(الصفحة 211)
يزيد والعلم بالشهادة في هذه النهضة من أجل تحقيق هذا الهدف .
أمّا المؤلّف ـ وبغضّ النظر عن العلم بالشهادة في هذه الحركة ـ فلم يجد من سبيل للجمع بين تحقيق الهدف وأساس النهضة ، فظنّ أ نّ فرض صحّة هذه الحركة إنّما تتأتّى إذا غضضنا الطرف عن علم الإمام (عليه السلام) بحادثة كربلاء ، ثمّ يستنتج على هذا الأساس أنّ الإمام لا يستطيع أن يطيح بحكومة يزيد من خلال هذا الطريق ، فكيف تأهّب لمثل هذه الحركة ، فالقيام والنهضة لم تعدّ عملية عُقلائية!
وعليه : فيرى المؤلّف أنّنا إذا أردنا أن نسند الثورة لهذا الأساس وجب علينا أن نغضّ النظر عن علم الإمام ، ولمـّا أجبنا على هذا السؤال الوارد بهذا الشأن ، فإنّنا نرى أنّ المؤلّف لم يستطع أو لم يرد أن يشخّص الطريق الصحيح ، فان استند إلى مبناه في أنّ الهدف هو إسقاط حكومة يزيد والأمل بالنصر وإنشاء الحكومة الإسلامية ، وجب عليه القول بعدم علم الإمام بما ستؤول إليه الأحداث ، أو أن يتراجع عن قوله : من أنّ الهدف هو إسقاط حكومة يزيد .
ونخلص من هذا إلى أنّ الإذعان بالعلم يستلزم نسف كلّ ما ورد في الكتاب ، إلاّ أنّنا نعتقد أنّ الهدف كان يتمثّل بالإطاحة بحكومة الظلم والجور إلى جانب تلبيته لدعوة الاُمّة المتعطّشة إلى الحرية وحكومة العدل ، كما كان عالماً بالأحداث ، وفي ظلّ هذا الأمر يتحقّق الهدف ، لكن ليس في ظِلّ إنشاء الحكومة ، بل بواسطة التضحية ، وهذه حقيقة معنوية ووظيفة إلهيّة كانت معلومة منذ البداية ، وقد قلّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) حسيناً (عليه السلام) هذه المسؤولية التأريخية وقَبلها بكلّ رحابة صدر .
وبناءً على هذا ينبغي على المؤلّف الذي ظنّ بأنّ السبيل العقلائي لهذه النهضة يقوم على أساس غضّ النظر عن علم الإمام ، وبالنظر إلى الكلمات والخطب التي أوردها الإمام بشأن علمه بشهادته ; فإنّ الكتاب يكون قد نقض أو نسف تماماً ،
(الصفحة 212)
وإلاّ فلا خيار آخر سوى الاعتراف بعدم علم الإمام (عليه السلام) .
6 ـ لقد تبيّن من خلال الأدلّة السابقة أنّ المؤلّف ـ وأساس الكتاب ـ لا يمكنه أن يقول بعلم الإمام بشهادته في هذه الحركة ، إلاّ أنّنا لم ندّعِ تصريح المؤلّف بإنكار علم الإمام .
1 ) قال المؤلّف في ص 290 و 291 ـ بعد الاتّفاق الذي حصل بين الحرّ بن يزيد والإمام ـ : «لزم الإمام ميسرة الطريق وانطلق» ثمّ أضاف المؤلّف: «فلو سأله أصحابه أين ننطلق؟ ما مصير هذه الحركة؟ أين سنحلّ؟ ماذا سنفعل؟ هل هناك من مشاكل ستواجهنا؟ لا يسع الإمام أن يقدّم من جواب سوى القول: «لا ندري على ما تتصرّف بنا وبهم الاُمور» ، فهل يسع المؤلّف بعد التصريح بنفي علم الإمام بالأحداث والمصير أن يقول: لقد غضضنا الطرف عن علم الإمام ومعرفته بالاُمور ، فما الحاجة هنا لغضّ الطرف ، فالإمام (عليه السلام) قد رأى نفسه في قبضة العدوّ ، ولم يكن له سوى الاتّجاه نحو ميسرة الطريق بعد رفض العدوّ لاقتراحه بالرجوع ، كما تزعم بأنّ الإمام أخذ يلتفت شيئاً فشيئاً أنّه سوف لن يظفر بهدفه المقدّس ، فكيف نغضّ الطرف عن علمه رغم علمه ومعرفته!
