(الصفحة 171)
عنوان الترتيب مع العلم بـه كذلك يتوقّف على العلم باُمور ثلاثـة: أحدها: وقوع الظهر، والثاني: وقوع العصر، والثالث: ترتّب العصر على الظهر وتأخّرها عنها. فالعلم التفصيلي بالترتيب لا يتحقّق إلاّ مع العلم تفصيلا بأنّ ما يأتي بـه هو العصر مع العلم بوقوع الظهر قبلـه، ولا يعقل تحقّقـه مع الشكّ في ذلك وإن علم إجمالا بالإتيان بالعصر.
وكيف كان فالترتيب من الاُمور الإضافيـة المتقوّمـة بالطرفين، ولا يعقل العلم بـه مع الشكّ في أحد الطرفين، وحينئذ فكيف يمكن أن يدّعى العلم بـه في الصورة الثانيـة مع اشتباه العصر بين الصلوات الأربع.
وممّا ذكرنا يظهر الخلل فيما أفاده المحقّق النائيني في هذا المقام، فراجع التقريرات المنسوبـة إليـه(1).
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 137 ـ 141.
(الصفحة 172)
(الصفحة 173)المقام الثاني
في الدوران بين الأقلّ والأكثر
وقبل الخوض في المقصود لابدّ من تقديم أمرين هما بمنزلـة تحرير محلّ النزاع:
الأوّل:
أنّ المراد بالأقلّ والأكثر في هذا المقام هو الأقلّ والأكثر الارتباطي، لا الاستقلالي. والفرق بينهما أنّ الأوّل عبارة عن عدّة اُمور لوحظ مجموعها أمراً واحداً وشيئاً فارداً، لأنّـه يترتّب عليها غرض واحد وتؤثّر بنعت الاجتماع في حصولـه، بحيث يكون فقدان بعضها كعدم جميعها في عدم حصول الغرض بوجـه، ومن هنا لا يتعلّق بها إلاّ أمر واحد أو نهي فارد; لأنّ اجتماعها دخيل في حصول الغرض أو ترتّب المفسدة عليها، وأمّا كلّ واحد منها من حيث هو يكون وجوده بمنزلـة العدم.
ألا ترى أنّ الصلاة الفاقدة للركوع ـ مثلا ـ إنّما هي في عدم حصول الآثار المترتّبـة عليها كتركها رأساً.
وأمّا الأقلّ والأكثر الاستقلالي فليس كذلك، بل لا يكون من قبيل الأقلّ والأكثر أصلا، فإنّ تردّد قضاء الصلوات الفائتـة بين أن تكون عشرين أو ثلاثين
(الصفحة 174)
إنّما هو من قبيل التردّد بينهما بعد ملاحظـة المكلّف المقدار المشكوك مع المقدار المعلوم وضمّـه إليـه، وإلاّ ففي الحقيقـة لا يكون من هذا القبيل، فإنّ الأمر لم يتوجّـه إلاّ إلى قضاء كلّ صلاة، والغرض يترتّب عليـه، سواء أتى بقضاء صلاة فائتـة اُخرى أم لم يأت، فكما أنّ أداء صلاة الظهر لا يكون أقلّ بالنسبـة إلى مجموع أداء الظهرين فكذلك قضائهما.
وبالجملـة: فالاستقلالي من الأقلّ والأكثر خارج عن هذا العنوان حقيقـة، وإنّما يحصل بعد ملاحظتهما وضمّ كلّ واحد إلى الآخر. ومن هذا البيان تظهر لك أنّـه ليس فيـه علم إجمالي أصلا حتّى يقال بانحلالـه إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي، بل الأقلّ من أوّل الأمر معلوم تفصيلا والأكثر مشكوك، فتجري فيـه البراءة بلاريب.
ثمّ لا يخفى أنّ مورد النزاع هو ما إذا كان الأقلّ مأخوذاً لا بشرط من جهـة الزيادة، وأمّا لو كان مأخوذاً بشرط لا ودار الأمر بينـه وبين الأكثر، كما إذا تردّد السورة بين أن تكون جزءً أو مانعاً، فهو خارج عن محلّ البحث وداخل في المقام الأوّل، للمباينـة المتحقّقـة بين الأقلّ بشرط لا والأكثر الذي هو عبارة عن الأقلّ بشرط شيء، ضرورة ثبوت المضادّة بين البشرط شيء والبشرط لا، كما لايخفى.
الثاني:
يدخل في مورد النزاع جميع أقسام الأقلّ والأكثر، سواء كان في نفس المأمور بـه أو في الموضوع الخارجي الذي تعلّق التكليف بفعلـه أو تركـه، أو في الأسباب مطلقاً، وسواء كان من قبيل الجزء والكلّ، أو من قبيل الشرط والمشروط، أو من قبيل الجنس والنوع، أو الطبيعـة والحصّـة، وسواء كانت الشبهـة وجوبيّـة، أو تحريميـة وسواء كانت حكميّـة أو موضوعيّـة.
(الصفحة 175)
وأمّا ما أفاده المحقّق العراقي ـ على ما في التقريرات المنسوبـة إليـه ـ من خروج الطبيعي والحصّـة عن مركز هذا النزاع، لأنّ الطبيعي باعتبار قابليّتـه للانطباق على حصّـة اُخرى منـه المباينـة مع الحصّـة المتحقّقـة في ضمن زيد لاتكون محفوظاً بمعناه الإطلاقي في ضمن الأكثر، فيدخل في التعيـين والتخيـير الراجع إلى المتباينين(1).
ففيـه: أنّـه لا فرق بين الطبيعي والحصّـة وبين الجنس والنوع، فإنّ الملاك في الجميع هو كون الأقلّ القدر المشترك مأخوذاً في التكليف على أيّ تقدير، وهذا الملاك موجود في الطبيعي والحصّـة.
نعم، المثال الذي ذكره ـ وهو الإنسان وزيد ـ خارج عن موضوع البحث، كما أنّ أخذ النوع لو كان بعنوان واحد يكون أيضاً خارجاً. نعم لو كان بنحو أخذ الجنس أيضاً يكون داخلا، كما أنّ الطبيعي والحصّـة أيضاً كذلك.
وبالجملـة: لو كانت الحصّـة وكذا النوع مأخوذاً بعنوان واحد لا يكون الطبيعي أو الجنس في ضمنـه، لما كان وجـه لجريان البراءة أصلا، ولو لم يكن على هذا النحو يكون داخلا في مورد النزاع، فتدبّر.
ثمّ أنّا نتكلّم من تلك الأقسام الكثيرة المتقدّمـة في مهمّاتها، وهي الأقلّ والأكثر الذي كان من قبيل الكلّ والجزء، وما كان من قبيل الشرط والمشروط، وما كان في الأسباب والمحصّلات والأقلّ والأكثر في الشبهـة الموضوعيـة، فهنا مطالب:
- 1 ـ نهايـة الأفكار 3: 373.