(الصفحة 222)
الطبيعـة أو صرف وجودها، وعدم وجوب الإتيان بـه فيما لو كان بنحو العامّ الاستغراقي، وعدم جواز الإخلال بـه فيما لو كان بنحو العامّ المجموعي.
وأمّا الموانع والقواطع فاعلم أوّلا: أنّـه قد يقال في الفرق بينهما هو أنّ المانع ما يكون عدمـه معتبراً في نفس المأمور بـه، والقاطع ما يكون موجباً لانقطاع الهيئـة الاتصاليّـة المعتبرة في المأمور بـه، كانفصام الحبل الرابط بين أجزاء السبحـة. ونحن نقول: الأمر في القاطع كما ذكر، وأمّا المانع فنمنع كون عدمـه معتبراً في المأمور بـه، بل وجوده مضادّ لـه ومانع عن تحقّقـه، نظير الموانع في الاُمور التكوينيـة، فإنّ مانعيـة الرطوبـة عن الإحراق مرجعها إلى كونها بوجودها مضادّة لتحقّقـه، لا كون عدمها شرطاً فيـه.
وكيف كان: فلو كان المانع عبارة عمّا يكون عدمـه معتبراً فمرجعـه حينئذ إلى الشرط، ويجري فيـه ما يجري فيـه.
نعم حيث يكون الشرط حينئذ هو العدم فلابدّ من إحرازه، وهو لا يتحقّق إلاّ بترك جميع أفراد الطبيعـة لو كان المانع هو نفس الطبيعـة، أو صرف وجودها، أو بنحو العامّ المجموعي، ولا يجوز الإتيان بالفرد المشكوك. نعم لو كان على نحو العموم الاستغراقي لابأس بالإتيان بـه، لجريان البراءة بالنسبـة إليـه، كما عرفت.
وأمّا لو كان المانع عبارة عمّا يكون وجوده مضادّاً للمأمور بـه ومانعاً عن تحقّقـه فالتكليف المتعلّق بـه حينئذ هو التكليف التحريمي الغيري.
فلو كان متعلّقـه هو نفس الطبيعـة أو صرف وجودها أو العامّ الاستغراقي فلابأس بالإتيان بما يشكّ في كونـه مانعاً للاشتباه في الاُمور الخارجيـة، ولايجوز الإتيان بشيء من الأفراد المعلومـة.
(الصفحة 223)
وأمّا لو كان متعلّقـه هو العامّ المجموعي فيجوز الإتيان بجميع الأفراد المعلومـة والاقتصار على ترك الفرد المشكوك، لعدم العلم حينئذ بتحقّق المنهي عنـه، ولا يلزم في النهي أن يعلم بعدم تحقّقـه، بل اللازم هو أن لا يعلم بتحقّقـه، وهذا بخلاف الأمر، فإنّ اللازم فيـه هو العلم بتحقّق المأمور بـه، للزوم الامتثال، وهو لا يتحقّق بدون إحرازه، كما هو واضح.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ مسألـة الصلاة في اللباس المشكوك كونـه من مأكول اللحم لا تبتني على النزاع في المراد من المانع وأنّـه عبارة عمّا يكون عدمـه معتبراً أو ما يكون وجوده مضادّاً; لما عرفت من جريان البراءة بناءً على الأوّل أيضاً لو كان بنحو العموم الاستغراقي، بل لابدّ مع ذلك من ملاحظـة كيفيّـة اعتبار غير المأكول مانعاً، فتدبّر جيّداً.
ولابدّ من التنبيـه على أمرين:
(الصفحة 224)
الأمر الأوّل
الشكّ في الجزئية أو الشرطية في حال السهو
إذا ثبت جزئيـة شيء في الجملـة فهل الأصل العقلي أو الشرعي في طرفي النقيصـة والزيادة يقتضي البطلان مع الإخلال بـه أو زيادتـه في حال السهو، أم لا؟ والكلام فيـه يقع في مقامات:
المقام الأوّل
فيما يقتضيه الأصل العقلي بالنسبة إ
لى النقيصة السهويّة
وأنّـه هل يقتضي البطلان ووجوب الإعادة، أم كان مقتضاه الاكتفاء بالناقص؟
إشكال الشيخ الأعظم في المقام
وقد صرّح الشيخ في الرسالـة بالأوّل، محتجّاً بأنّ ما كان جزءً في حال العمد كان جزءً في حال الغفلـة، فإذا انتفى، انتفى المركّب، فلم يكن المأتي بـه موافقاً للمأمور بـه وهو معنى فساده. أمّا عموم جزئيّتـه لحال الغفلـة، فلأنّ الغفلـة لا يوجب تغيـير المأمور بـه. فإنّ المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لم يتغيّر الأمر المتوجّـه إليـه قبل الغفلـة، ولم يحدث بالنسبـة إليـه من الشارع أمر آخر حين الغفلـة، لأنّـه غافل عن غفلتـه، فالصلاة
(الصفحة 225)
المأتي بها من غير سورة غير مأمور بها بأمر أصلا. غايـة الأمر عدم استمرار الأمر الفعلي بالصلاة مع السورة إليـه، لاستحالـة تكليف الغافل، فالتكليف ساقط عنـه مادام الغفلـة، نظير من غفل عن الصلاة رأساً أو نام عنها، فإذا التفت إليها والوقت باق وجب عليـه الإتيان بـه بمقتضى الأمر الأوّل(1)، انتهى موضع الحاجـة من نقل كلامـه، زيد في علوّ مقامـه.
