(الصفحة 96)
(الصفحة 97){أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَِ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِىّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ألاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} .
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَيهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهْ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِن رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَةً لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ} (سورة البقرة: الآيات 246 ـ 248 ).
(الصفحة 98)
(الصفحة 99)طلب قائد للجيش
تتحدّث هذه الآيات عن قصّة نبي من أنبياء بني إسرائيل ، وطلب أتباعه منه بعث ملك وقائد من أجل استعادة الأراضي السليبة ، ونتعرّف في هذه القصة على شخص باسم طالوت الزعيم المصطفى من قِبل الله ، وجالوت الدكتاتور الغاشم ، فقد نزح بنو إسرائيل عن وطنهم من جرّاء قهر جالوت وجبروته ، وقد تركوا أموالهم وأبناءهم في قبضة جيش جالوت ليعيشوا بعيدين عن وطنهم ، فسألوا نبيّهم أن يبعث لهم قائداً لمقاتلة جالوت واستعادة أراضيهم والعودة إلى ديارهم وأبنائهم فاستجاب لهم نبيّهم ، فاصطفى لهم الله طالوت قائداً . ولكن لم يصمد للقتال إلاّ فئة قليلة من تلك الجماعة العظيمة ، وأخيراً تمكّنت تلك الفئة القليلة بعد الاتّكال على الله والصبر والصمود من إلحاق الهزيمة بالعدو والانتصار عليه . ونحاول الآن تسليط الضوء على هذه الآيات للوقوف على بعض الأُمور:
فقد طلبت جماعة عظيمة من نبيّها أن يختار لها قائداً من أجل التخلّص من الأسر والنزوح وخوض معركة مقدّسة (في سبيل الله) فأراد ذلك النبي أن يعرف
(الصفحة 100)
مدى استعدادهم للقِتال ، فطرح عليهم هذا السؤال: هل أنتم مستعدّون لخوض القتال إذا كُتب عليكم؟ فأجابوه جميعاً: ومالنا ألاّ نُقاتل في سبيل الله ، بعد أن فقدنا كلّ شيء!ملاحظة مهمّة:
لقد استعدّت تلك الجماعة وتأهّبت للقِتال من أجل استعادة وطنهم وتحريره من المحتلّين الظلمة ، وقد فوّضوا لنبيّهم اختيار قائد يقودهم . وهنا ورد التعبير عن هذه المعركة بالقتال في سبيل الله ، وعليه : فإنّ القتال من أجل استقلال البلاد وتطهيرها من دنس الأعداء يعتبر قتالا في سبيل الله ، ولمّا كان الهدف الأصلي في مثل هذه المعارك إحياء معالم الأنبياء ومعارف الدين وتحقق كلمة التوحيد ، فإنّ أبطال هذه المعركة إنّما يُقاتلون في سبيل الله ، وهذا هو سبيل المجد والعظمة وتنظيم شؤون المجتمع وتحريره من براثن المستعمرين ، أي أنّ المقاتلين وباتّكائهم على الله والقرب منه لابدّ أن يكون هدفهم الأصلي هو تقوية الأسس الدينية والتعاليم الإلهية; وسيضاعف هذا الهدف من قدرتهم القتالية بما يجعلهم يخرجون منتصرين من تلك المعركة .
وبناءً على هذا لا ينبغي أن يقتصر دافع القتال على استعادة الأراضي المحتلّة ، ولابدّ أن يكون الدافع الرئيسي هو القتال في سبيل الله ، وهو الدافع الذي يتضمّن الاستقلال والتحرير أيضاً ، وبالنتيجة فإنّ مثل هؤلاء المقاتلين سينتصرون ويهزمون الأعداء .
إذن ، فالاستقلال والنصر وطرد الأعداء لا يقتصر على دافع حبّ الوطن فحسب ، بل ينبغي أن يكون حبّ الله هو الهدف ، والذي تتمكّن البشرية من خلاله تحقيق الانتصارات الباهرة والحصول على الاستقلال .
|