(الصفحة 225)
المأتي بها من غير سورة غير مأمور بها بأمر أصلا. غايـة الأمر عدم استمرار الأمر الفعلي بالصلاة مع السورة إليـه، لاستحالـة تكليف الغافل، فالتكليف ساقط عنـه مادام الغفلـة، نظير من غفل عن الصلاة رأساً أو نام عنها، فإذا التفت إليها والوقت باق وجب عليـه الإتيان بـه بمقتضى الأمر الأوّل(1)، انتهى موضع الحاجـة من نقل كلامـه، زيد في علوّ مقامـه.
واُجيب عنـه بوجوه كثيرة.
ولكنّ التحقيق في الجواب أن يقا ل :
إنّـه يمكن القول بجريان البراءة عن الجزئيّـة في حال السهو مع عدم الالتزام باختصاص الغافل بخطاب آخر خاصّ بـه، بل مع الالتزام بلغويّـة ذلك الخطاب على تقدير إمكانـه وعدم استحالتـه.
توضيحـه: أنّـه لو فرض ثبوت الفرق بين العالم والعامد وبين غيرهما في الواقع ونفس الأمر، بحيث كان المأمور بـه في حقّ العامد هو المركّب التام المشتمل على السورة، وفي حقّ الساهي هو المركّب الناقص الغير المشتمل عليها، بحيث كانت السورة غير مقتضيـة للجزئيّـة مطلقاً، بل اقتضاؤها لها إنّما هو في خصوص صورة العمد فقط.
فنقول: بأنّـه يمكن للمولى أن يتوصّل إلى مطلوبـه بتوجيـه الأمر بطبيعـة الصلاة إلى جميع المكلّفين بقولـه مثلا
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَمسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيلِ )(2) غايـة الأمر أنّ هذا الأمر إنّما يحرّك العامد نحو الصلاة المشتملـة على السورة، لالتفاتـه إلى كونها جزءً لها، ولا ينبعث منـه الساهي إلاّ بمقدار التفاتـه،
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 483.
- 2 ـ الإسراء (17): 78.
(الصفحة 226)
وهو ماعدا الجزء المنسي، فمع فرض انحصار الملاك في المركّب التامّ إلى حال العمد وثبوت الملاك في المركّب الناقص في حال السهو لا يلزم على المولى أن يوجّـه خطاباً آخر إلى النساة، بل يكفي في الوصول إلى غرضـه مجرّد توجيـه الأمر بطبيعـة الصلاة إلى جميع المكلّفين، بل نقول بلغويّـة الخطاب الآخر بعد كون الخطاب الأوّل وافياً بجميع المقصود.
فإذا ثبت جواز الاكتفاء بأمر واحد متوجّـه إلى الجميع مع فرض اشتمال المأتي بـه لكلّ من العامد والساهي على الملاك والمصلحـة. فنقول: لو شكّ في ذلك وأنّ المركّب الناقص هل يكون تمام المأمور بـه في حال السهو أم لا، فيجب الإعادة والإتيان بالمركّب الناقص، فمرجع ذلك الشكّ إلى الشكّ في كون السورة جزءً في حال النسيان أم لا، فمع عدم إطلاق دليل جزئيتها، كما هو المفروض لامانع من جريان البراءة في حقّ الساهي، لعين ما ذكر في الأقلّ والأكثر في الأجزاء، ولا فرق بين المقامين أصلا.
وهنا وجوه اُخر في الجواب عن الإشكا ل الذي ذكره الشيخ (قدس سره) :
منها:
ما حكي عن السيّد الأجلّ الميرزا الشيرازي (قدس سره)
(1) من عدم كون الغافل مخاطباً بخطاب ومأموراً بأمر، لا بالمركّب التامّ ولا بالمركّب الناقص; لعدم كونـه قادراً على الإتيان بالمركّب التامّ مع الغفلـة والذهول، والتكليف مشروط بالقدرة. وعدم إمكان توجيـه خطاب آخر إليـه على ما هو المفروض مـن استحالـة تخصيصـه بخطاب آخـر، ففي حـال الغفلـة لا يكون مأمـوراً بشيء أصلا. وأمّا بعد زوالها فنشكّ في ثبوت التكليف بالنسبـة إليـه، والمرجع
- 1 ـ اُنظر درر الفوائد، المحقّق الحائري: 491.
(الصفحة 227)
عند الشكّ في أصل التكليف هي البراءة.
نعم لو لم يأت في حال الغفلـة بشيء أصلا فمع ارتفاعها نقطع بثبوت التكليف وإنّما الشكّ مع الإتيان بالمركّب الناقص، كما هو المفروض، إذ معـه لانقطع بثبوت الاقتضاء والملاك بالنسبـة إلى المركّب التامّ، لأنّا نحتمل اختصاص جزئيّـة الجزء المنسي بحال العمد، كما لايخفى.
وهذا الجواب وإن كان تامّاً من حيث دفـع إشكال الشيخ (قدس سره)
لكن يرد عليـه ما عرفت من منع استحالـة كون الغافل مأموراً بالمركّب الناقص، إذ لايلزم في ذلك توجيـه خطاب آخر خاصّ بـه، بل يكفي فيـه مجرّد الأمر بإقامـة الصلاة التي هي طبيعـة مشتركـة بين التامّ والناقص، لأنّـه يدعو الذاكر إلى جميع أجزائها، والناسي إلى ماعدا الجـزء المنسي منها، كما لا يخفى.
