(الصفحة 255)
وبـالجملـة: فلا ينبغـي الارتيـاب فـي أنّ النظـر العـرفي لا يسـاعـد على مـا أفـاده (قدس سره)
وأنّ عنوان الزيـادة عـامّ شامل فـي المقـام لـزيادة الركعـة وغيرهـا.
نعم يبقى على ما ذكرنا من اعتبار القصد في تحقّق عنوان الزيادة في الصلاة، أنّ ذلك مخالف لظاهر صحيحـة زرارة(1) الناهيـة عن قراءة شيء من سور العزائم في الصلاة، المعلّلـة بأنّ السجود ـ أي السجود الواجب بسبب قراءة آيـة السجدة ـ زيادة في المكتوبـة; لأنّها تدلّ على أنّ السجود زيادة، مع أنّـه لم يؤت بـه بعنوان الصلاة وأنّـه منها، كما هو واضح، هذا.
ولكن لابدّ من توجيـه الروايـة إمّا بكون المراد هو الإلحاق بالزيادة في الحكم المترتّب عليها، وإمّا بوجـه آخر. وقد تخلّص عن هذا الإشكال المحقّق المتقدّم بأنّ الزيادة عبارة عمّا منع الشارع إيجاده في الصلاة، فالمرجع في تشخيص موضوعها هو الشرع لا العرف(2).
ولكن يرد عليـه بأنّ ذلك يستلزم جواز إطلاق الزيادة على جميع موانع الصلاة كالحدث والاستدبار والتكلّم والقهقهـة ونحوها، مع أنّـه لا يعهد من أحد هذا الإطلاق، كما هو غير خفي.
هذا فيما يتعلّق بأخبار الزيادة.
- 1 ـ تهذيب الأحكام 2: 96 / 361، وسائل الشيعـة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب40، الحديث1.
- 2 ـ الصلاة، المحقّق الحائري: 314.
(الصفحة 256)
مقتضى حديث « لاتعاد »
وأمّا حديث
«لاتعاد»(1) فيقع الكلام في مدلولـه من جهات:
الاُولى: في شموله لحال العمد وعدمه
فاعلم: أنّ شمولـه لهذا الحال ممّا لا محذور فيـه عقلا، ولا يلزم منـه كون أدلّـة الأجزاء والشرائط غير الخمسـة المذكورة في الحديث واعتبارهما لغواً خالياً عن الفائدة، لإمكان أن تكون الصلاة المشتملـة على تلك الخمسـة سبباً لحصول مرتبـة من المصلحـة ناقصـة، بحيث لا يبقى معـه مجال لاستيفائها بالمرتبـة التامّـة ثانياً.
فالمصلّي إذا ترك بعض الأجزاء الغير الركنيّـة عمداً يكون الإتيان بمثل هذه الصلاة موجباً لاستيفاء مرتبـة ناقصـة من المصلحـة، ولا يتمكّن من إعادة الصلاة المشتملـة على تلك الأجزاء لاستيفاء جميع مراتب المصلحـة، ومع ذلك يعاقب على عدم استيفاء المصلحـة بمرتبتها الكاملـة، لأنّ المفروض أنّ فوات تلك المرتبـة كان بسوء اختياره. وهذا ـ أي عدم استيفاء المرتبـة العليا من المصلحـة وجواز عقوبتـه على ذلك ـ هو نتيجـة اعتبار تلك الأجزاء الغير
- 1 ـ عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسـة: الطهور، والوقت، والقبلـة، والركوع، والسجود...» إلى آخره.
- تهذيب الأحكام 2: 152 / 597، وسائل الشيعـة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب1، الحديث4.
(الصفحة 257)
الركنيّـة في الصلاة، فلم يكن شمول الحديث لصورة العمد منافياً مع اعتبار الأجزاء الغير الركنيّـة، إلاّ أنّ الإنصاف انصراف الحديث عن هذه الصورة واختصاصـه بغيرها.
الثانية : في شموله للجهل أو النسيان مطلقاً في الحكم أو الموضوع
فاعلم: أنّ المحقّق المتقدّم نفى البعد في كتاب صلاتـه عن دعوى انصراف الحديث إلى الفعل الحاصل بالسهو والنسيان في الموضوع. وقال في بيانـه ما ملخّصـه: إنّ ذلك يبتني على مقدّمتين:
إحداهما: أنّ ظاهر قولـه (عليه السلام):
«لاتعاد» هو الصحّـة الواقعيّـة وكون الناقص مصداقاً واقعيّاً لامتثال أمر الصلاة، ويؤيّده الأخبار(1) الواردة في نسيان الحمد حتّى ركع، فإنّها حاكمـة بتماميّـة الصلاة.