واُجيب عنـه بوجوه كثيرة.
ولكنّ التحقيق في الجواب أن يقا ل :
إنّـه يمكن القول بجريان البراءة عن الجزئيّـة في حال السهو مع عدم الالتزام باختصاص الغافل بخطاب آخر خاصّ بـه، بل مع الالتزام بلغويّـة ذلك الخطاب على تقدير إمكانـه وعدم استحالتـه.
توضيحـه: أنّـه لو فرض ثبوت الفرق بين العالم والعامد وبين غيرهما في الواقع ونفس الأمر، بحيث كان المأمور بـه في حقّ العامد هو المركّب التام المشتمل على السورة، وفي حقّ الساهي هو المركّب الناقص الغير المشتمل عليها، بحيث كانت السورة غير مقتضيـة للجزئيّـة مطلقاً، بل اقتضاؤها لها إنّما هو في خصوص صورة العمد فقط.
فنقول: بأنّـه يمكن للمولى أن يتوصّل إلى مطلوبـه بتوجيـه الأمر بطبيعـة الصلاة إلى جميع المكلّفين بقولـه مثلا
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَمسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيلِ )(2) غايـة الأمر أنّ هذا الأمر إنّما يحرّك العامد نحو الصلاة المشتملـة على السورة، لالتفاتـه إلى كونها جزءً لها، ولا ينبعث منـه الساهي إلاّ بمقدار التفاتـه،
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 483.
- 2 ـ الإسراء (17): 78.
(الصفحة 226)
وهو ماعدا الجزء المنسي، فمع فرض انحصار الملاك في المركّب التامّ إلى حال العمد وثبوت الملاك في المركّب الناقص في حال السهو لا يلزم على المولى أن يوجّـه خطاباً آخر إلى النساة، بل يكفي في الوصول إلى غرضـه مجرّد توجيـه الأمر بطبيعـة الصلاة إلى جميع المكلّفين، بل نقول بلغويّـة الخطاب الآخر بعد كون الخطاب الأوّل وافياً بجميع المقصود.
فإذا ثبت جواز الاكتفاء بأمر واحد متوجّـه إلى الجميع مع فرض اشتمال المأتي بـه لكلّ من العامد والساهي على الملاك والمصلحـة. فنقول: لو شكّ في ذلك وأنّ المركّب الناقص هل يكون تمام المأمور بـه في حال السهو أم لا، فيجب الإعادة والإتيان بالمركّب الناقص، فمرجع ذلك الشكّ إلى الشكّ في كون السورة جزءً في حال النسيان أم لا، فمع عدم إطلاق دليل جزئيتها، كما هو المفروض لامانع من جريان البراءة في حقّ الساهي، لعين ما ذكر في الأقلّ والأكثر في الأجزاء، ولا فرق بين المقامين أصلا.
وهنا وجوه اُخر في الجواب عن الإشكا ل الذي ذكره الشيخ (قدس سره) :
منها:
ما حكي عن السيّد الأجلّ الميرزا الشيرازي (قدس سره)
(1) من عدم كون الغافل مخاطباً بخطاب ومأموراً بأمر، لا بالمركّب التامّ ولا بالمركّب الناقص; لعدم كونـه قادراً على الإتيان بالمركّب التامّ مع الغفلـة والذهول، والتكليف مشروط بالقدرة. وعدم إمكان توجيـه خطاب آخر إليـه على ما هو المفروض مـن استحالـة تخصيصـه بخطاب آخـر، ففي حـال الغفلـة لا يكون مأمـوراً بشيء أصلا. وأمّا بعد زوالها فنشكّ في ثبوت التكليف بالنسبـة إليـه، والمرجع
- 1 ـ اُنظر درر الفوائد، المحقّق الحائري: 491.