لقد غضضت طرفك حين تعذّر عليك الجمع بين العلم وتحقّق الهدف ، أمّا وقد انعدم الأمل ولاحت بوادر انتصار يزيد ، وذلك لأنّه وقع في قبضة العدوّ قبل أن يدخل الكوفة ويتّصل بقواعده الجماهيرية ، وقد أغلق حتّى طريق الرجوع بوجهه! فهل غضّ طرفه عن علم الإمام في ظلّ هذه الظروف ، والجملة التي ذكرتها ـ والتي تفيد عدم اطّلاع الإمام ـ استندت فيها على ما ورد في الكتاب التأريخي الفلاني ، فهل بقي من طريق عقلائي لغضّ الطرف عن العلم!!
نعتقد بأنّ هذه الجملة ليست تفيد عدم علم الإمام بما ستؤول إليه الأحداث في كربلاء فحسب ، بل تفيد أيضاً أنّ الإمام لم يشعر ـ والعياذ بالله ـ بأدنى خطر من
(الصفحة 213)
هذه الحادثة المروّعة الخطيرة ، وهو الوقوع في قبضة الحرّ وجيشه المتعطّش للدماء .
لعلّ المؤلّف يقول: أين أوردنا إسم الإمام في جواب على سؤال؟ نقول: ليس هنالك من جواب على تلك الأسئلة سوى تلك العبارة .
أمّا جوابنا على السؤال فنقول: على مَن يطرح الأصحاب أسئلتهم؟ ليس لهم سوى الإمام ، أضف إلى ذلك فإنّك نقلت تلك العبارة من تأريخ الطبري ، فالتأريخ المذكور ينسب هذه العبارة صراحة إلى الإمام ، وهي صريحة بعدم علمه بحادثة كربلاء .
وربّما قال المؤلّف: نعم ، لقد استندت إلى تأريخ الطبري في نقل تلك العبارة ، ثمّ تبعته في قضية عدم اعتقاده بعلم الإمام بالحادثة . فنقول:
أوّلا:
هل يصحّ الاستدلال بالتأريخ في المسائل العقائدية المرتبطة تماماً بعلم الكلام ، والتي ينبغي التوصّل إليها من خلال الأدلّة العقلية أو الأدلّة النقلية الموثّقة!
فعلم الإمام ، بالحوادث المستقبلية من المواضيع العقائدية ، وليس للتأريخ أن يبدي وجهة نظره بهذا الشأن سلباً أو إيجاباً .
ثانياً:
تأريخ الطبري ليس وحياً مُنزلا ، فهل كلّ ما ورد فيه موثوقاً معتمداً عليه وإن خالف أقوال كِبار محدّثي الشيعة ومؤرّخيهم؟ نعم ، تأريخ الطبري قد اشتمل على مالا يحصى من الأخبار الموضوعة ، وإذا أردت التأكّد فإليك ما أورده العلاّمة الأميني صاحب الغدير بشأن بعض تجنّيات هذا التأريخ ، فقد قال العلاّمة ـ في الجلد الثامن ص 457 ـ 460 ـ حين تعرّض الطبري في تأريخه إلى تأريخ أبي ذرّ قال:
في هذه السنة ـ أعني السنة الثلاثون ـ كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية، وإشخاص معاوية إيّاه من الشام إلى المدينة ، ثمّ ذكر أسباباً دعت معاوية لنفيه ، ولا
(الصفحة 214)
أرغب بالتعرّض لها «فأمّا العاذرون معاوية في ذلك فإنّهم ذكروا في ذلك قصّة »، ثمّ يخوض الطبري في ذكر تلك القصص ، ثمّ يضيف العلاّمة الأميني قائلاً: «ما الذي دفع الطبري للاقتصار على ذكر القصص التي تعذر معاوية ، بينما يتحفّظ عن ذكر العلل والأسباب التي أوردها الآخرون والتي تصوّر بشاعة هذا العمل؟ فهل كان له من هدف سوى إعذار معاوية وإثبات حسن صنيعه؟ فَلِمَ لَمْ ينقل الحقائق المتعلّقة بهذه الحادثة ، والحال أنّها مرتبطة بواقع تأريخ الاُمّة الإسلامية ، لقد ظنّ بأنّ هذه الحقائق ستبقى مستورة إلى الأبد وقد غفل عن وضوحها في كتب الحديث وزوايا التأريخ» ثمّ قال الأميني: «لقد شوّه الطبري تأريخه بالمكاتبات التي نقلها السرّي الكذّاب الوضّاع عن شعيب ، عن سيف ، وذلك لأنّ السرّي اسم لفردين معروفين بالكذب ووضع الأحاديث ، وشعيب ـ على ضوء المختصّين بعلم الرجال كابن عدي والذهبي ـ مجهول ، وسيف ضعيف ومتروك وساقط من الإعتبار ، بل متّهم بالزندقة من قِبل الحفّاظ وأرباب الجرح والتعديل ، لقد نقل الطبري ما يربو على السبعمائة رواية ـ والتي تعادل عدّة مجلّدات من تأريخه ـ عن السرّي ، عن شعيب ، عن سيف ، وغرضه هو إخفاء الحقائق التي وقعت منذ سنة 11 هـ حتّى سنة 37 هـ ، أي عصر الخلفاء الثلاثة ».