ومنها:
ما حكاه المحقّق النائيني عن تقريرات بعض الأجلّـة لبحث الشيخ (قدس سره)
في مسائل الخلل، ومحصّلـه يرجع إلى إمكان أخذ الناسي عنواناً للمكلّف وتكليفـه بماعدا الجزء المنسي، لأنّ المانع من ذلك ليس إلاّ توهّم كون الناسي لا يلتفت إلى نسيانـه في ذلك الحال، فلا يمكنـه امتثال الأمر المتوجّـه إليـه، لأنّـه فرع الالتفات إلى ما اُخذ عنواناً للمكلّف(1).
ولكن يمكن أن يقال: بأنّ امتثال الأمر لا يتوقّف على أن يكون المكلّف ملتفتاً إلى ما اُخذ عنواناً لـه بخصوصـه، بل يمكن الالتفات إلى ما ينطبق عليـه من العنوان ولو كان من باب الخطأ في التطبيق، فيقصد الأمر المتوجّـه إليـه بالعنوان الذي يعتقد أنّـه واجد لـه وإن أخطأ في اعتقاده، والناسي للجزء حيث
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 211.
(الصفحة 228)
لم يلتفت إلى نسيانـه، بل يرى نفسـه ذاكراً فيقصد الأمر المتوجّـه إليـه بتخيّل أنّـه أمر الذاكر، فيؤول إلى الخطأ في التطبيق، نظير الأمر بالأداء والقضاء في مكان الآخر.
هذا، وأجاب عنـه المحقّق المتقدّم بما حاصلـه: أنّـه يعتبر في صحّـة البعث أن يكون قابلا للانبعاث عنـه، بحيث يمكن أن يصير داعياً لانقداح الإرادة وحركـة العضلات نحو المأمور بـه ولو في الجملـة، وأمّا التكليف الذي لا يصلح لأن يصير داعياً ومحرّكاً للإرادة في وقت من الأوقات فهو قبيح مستهجن.
ومن المعلوم أنّ التكليف بعنوان الناسي غير قابل لأن يصير داعياً لانقداح الإرادة، لأنّ الناسي لا يلتفت إلى نسيانـه في جميع الموارد، فيلزم أن يكون التكليف بما يكون امتثالـه دائماً من باب الخطأ في التطبيق، وهو كما ترى ممّا لايمكن الالتزام بـه، وهذا بخلاف الأمر بالقضاء والأداء، فإنّ الأمر قابل لأن يصير داعياً ومحرِّكاً للإرادة بعنوان الأداء أو القضاء، لإمكان الالتفات إلى كونـه أداءً أو قضاءً.
نعم قد يتّفق الخطأ في التطبيق، وأين هذا من التكليف بما يكون امتثالـه دائماً من باب الخطأ في التطبيق كما فيما نحن فيـه، فقياس المقام بالأمر بالأداء أو القضاء ليس على ما ينبغي(1)، انتهى.
هذا ولكن يرد على هذا الجواب: أنّـه بعد تسليم كون الباعث والمحرِّك للناسي دائماً إنّما هو الأمر الواقعي المتعلّق بالناسي لا مجال لما ذكره، لعدم المانع من كون الخطأ في التطبيق أمراً دائمياً، إذ الملاك هو الانبعاث من البعث
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 211 ـ 212.
(الصفحة 229)
المتوجّـه إليـه والمفروض تحقّقـه، لعدم كونـه منبعثاً إلاّ عن الأمر الواقعي المتعلّق بخصوص الناسي، فمع تسليم باعثيّـة ذلك الأمر لا موقع لهذا الإشكال، كما هو واضح.
نعم يرد على هذا البعض المجيب عن إشكال الشيخ: منع كون المحرّك للناسي هو الأمر الواقعي المتعلّق بعنوانـه، بل المحرّك لـه إنّما هو الأمر المتوجّـه إلى الذاكر، لكونـه لا يرى نفسـه إلاّ ذاكراً، ضرورة أنّـه لو فرض عدم ذلك الأمر في الواقع لكان الناسي أيضاً متحرّكاً، فوجود ذلك الأمر وعدمـه سواء، وهذا دليل على أنّ المحرّك لـه إنّما هو الأمر المحرّك للذاكر الواقعي بلا فرق بينهما من هذه الجهـة أصلا.
نعم قد عرفت: أنّ تكليفـه بماعدا الجزء المنسي لا يتوقّف على أخذ الناسي عنواناً للمكلّف بتكليف آخر خاصّ بـه، بل يمكن التوصّل إلى هذا المطلوب بالأمر الواحد المتعلّق بطبيعـة الصلاة المشتركـة بين التامّ والناقص كما مرّ، فتدبّر جيّداً.
ردّ تفصيل المحققّ النائيني بين استيعاب النسيان لجميع الوقت وعدمه
ثمّ إنّـه قد مرّت الإشارة إلى أنّ محـلّ الكلام في جـريان البراءة العقليّـة فـي المقام هو ما إذا لم يكن لشيء مـن دليلي المركّب والأجـزاء إطـلاق، وإلاّ فلا مجال لها أصلا، كما هو واضح. ومع عدم ثبوت الإطلاق لا فرق في جريانها بين كون النسيان مستوعباً لجميع الوقت أو لم يكن كذلك، خلافاً لما صرّح بـه المحقّق النائيني مـن التفصيل، بيـن الصورتين حيث إنّـه بعـد اختيار جـريان البراءة قال ما ملخّصـه: