(الصفحة 267)
بقصد الجزئيّـة. وأمّا لو قصد بها الجزئيّـة فالأقوى البطلان، لصدق الزيادة على ذلك. هذا إذا لم تكن الزيادة من سنخ الأجزاء، وإن كانت من سنخها فإن كانت من سنخ الأقوال فيعتبر في صدق الزيادة عليها قصد الجزئيـة بها، وإلاّ كان ذلك من الذكر والقرآن الغير المبطل، وإن كان من سنخ الأفعال فالظاهر أنّـه لا يعتبر في صدق الزيادة عليها قصد الجزئيّـة، فإنّ السجود الثالث يكون زيادة في العدد المعتبر من السجود في الصلاة في كلّ ركعـة ولو لم يقصد بالسجود الثالث الجزئيّـة.
نعم لايبعد عدم صدق الزيادة مع قصد الخلاف، كما إذا قصد بـه سجدة العزيمـة أو الشكر.
هذا، ولكن يظهر من التعليل الوارد في بعض الأخبار الناهيـة عن قراءة العزيمـة في الصلاة من أنّ السجود زيادة في المكتوبـة(1) أنّـه لا يعتبر في صدق الزيادة عدم قصد الخلاف، بل الإتيان بمطلق ما كان من سنخ أفعال الصلاة يكون زيادة في المكتوبـة، فيكون المنهي عنـه في باب الزيادة معنى أعمّ من الزيادة العرفيّـة.
ولكن يمكن أن يقال: إنّ المقدار الذي يستفاد من التعليل هو صدق الزيادة على الفعل الذي لا يكون لـه حافظ وحدة ولم يكن بنفسـه من العناوين المستقلّـة، وأمّا إذا كان من العناوين المستقلّـة ـ كما إذا أتى المكلّف بصلاة اُخرى في أثناء صلاة الظهر ـ فالظاهر أنّـه لا يندرج في التعليل، لأنّ السجود والركوع المأتي بهما لصلاة اُخرى لا دخل لهما بصلاة الظهر، ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليـه ما
- 1 ـ راجع وسائل الشيعة 6: 107، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب41.
(الصفحة 268)
ورد في بعض الأخبار من أنّـه لو ضاق وقت صلاة الآيات وخاف المكلّف أنّـه لو أخّرها إلى أن يفرغ من الصلاة اليوميّـة يفوت وقتها، صلّى الآيات في أثناء صلاة اليوميـة، وبعد الفراغ يبني عليها ويتمّها(1)، وليس ذلك إلاّ من جهـة عدم كون ذلك زيادة في الصلاة اليوميـة.
وحينئذ: يمكن التعدّي عن مورد النصّ إلى عكس المسألـة، وهو ما إذا تضيّق وقت صلاة اليوميّـة في أثناء صلاة الآيات. فيمكن أن يقال: أنّـه يأتي باليوميـة في أثناء صلاة الآيات ولا تبطل بذلك، فإنّ بطلان صلاة الآيات إمّا أن يكون لأجل الزيادة، وإمّا لأجل فوات الموالاة. أمّا الزيادة: فالمفروض عدم صدقها على مـا كان لـه عنوان مستقلّ. وأمّـا فـوات الموالاة: فلا ضير فيـه إذا كان ذلك لأجل تحصيل واجب أهمّ. وعلى ذلك يبتني جواز الإتيان بسجدتي السهو مـن صلاة في أثناء صلاة اُخرى إذا سهى المكلّف عنهما في محلّهما وتذكّر بعدما شرع في صلاة اُخرى بناءً على وجوب سجود السهو فوراً(2)، انتهى.
ويرد عليـه أوّلا: أنّ ما ذكره من توقّف صدق عنوان الزيادة على أن لا يكون الزائد بنفسـه من العناوين المستقلّـة مجرّد ادّعاء بلا بيّنـة وبرهان، لأنّـه لا فرق في نظر العرف في صدق هذا العنوان بين الإتيان في أثناء صلاة بسجدة ثالثـة، أو بصلاة اُخرى مستقلّـة ومشتملـة على أربع سجدات لا محالـة لو لم نقل بأوضحيّـة الصدق في الثاني، كما هو واضح.
- 1 ـ راجـع وسائـل الشيعـة 7: 490، كتاب الصلاة، أبـواب صلاة الكسوف والآيـات، الباب5.
- 2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 240 ـ 243.
(الصفحة 269)
نعم قد عرفت(1) أنّـه يعتبر في صدق الزيادة أن يكون الإتيان بالزائد بقصد الجزئيّـة، وأنّ التعليل الوارد في بعض الأخبار الناهيـة عن قراءة العزيمـة في الصلاة الدالّ على أنّ السجود زيادة مع أنّـه لم يقصد بـه الجزئيّـة، لابدّ من تأويلـه.