ثمّ يخوض العلاّمة الأميني بالتفصيل في هذه الروايات والحوادث المتعلّقة بكلّ سنة في ذلك العصر .
أمّا غرضنا من نقل أقوال العلاّمة الأميني هو أنّه كيف يسعنا اعتبار تأريخ الطبري سنداً تأريخياً قاطعاً ونذعن من خلاله بعدم علم الإمام (عليه السلام) بحادثة كربلاء وما آلت إليه الأحداث!!
ثالثاً:
لقد نقلت في هذا التأريخ ـ كما سيأتي لاحقاً ـ بعض القصص التي تفيد على نحو الجزم علم الإمام بشهادته في هذه الحركة ، فلم لم تتبع هذه الاُمور في
(الصفحة 215)
تأريخ الطبري!!
2 ـ قال المؤلّف ـ في ص290 ـ : «يا لها من فاجعة! في أن يمنح الإمام أصحابه حالة السكينة والطمأنينة في ظلّ تلك الأوضاع المزرية التي عصفت بهم ، ثمّ يتّجه بهم في تلك الصحراء الطويلة العريضة إلى موضع لم يتكهّن به» .
وهنا نسأل المؤلّف: «يتّجه بهم إلى موضع لم يتكهّن به» ماذا تعني هذه العبارة؟ أَوَ لا تعني أنّ الإمام لا يدري أين يذهب ، ولا يعلم بأنّ ذالك الموضع هو كربلاء؟ فإذا كان كذلك فهل يمكن التصديق بأنّ الإمام عالم بأنّه سيحلّ في كربلاء ، حقّاً أنّ مثل هذه الحيرة لا تليق بشأن الإمام العالِم بكلّ شيء ولاسيّما تفاصيل وجزئيات حادثة كربلاء ، فهذه الاُمور لا تقود بالتالي إلاّ إلى الحطّ من المنزلة العلميّة للإمام (عليه السلام) ، لِمَ هبطت بمقام الإمام الى هذه الدرجة بعد تغليف العبارات بهالة من التراجيديا والغمّ؟ في حين تعتقد بأنّ كتابك قد أدّى إلى رفعة مقام الإمام وتقول: «إنّ هذا الكتاب ليس فقط لم يقلّل من شأن مقام الإمام ، بل قد رفع مقام الإمام بشهادة العلماء إلى درجة أرفع ممّا كانت تتصوّره عامّة الناس» .
فهل افتراض عدم العلم والاطّلاع ترفع منزلة الإمام؟ وهل الحيرة والترديد من قِبل الإمام دفعت أولئك العُلماء للإدلاء بتلك الشهادة؟ وهل عوامّ الاُمّة فقط يرون الإمام عالماً عارفاً؟ لا يسعنا هنا إلاّ أن نناشدك بأن تعتبرنا جزءاً من عوامّ الاُمّة .
3 ـ قال في ص301 ـ بعد أن نقل شيئاً يسيراً عن نزول الإمام وصحبه في كربلاء ـ : «لقد تذكّر الإمام حديث والده أمير المؤمنين (عليه السلام) بشأن هذه الأرض ، حيث قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) للحسين ـ حين كان له من العمر ثلاث وثلاثين سنة ـ : سيُقتل هنا ثلّة من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وقد ابتليت ثلّة منهم اليوم بهذه الأرض» . أو ليست تلك العدّة المعدودة من أهل البيت التي تحدّث عنها أمير
|