(الصفحة 269)
نعم قد عرفت(1) أنّـه يعتبر في صدق الزيادة أن يكون الإتيان بالزائد بقصد الجزئيّـة، وأنّ التعليل الوارد في بعض الأخبار الناهيـة عن قراءة العزيمـة في الصلاة الدالّ على أنّ السجود زيادة مع أنّـه لم يقصد بـه الجزئيّـة، لابدّ من تأويلـه.
وثانياً: سلّمنا اعتبار كون عدم الزائد من العناوين المستقلّـة، ولكن نقول بأنّ سجدة العزيمـة أيضاً لها عنوان مستقلّ غير مرتبط بالصلاة التي هي فيـه، ولا فرق بينها وبين الإتيان بصلاة اُخرى مستقلّـة أصلا.
نعم لا ننكر أنّها وجبت بسبب قراءة آيـة السجدة التي هي جزء من السورة التي هي جزء للصلاة.
ولكن نقول: إنّ قراءة آيـة السجدة سبب لوجوبها والمسبّب مغاير للسبب ولـه عنوان مستقلّ، كما هو واضح.
وثالثاً: أنّـه لو سلّمنا الفرق بين سجدة العزيمـة وبين صلاة اُخرى مستقلّـة فلا نسلّم الفرق بينها وبين سجدتي السهو، حيث يجوز الإتيان بهما في أثناء صلاة اُخرى دونها مستنداً إلى عدم كونهما من الزيادة بخلاف السجدة.
ورابعاً: أنّ ما أفاده من أنّـه ورد في بعض الأخبار... إلى آخره، فهو اشتباه محض، لأنّ بعض الأخبار إنّما ورد في عكس المسألـة الذي احتمل إمكان التعدّي عن مورد النصّ إليـه، وهو ما إذا تضيّق وقت صلاة اليوميـة في أثناء صلاة الآيات، فإنّـه قد ورد أنّـه يجوز رفع اليد عن صلاة الآيات والإتيان باليوميّـة في
- 1 ـ تقدّم في الصفحـة 254.
(الصفحة 270)
أثنائها، ثمّ البناء على ما مضى من صلاة الآيات. ولكن لا يخفى أنّـه لا يجوز التعدّي عن مورد النصّ بعد احتمال أن يكون لصلاة الآيات خصوصيّـة موجبـة لجواز الإتيان بالفريضـة اليوميّـة في أثنائها.
وكيف كان: فهذه الاشتباهات التي يترتّب عليها اُمور عظيمـة إنّما منشؤها الاعتماد على الحافظـة الموجب لعدم المراجعـة إلى كتب الأخبار ومثلها.
ومن هنا ترى أنّ حديثاً واحداً صار منقولا في الكتب الفقهيّـة بوجوه مختلفـة وعبارات متشتّتـة، وليس منشؤها إلاّ مجرّد الاعتماد على الحفظ، مع أنّـه منشأ لفهم حكم اللّه، فيختلف الفتاوى بسببـه ويقع جمع كثير في الخطأ والاشتباه، فاللازم على المحصّل الطالب للوصول إلى الحقّ أن لا يعتمد في استنباط الحكم الشرعي على خلفـه، بل يراجع مظانّـه كرّة بعد كرّة حتّى لا يقع في الخطأ والنسيان الذي لا يخلو منـه الإنسان، ونسأل اللّه أن لا يؤاخذنا بما أخطأنا أو نسينا.
(الصفحة 271)
الأمر الثاني
في تعذّر الجزء والشرط
لو علم بجزئيّـة شيء أو شرطيّتـه أو مانعيّـتـه أو قاطعيّـتـه في الجملـة، وشكّ في أنّ اعتباره في المأمور بـه وجوداً أو عدماً هل يختصّ بصورة التمكّن من فعلـه أو تركـه، أو أنّـه يعتبر فيـه مطلقاً، ويترتّب على ذلك وجوب الإتيان بالباقي على الأوّل وسقوط الأمر بالمركّب على الثاني في صورة الاضطرار، فهل القاعدة تقتضي أيّاً منهما؟
تحرير محلّ النزاع
وليعلم: أنّ محلّ الكلام ما إذا لم يكن لدليل اعتبار ذلك الشيء جزءً أو شرطاً إطلاق، وإلاّ فلا إشكال في أنّ مقتضاه سقوط الأمر بالمركّب مع الاضطرار إلى ترك ذلك الشيء، وكذا ما إذا لم يكن لدليل المركّب إطلاق، وإلاّ فلا إشكال في أنّـه يقتضي الإتيان بـه ولو مع الاضطرار إلى ترك بعض أجزائـه أو شرائطـه بناءً على ما هو التحقيق من كون الماهيات المأمور بها موضوعـة للأعمّ من الصحيح، كما تقدّم في مبحث الصحيح والأعمّ(1).