وثانياً: سلّمنا اعتبار كون عدم الزائد من العناوين المستقلّـة، ولكن نقول بأنّ سجدة العزيمـة أيضاً لها عنوان مستقلّ غير مرتبط بالصلاة التي هي فيـه، ولا فرق بينها وبين الإتيان بصلاة اُخرى مستقلّـة أصلا.
نعم لا ننكر أنّها وجبت بسبب قراءة آيـة السجدة التي هي جزء من السورة التي هي جزء للصلاة.
ولكن نقول: إنّ قراءة آيـة السجدة سبب لوجوبها والمسبّب مغاير للسبب ولـه عنوان مستقلّ، كما هو واضح.
وثالثاً: أنّـه لو سلّمنا الفرق بين سجدة العزيمـة وبين صلاة اُخرى مستقلّـة فلا نسلّم الفرق بينها وبين سجدتي السهو، حيث يجوز الإتيان بهما في أثناء صلاة اُخرى دونها مستنداً إلى عدم كونهما من الزيادة بخلاف السجدة.
ورابعاً: أنّ ما أفاده من أنّـه ورد في بعض الأخبار... إلى آخره، فهو اشتباه محض، لأنّ بعض الأخبار إنّما ورد في عكس المسألـة الذي احتمل إمكان التعدّي عن مورد النصّ إليـه، وهو ما إذا تضيّق وقت صلاة اليوميـة في أثناء صلاة الآيات، فإنّـه قد ورد أنّـه يجوز رفع اليد عن صلاة الآيات والإتيان باليوميّـة في
- 1 ـ تقدّم في الصفحـة 254.
(الصفحة 270)
أثنائها، ثمّ البناء على ما مضى من صلاة الآيات. ولكن لا يخفى أنّـه لا يجوز التعدّي عن مورد النصّ بعد احتمال أن يكون لصلاة الآيات خصوصيّـة موجبـة لجواز الإتيان بالفريضـة اليوميّـة في أثنائها.
وكيف كان: فهذه الاشتباهات التي يترتّب عليها اُمور عظيمـة إنّما منشؤها الاعتماد على الحافظـة الموجب لعدم المراجعـة إلى كتب الأخبار ومثلها.
ومن هنا ترى أنّ حديثاً واحداً صار منقولا في الكتب الفقهيّـة بوجوه مختلفـة وعبارات متشتّتـة، وليس منشؤها إلاّ مجرّد الاعتماد على الحفظ، مع أنّـه منشأ لفهم حكم اللّه، فيختلف الفتاوى بسببـه ويقع جمع كثير في الخطأ والاشتباه، فاللازم على المحصّل الطالب للوصول إلى الحقّ أن لا يعتمد في استنباط الحكم الشرعي على خلفـه، بل يراجع مظانّـه كرّة بعد كرّة حتّى لا يقع في الخطأ والنسيان الذي لا يخلو منـه الإنسان، ونسأل اللّه أن لا يؤاخذنا بما أخطأنا أو نسينا.
(الصفحة 271)
الأمر الثاني
في تعذّر الجزء والشرط
لو علم بجزئيّـة شيء أو شرطيّتـه أو مانعيّـتـه أو قاطعيّـتـه في الجملـة، وشكّ في أنّ اعتباره في المأمور بـه وجوداً أو عدماً هل يختصّ بصورة التمكّن من فعلـه أو تركـه، أو أنّـه يعتبر فيـه مطلقاً، ويترتّب على ذلك وجوب الإتيان بالباقي على الأوّل وسقوط الأمر بالمركّب على الثاني في صورة الاضطرار، فهل القاعدة تقتضي أيّاً منهما؟
تحرير محلّ النزاع
وليعلم: أنّ محلّ الكلام ما إذا لم يكن لدليل اعتبار ذلك الشيء جزءً أو شرطاً إطلاق، وإلاّ فلا إشكال في أنّ مقتضاه سقوط الأمر بالمركّب مع الاضطرار إلى ترك ذلك الشيء، وكذا ما إذا لم يكن لدليل المركّب إطلاق، وإلاّ فلا إشكال في أنّـه يقتضي الإتيان بـه ولو مع الاضطرار إلى ترك بعض أجزائـه أو شرائطـه بناءً على ما هو التحقيق من كون الماهيات المأمور بها موضوعـة للأعمّ من الصحيح، كما تقدّم في مبحث الصحيح والأعمّ(1).
وأمّا لو كان لكلا الدليلين إطلاق، فتارةً يكون لأحدهما تحكيم على الآخر، واُخرى يكونان متعارضين، فعلى الأوّل إن كان التقدّم لإطلاق دليل المركّب
- 1 ـ راجع مناهج الوصول 1: 140 ـ 174.