(الصفحة 91)
قبسات من شرائط الإمامة
هنالك عدّة أُمور من شأنها كشف النقاب عن شرائط الجهاز الحاكم والنهوض بمهمّة الزعامة والإمامة مِن قبيل: خلود هذه الزعامة واعتماد القرآن دستوراً للحكومة الإسلامية ، وإيصال الأُمّة إلى بغيتها وطموحها ، وتحقيق أهدافها الإنسانية العُليا ، وبسط العدل والقسط ، وإشاعة مفاهيم الإيمان ، والقضاء على الفتن والمفاسد والانحرافات ، وتحقيق استقلال البلاد ، والقيام بكلّ هذه الاُمور لله وفي الله ، والابتعاد عن زخارف الدنيا وزبرجها وعدم الاغترار بها ، والشفقّة والرأفة بالرعية، بحيث لا يسلب نملة جلباب شعيرة ، كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (1) والاغتمام والتألّم من الاعتداء على حقوق المسلمين ، إلى جانب پذلك نرى ضرورة التعمّق في القرآن الكريم من أجل الوقوف على هذه الشرائط ، وما أورده علماء الكلام بهذا الشأن .
- (1) نهج البلاغة لمحمد عبده: 495.
(الصفحة 92)خلاصة شرائط الإمامة :
1ـ العصمة
2ـ الأفضلية والأرجحية
3ـ عدم الاشتمال على الظلم والشرك
4ـ العلم التامّ والإحاطة بالقرآن والأحكام الإسلامية
5ـ الكرم
6ـ الزهد
7ـ الحلم
8ـ سداد الرأي
9ـ الفصاحة
10ـ الشجاعة
11ـ المروءة والشهامة
12ـ طهارة المولد
13ـ سلامة البدن وعدم النقص في الخلقة .
هذه نبذة من الصفات التي ينبغي توفّرها في الإمام ، وهناك صفات أُخرى يمكن إيجازها في هذه العبارة: «أفضليته في جميع الكمالات النفسية على سائر الأفراد واشتماله على كافّة الشرائط ، وتمتّعه بالسلامة الجسمية التامّة الخالية من النقص والعيب» .
بحث في تفاصيل هذه الشرائط:
علل الزعامة: لا تعتبر الزعامة بطبعها أمراً تعاقدياً ولو تقدّمت جماعة على أُخرى ; فإنّ هناك عناصر توجب مثل هذا التقدّم ، من قبيل التمتّع ببعض المزايا التي
(الصفحة 93)
تجعل البعض يتقدّم على البعض الآخر الذي لا يتحلّى بمثل هذه المزايا ، الأمر الذي يحتّم على الفاقد اتّباع الواجد والخضوع له . فلو كان هناك طفل أعقل وأفضل وأرأف وأكفأ من سائر الأطفال ; فإنّه يلفت نظرهم إليه ويُشار له بالبنان في محلّته بما يجعله رئيساً لهم في اللعب مثلا . ولو كان هناك في السوق فرد ذو كفاءة ودراية ، وكان بعيداً عن الغشّ والتدليس في معاملاته وذا أفكار تفيد الآخرين في التجارة ، ويعتمد العفو والشجاعة والأخذ بيد الضعفاء وإعانة الفقراء من أهل السوق ، فممّا لاشكّ فيه أنّه سيصبح قدوة للآخرين الذين يرون أنفسهم مضطرّين لاتّباعه واقتفاء أثره ، وبالتالي سيحتلّ موقعاً يجعله مرشداً وهادياً لزملائه في العمل . وهكذا سائر الموارد . وتصدق هذه القضية بالنسبة للشرائط التي يرى الإسلام إيجابها لنهوض بعض الأفراد بقيادة الاُمّة .
والذي نريد أن نخلص إليه هو عدم وجود القيود المفروضة من قِبل الإسلام على إشغال هذا المنصب ، بل هنالك شرائط مطلوبة يقتضي الطبع السليم والفطرة الطاهرة توفّرها في الإمام ، فطبيعة فطرة الإنسان تقوده إلى اختيار مثل هؤلاء الأفراد الذين يتمتّعون بهذه المزايا .
سؤال :
يمكن أن يُطرح سؤال ، وهو إذا كانت هذه الشرائط متوافرة في شخص فمن الطبيعي على الأُمّة أن تختاره زعيماً ولا ترى لغيره مثل هذا المقام ، فكيف اعتبرت ـ فيما مضى ـ قضيّة الإمامة انتصابية ، وأثبتَّ أنّ الإمامة من المناصب الإلهية المرادفة للنبوّة والتي تتعيّن من خلال الوحي؟ فهل هناك من حاجة لهذا النصب الإلهي إذا كانت الشرائط المذكورة متوفّرة؟ فإنّه من الطبيعي لواجد هذه الشرائط أن ينتخبه الناس .
(الصفحة 94)الجواب :
أوّلا:
كما قيل سابقاً فإنّ الانتخاب الصائب أمر فرضي ، ولا يمكن لهذا الإنتخاب أن يتحقّق في المجتمعات التي يقودها الظلمة الذين يتلاعبون بمقدّرات الأُمّة ، وهذا ما لمسناه في التجربة الإسلامية التي هبّ فيها الظلمة لحرفها عن مسارها الصحيح .
ثانياً:
على فرض إمكانية حدوث الانتخاب الصائب فهناك مشكلة عويصة تكمن في تعذّر تشخيص الأُمّة للفرد الجامع لهذه الشرائط ، بل مثل هذا الأمر محال على الأُمّة ، بسبب ضعف قدرة تشخيصها ، ولذلك كانت هذه المهمّة لله المحيط بكافّة خصائص الأفراد
{إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (1).
والآن لابدّ أن أنّه نرى هل تعرّض القرآن الكريم لهذه الشرائط المعتبرة في الإمام؟ وعلى فرض استعراض القرآن لهذه الشرائط ، هل اعتبر النجاح والموفقيّة كامنة في هذه الشرائط؟
وبعبارة أُخرى : هل يحكم القرآن بما تحكم به الفطرة بالنسبة لمقام الإمامة ويمضي هذا الحكم ، أم يفرض إرادته في هذا النصب بما لا ينسجم والعقل والفطرة السليمة؟
القرآن وشرائط الإمامة
قلنا ـ سابقاً ـ بأنّ إبراهيم (عليه السلام) قد أصبح إماماً بعد أن اجتاز الاختبارات السبع ، وقد تمثّلت مواد الاختبار بامتلاك القدرة العميقة من أجل الزعامة والمنطق القوي الاستدلالي والشجاعة والزهد والمروءة ، وفي مقدّمتها الشجاعة في مجابهة
(الصفحة 95)
الأفكار السائدة القائمة على أساس الجهل والخرافة ، فقد كان إبراهيم (عليه السلام) شديداً في التنمّر للحقّ مضحّياً في سبيل الله . كلّ هذه الاُمور أعدّت إبراهيم (عليه السلام) للإمامة ، حتّى أفاضها الله عليه ، وعليه فقصّة إبراهيم (عليه السلام) قد ركّزت على شرائط الإمامة ، مع ذلك سنحاول دراسة سائر الآيات الواردة بهذا الشأن .