وأمّا لو كان لكلا الدليلين إطلاق، فتارةً يكون لأحدهما تحكيم على الآخر، واُخرى يكونان متعارضين، فعلى الأوّل إن كان التقدّم لإطلاق دليل المركّب
- 1 ـ راجع مناهج الوصول 1: 140 ـ 174.
(الصفحة 272)
فحكمـه حكم ما إذا كان لـه إطلاق، دون دليل الجزء والشرط، وإن كان التقدّم لإطلاق دليل الجزء والشرط فحكمـه حكم ما إذا كان لـه إطلاق دون دليل المركّب.
ولا يخفى: أنّـه لا يكون التقدّم من أحد الجانبين كلّياً، لما عرفت وستعرف من أنّ الحكومـة متقوّمـة بلسان الدليل، ولسان دليل المركّب قد يكون متعرّضاً لحال دليل الجزء أو الشرط كما إذا كان دليل المركّب مثل قولـه: «لا تـترك الصلاة بحال» مثلا، ودليل اعتبار الجزء أو الشرط مثل قولـه: «اركع في الصلاة» أو «اسجد فيها».
وقد يكون دليل اعتبار الجزء متعرّضاً لحال دليل المركّب وحاكماً عليـه كما إذا كان دليل الجزء مثل قولـه:
«لا صلاة إلاّ بفاتحـة الكتاب»(1)، أو
«لاصلاة إلاّ بطهور»(2)، ودليل المركّب مثل قولـه: «أقيموا الصلاة» فإنّـه حينئذ لا إشكال في تقدّم دليل الجزء في هذه الصورة; لأنّـه إنّما يدلّ بظاهره على عدم تحقّق عنوان الصلاة مع كونها فاقدة لفاتحـة الكتاب، ودليل المركّب إنّما يدلّ على وجوب إقامـة الصلاة، كما أنّـه في الصورة الاُولى يكون الترجيح مع دليل المركّب، لأنّ مقتضاه أنّـه لا يجوز تركـه بحال، ومقتضى دليل الجزء مجرّد الأمر بالركوع والسجود في الصلاة مثلا.
- 1 ـ عوالي اللآلي 1: 196 / 2، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب1، الحديث5.
- 2 ـ تهذيب الأحكام 1: 49 / 144، وسائل الشيعـة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب1، الحديث1.
(الصفحة 273)
وبالجملـة: لابدّ من ملاحظـة الدليلين، فقد يكون التقدّم لإطلاق دليل المركّب وقد يكون لإطلاق دليل الجزء.
وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني على ما في التقريرات من أنّ إطلاق دليل القيد حاكم على إطلاق دليل المقيّد كحكومـة إطلاق القرينـة على ذيها(1).
فيرد عليـه أوّلا: أنّ ترجيح القرينـة على ذيها ليس لحكومتها عليـه، وإلاّ فيمكن ادّعاء العكس وأنّ ذا القرينـة حاكم عليها، بل ترجيحها عليـه إنّما هو من باب ترجيح الأظهر على الظاهر.
وثانياً: ما عرفت(2) من منع حكومـة إطلاق دليل القيد على إطلاق دليل المقيّد مطلقاً، بل قد عرفت أنّـه قد يكون الأمر بالعكس.
وثالثاً: وضوح الفرق بين المقام وبين باب القرينـة، فإنّ هنا يكون في البين دليلان مستقلاّن، بخلاف باب القرينـة.
وكيف كان: فقد نسب إلى الوحيد البهبهاني (قدس سره)
التفصيل فيما لو كان لدليل القيد إطلاق بين ما إذا كانت القيود مستفادة من مثل قولـه:
«لا صلاة إلاّ بفاتحـة الكتاب»، و
«لا صلاة إلاّ بطهور»، وبين القيود المستفادة من مثل قولـه: «اسجد في الصلاة» أو «اركع فيها»، أو «لا تلبس الحرير فيها» مثلا وأمثال ذلك من الأوامر والنواهي الغيريّـة، فحكم بسقوط الأمر بالمقيّد عند تعذّر القيد في الأوّل دون الثاني(3)، هذا.
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 250.
- 2 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 356 ـ 366.
- 3 ـ اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 251.