ثانيتهما: أنّ الظاهر من الصحيحـة أنّ الحكم إنّما يكون بعد الفراغ من الصلاة، وإن أبيت من ذلك فلابدّ من اختصاصها بصورة لا يمكن تدارك المتروك، كمن نسي القراءة ولم يذكر حتّى ركع، فلا يمكن أن يكون مستنداً لجواز الدخول في الصلاة، بل يكون مستنداً لمن دخل في الصلاة وقصد امتثال الأمر الواقعي باعتقاده ثمّ تبيّن الخلل في شيء من الأجزاء والشرائط. فالعامد الملتفت خارج عن مصبّ الروايـة كالشاكّ في وجوب جزء أو شرط أو الشاكّ في وجود شرط بعد الفراغ عن شرطيّتـه، فإنّ مرجع ذلك كلّـه إلى قواعد اُخر لابدّ أن يراعيها حتّى يجوز لـه الدخول في الصلاة.
- 1 ـ راجع وسائل الشيعـة 6: 90، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب29.
(الصفحة 258)
نعم لو اعتقد عدم وجوب شيء أو عدم شرطيـة شيء أو كان ناسياً لحكم شيء من الجزئيّـة والشرطيّـة يمكن توهّم شمول الصحيحـة.
لكن يدفعـه ما ذكرنا في المقدّمـة الاُولى، فإنّـه لا يعقل أن يقيّد الجزئيّـة والشرطيّـة بالعلم بهما بحيث لو صار عالماً بعدمهما بالجهل المركّب، لما كان الجزء جزءً ولا الشرط شرطاً.
نعم يمكن على نحو التصويب الذي ادّعي الإجماع على خلافـه، بمعنى أنّ المجعول الواقعي وهو المركّب التامّ يكون ثابتاً لكلّ أحد، ولكن نسيان الحكم أو الغفلـة عنـه أو القطع بعدمـه بالجهل المركّب صار سبباً لحدوث مصلحـة في المركّب الناقص على حدّ المصلحـة فـي التامّ، فيكون الإتيان بـه في تلك الحالـة مجزياً عن الواقع، فيصحّ إطلاق التماميّـة في مقام الامتثال على الناقص المأتي بـه، وهذا الاحتمال مضافاً إلى ظهور كونـه خلاف الإجماع ينافيـه بعض الأخبار أيضاً.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ الأقسام المتوهّم دخولها في عموم الصحيحـة بعضها خارج عن مصبّ الروايـة وبعضها خارج من جهـة اُخرى، ولا يبقى فيـه إلاّ السهو والنسيان والجهل المركّب بالنسبـة إلى الموضوع(1)، انتهى ملخّص موضع الحاجـة من كلامـه، زيد في علوّ مقامـه.
ويرد على ما ذكره في المقدّمـة الاُولى: منع ظهور الحديث في الصحّـة الواقعيّـة وكون الناقص مصداقاً واقعيّاً للصلاة المأمور بها، وذلك لاشتمال الحديث على التعليل بأنّ القراءة سنّـة، والتشهّد سنّـة، والسنّـة لا تنقض
- 1 ـ الصلاة، المحقّق الحائري: 316 ـ 317.
(الصفحة 259)
الفريضـة، وهذا التعليل ظاهر في أنّ الصلاة الفاقدة لمثل القراءة والتشهّد وإن كانت ناقصـة من جهـة فقدانها لبعض السنن المعتبرة فيها أو جميعها، إلاّ أنّـه لايجب إعادتها مع ذلك، لأنّ السنّـة لا تصلح لنقض الفريضـة، فهي مع كونها ناقصـة إلاّ أنّـه لا يمكن إعادتها تامّـة.
وحينئذ فلا يلزم من شمول الحديث للجاهل أو الناسي بالحكم التصويب الغير المعقول ولا التصويب الذي أجمع على خلافـه، لأنّ المفروض كون صلاتهما ناقصـة فاقدة لبعض الأجزاء المعتبرة فيها في جميع الحالات.
نعم ما أفاده في المقدّمـة الثانيـة من عدم شمول الحديث للعامد الملتفت وعدم إمكان كونـه مستنداً لجواز الدخول في الصلاة حقّ لا غبار عليـه.
وبالجملـة، فالظاهر أنّـه لا مانع من شمول الحديث لجميع الأقسام بالنسبـة إلى من دخل في الصلاة على وفق القواعد الاُخر التي جوّزت لـه الدخول في الصلاة.
نعم قد ادّعي الإجماع على خروج الجاهل المقصّر في الحكم، ولكن لم يثبت الإجماع، فالظاهر دخولـه أيضاً في الحديث، فتدبّر.
الثالثة : في شمول الحديث للزيادة أو اختصاصه بالنقيصة
والاحتمالات البدويّـة المتصوّرة في الحديث ثلاثـة:
أحـدهـا: شمول الحـديث للزيـادة والنقيصـة معـاً فـي جملـة المستثنى وكـذا المستثنى منـه.
ثانيها: اختصاصـه بالنقيصـة في كلتا الجملتين.