر فقط، لأنّـه لا يمكن في حقّـه غيره، وأمّا في الشبهات المقرونـة بالعلم الإجمالي فالداعي هو الأمر المعلوم تعلّقـه بما ينطبق على أحد المحتملين، لا احتمال الأمر. غايـة الأمر أنّـه ينشأ من هذا الداعي إرادة الإتيان بكلّ من المحتملين، لتوقّف الإتيان بالمأمور بـه عليـه.
وحينئذ فقد يكون المكلّف بمثابـة ينبعث من الأمر المعلوم بحيث يحصل لـه الداعي إلى الإتيان بالمحتملين معاً; لأنّـه لا يرضى إلاّ بالموافقـة القطعيّـة التي لا تحصل إلاّ بالإتيان بهما. وقد يكون بحيث ينبعث من الأمر المعلوم بمقدار لا يحصل لـه إلاّ الداعي إلى الإتيان بأحد المحتملين; لأنّـه يخاف من المخالفـة القطعيّـة الحاصلـة بترك كلا المحتملين معاً.
وبالجملـة: فرق بين الآتي بالشبهـة البدويّـة وبين من يأتي بأحد المحتملين في الشبهـة المقرونـة بالعلم الإجمالي وبين من يأتي بكليهما معاً.
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 136.
(الصفحة 169)
فالأوّل لا يكون الداعي لـه إلاّ مجرّد الاحتمال، والأخيران يشتركان في أنّ الداعي الأوّلي لهما هو العلم بالأمر، غايـة الأمر أنّ انبعاث الثاني بمقدار لا يكون مستلزماً للموافقـة القطعيـة، بخلاف الأخير. وحينئذ فلو أتى بأحدهما وصادف الواقع يكون ممتثلا، لا لما أفاده المحقّق النائيني من كفايـة الإتيان باحتمال الأمر وعدم الفرق بين الشبهات، بل لأجل أنّ الداعي لـه هو قصد الامتثال بالنسبـة إلى الأمر المعلوم، كما لايخفى.
التنبيه الثالث : حكم ما لو كان المعلوم بالإجمال أمرين مترتّبين شرعاً
لو كان المعلوم بالإجمال أمرين مترتّبين كالظهر والعصر المردّدين بين أربع، لاشتباه القبلـة، فقد وقع الخلاف في جواز الإتيان ببعض محتملات الثانيـة إلى الجهـة التي أتى ببعض محتملات الاُولى إليها، وعدم الجواز حتّى يأتي بجميع محتملات الاُولى، بعد الاتّفاق على عدم جواز الإتيان بجميع محتملات الثانيـة قبل استيفاء محتملات الاُولى، وعلى عدم جواز الإتيان ببعض محتملات العصر ـ مثلا ـ إلى جهـة مغايرة للجهـة التي أتى ببعض محتملات الظهر إليها; للعلم ببطلان العصر ـ أي المأتي بها ثانياً ـ في الصورتين، إمّا لكونها فاقدة للترتيب المعتبر فيها على المفروض، وإمّا لعدم وقوعها إلى القبلـة.
وكيف كان فالخلاف في المقام مبني أوّلا على تقدّم رتبـة الامتثال العلمي التفصيلي على الامتثال العلمي الإجمالي وعدمـه، وثانياً على الفرق بين المقام وبين ما إذا أتى بمحتملات العصر بعد الإتيان بجميع محتملات الظهر الذي هو جائز بلاريب.
(الصفحة 170)
والتحقيق عدم تقدّم رتبـة الأوّل على الثاني، وعدم الفرق بين المقامين على تقدير تسليم التقدّم وثبوت المراتب للامتثال.
أمّا الأوّل الذي هو بمنزلـة الكبرى، فقد مـرّت الإشارة إليـه، ولعلّـه سيأتي مفصّلا.
وإجمالـه أنّ الأمر المتعلّق بشيء لا يدعـو إلاّ إلى نفس متعلّقـه ولا يحـرّك العبد إلاّ نحوه. فكلّ شيء اُخذ في المتعلّق، يكون الأمر داعياً إليـه ومحرّكاً نحوه، وأمّا ما هو خارج عنـه سواء أمكن أخذه فيـه أم لم يمكن فلا يدعو إليـه، بل لا يعقل ذلك أصلا ولذا قد حقّقنا(1) في مبحث التعبّدي والتوصّلي أنّ القاعدة تقتضي التوصّليّـة وإن كان أخذ قصد التقرّب وامتثال الأمـر في المتعلّق بمكان مـن الإمكان، إلاّ أنّـه ما لم يـدلّ عليـه دليل لا يصار إليـه أصلا، بل يحكـم بعدم اعتباره. وحينئذ فإذا أتى بالطبيعـة المأمور بها لا مجال لبقاء الأمر، سواء علم بها تفصيلا أم إجمالا، إذ الأمـر لا يدعـو إلاّ إلى إيجادها في الخـارج، والمفروض وجودها، وأمّا اعتبار العلم بها تفصيلا فلم يدلّ عليـه دليل، فلا فرق بينـه وبين العلم الإجمالي بإيجادهـا أصلا، فتقدّم الأوّل على الثاني ممّا لا نرى لـه وجهاً.
وأمّا الثاني الذي هو بمنزلـة الصغرى، فنقول: لو سلم ثبوت المراتب للامتثال وتقدّم الامتثال العلمي التفصيلي على الامتثال العلمي الإجمالي فلا نسلم الفرق بين المقامين أصلا، ضرورة أنّ في الصورة الثانيـة التي هي جائزة بالاتّفاق لا يعلم بحصول الترتيب تفصيلا كما في الصورة الاُولى، ضرورة أنّ تحقّق
- 1 ـ مناهج الوصول إلى علم الاُصول 1: 274.