(الصفحة 231)
حالها حال سائر الكفّارات على ما مرّ ، وقد مرّ أنّ الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام ، وهل يجب على المولى تمكينه من القضاء لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه ، أو لا لأنّه من سوء اختياره؟ قولان ، أقواهما الأوّل ، سواء قلنا : إنّ القضاء هو حجّه ، أو أنّه عقوبة وأنّ حجّه هو الأوّل .
هذا إذا أفسد حجّه ولم ينعتق . وأمّا إن أفسده بما ذكر ثمّ انعتق، فإن انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحرّ في وجوب الإتمام والقضاء والبدنة ، وكونه مجزئاً عن حجّة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين; من كون الإتمام عقوبة وأنّ حجّه هو القضاء ، أو كون القضاء عقوبة ، بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضاً أتى بحجّة الإسلام، وإن كان عاصياً في ترك القضاء ، وإن انعتق بعد المشعر فكما ذكر ، إلاّ أنّه لايجزئه عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع ، وإن كان مستطيعاً فعلاً ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيّان على أنّ القضاء فوريّ أولا ، فعلى الأوّل يقدّم لسبق سببه ، وعلى الثاني تقدّم حجّة الإسلام لفوريّتها دون القضاء .
[2996] مسألة 6 : لا فرق فيما ذكر ـ من عدم وجوب الحجّ على المملوك ، وعدم صحّته إلاّ بإذن مولاه ، وعدم إجزائه عن حجّة الإسلام إلاّ إذا انعتق قبل المشعر ـ بين القنّ والمدبّر والمكاتب واُمّ الولد والمبعّض، إلاّ إذا هاياه مولاه وكانت نوبته كافية مع عدم كون السفر خطريّاً ، فإنّه يصحّ منه بلا إذن لكن لايجب ، ولايجزئه حينئذ عن حجّة الإسلام وإن كان مستطيعاً ; لأنّه لم يخرج عن كونه مملوكاً ، وإن كان يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصورة، فمن الغريب ما في «الجواهر» من قوله: «ومن الغريب ما ظنّه بعض الناس من وجوب حجّة الإسلام عليه في هذا الحال ، ضرورة منافاته للإجماع المحكيّ عن المسلمين، الذي يشهد له التتّبع على اشتراط الحرّيّة، المعلوم عدمها في المبعّض» انتهى ، إذ لا غرابة فيه بعد إمكان
(الصفحة 232)
دعوى الانصراف، مع أنّ في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرّيّة .
[2997] مسألة 7 : إذا أمر المولى مملوكه بالحجّ وجب عليه طاعته وإن لم يكن مجزئاً عن حجّة الإسلام ، كما إذا آجره للنيابة عن غيره ، فإنّه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة وبين إجارته للحجّ أو الصلاة أو الصوم .
الثالث : الاستطاعة من حيث المال وصحّة البدن وقوّته، وتخلية السرب وسلامته وسعة الوقت وكفايته بالإجماع والكتاب والسنّة .
[2998] مسألة 1 : لا خلاف ولا إشكال في عدم كفاية القدرة العقليّة في وجوب الحجّ ، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعيّة ، وهي كما في جملة من الأخبار الزاد والراحلة ، فمع عدمهما لايجب وإن كان قادراً عليه عقلاً بالاكتساب ونحوه ، وهل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصّاً بصورة الحاجة إليها; لعدم قدرته على المشي أو كونه مشقّة عليه أو منافياً لشرفه، أو يشترط مطلقاً ولو مع عدم الحاجة إليه ؟ مقتضى إطلاق الأخبار والإجماعات المنقولة الثاني ، وذهب جماعة من المتأخّرين إلى الأوّل ; لجملة من الأخبار المصرّحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضاً أو كلاّ ، بدعوى أنّ مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الأُول حملها على صورة الحاجة ، مع أنّها منزّلة على الغالب ، بل انصرافها إليها ، والأقوى هو القول الثاني ; لإعراض المشهور عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم ومسمع ، فاللازم طرحها أو حملها على بعض المحامل ، كالحمل على الحجّ المندوب وإن كان بعيداً عن سياقها ، مع أنّها مفسّرة للاستطاعة في الآية الشريفة ، وحمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب والندب بعيد ، أو حملها على من استقرّ عليه حجّة الإسلام سابقاً ، وهو أيضاً بعيد ، أو نحو ذلك .
وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا ، وإن كان لاينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة ، خصوصاً بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي والركوب ، أو
(الصفحة 233)
يكون المشي أسهل ; لانصراف الأخبار الأُول عن هذه الصورة ، بل لولا الإجماعات المنقولة والشهرة لكان هذا القول في غاية القوّة .
[2999] مسألة 2 : لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد حتّى بالنسبة إلى أهل مكّة ; لإطلاق الأدلّة ، فما عن جماعة من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له .
[3000] مسألة 3 : لايشترط وجودهما عيناً عنده ، بل يكفي وجود مايمكن صرفه في تحصيلهما من المال ، من غير فرق بين النقود والأملاك من البساتين والدكاكين والخانات ونحوها ، ولايشترط إمكان حمل الزاد معه ، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة ، ومع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان ، من غير فرق بين علف الدابّة وغيره ، ومع عدمه يسقط الوجوب .
[3001] مسألة 4 : المراد بالزاد هنا المأكول والمشروب وسائر ما يحتاج إليه المسافر من الأوعية التي يتوقّف عليها حمل المحتاج إليه، وجميع ضروريّات ذلك السفر بحسب حاله قوّة وضعفاً ، وزمانه حرّاً وبرداً ، وشأنه شرفاً وضعة ، والمراد بالراحلة مطلق ما يركب ولو مثل السفينة في طريق البحر . واللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوّة والضعف ، بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة والشرف كمّاً وكيفاً ، فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة بحيث يعدّ ما دونهما نقصاً عليه يشترط في الوجوب القدرة عليه ، ولايكفي ما دونه، وإن كانت الآية والأخبار مطلقة ، وذلك لحكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الإطلاقات . نعم ، إذا لم يكن بحدّ الحرج وجب معه الحجّ، وعليه يحمل ما في بعض الأخبار من وجوبه ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب .
[3002] مسألة 5 : إذا لم يكن عنده الزاد ولكن كان كسوباً يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله وشربه وغيرهما من بعض حوائجه ، هل يجب عليه أو لا ؟
(الصفحة 234)
الأقوى عدمه وإن كان أحوط .
[3003] مسألة 6 : إنّما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده ، فالعراقيّ إذا استطاع وهو في الشام وجب عليه، وإن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق ، بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكّعاً أو لحاجة اُخرى من تجارة أو غيرها ، وكان له هناك ما يمكن أن يحجّ به وجب عليه ، بل لو أحرم متسكّعاً فاستطاع وكان أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال بالوجوب عليه، وإن كان لايخلو عن إشكال .
[3004] مسألة 7 : إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة ولم يوجد سقط الوجوب . ولو وجد ولم يوجد شريك للشقّ الآخر ، فإن لم يتمكّن من اُجرة الشقّين سقط أيضاً ، وإن تمكّن فالظاهر الوجوب لصدق الاستطاعة ، فلا وجه لما عن العلاّمة من التوقّف فيه ، لأنّ بذل المال له خسران لا مقابل له . نعم ، لو كان بذله مجحفاً ومضرّاً بحاله لم يجب ، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء .
[3005] مسألة 8 : غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو اُجرة المركوب في تلك السنة لايوجب السقوط ، ولايجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكّنه من القيمة ، بل وكذا لو توقّف على الشراء بأزيد من ثمن المثل والقيمة المتعارفة ، بل وكذا لو توقّف على بيع أملاكه بأقلّ من ثمن المثل ; لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة ، فما عن الشيخ من سقوط الوجوب ضعيف . نعم ، لو كان الضرر مجحفاً بماله مضرّاً بحاله لم يجب ، وإلاّ فمطلق الضرر لايرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة وشمول الأدلّة ، فالمناط هو الإجحاف والوصول إلى حدّ الحرج الرافع للتكليف .
[3006] مسألة 9 : لايكفي في وجوب الحجّ وجود نفقة الذهاب فقط ، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده، وإن لم يكن له فيه أهل ولا مسكن مملوك ولو بالإجارة ; للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له . نعم ، إذا لم يرد العود أو كان وحيداً لا تعلّق له بوطن لم يعتبر وجود نفقة العود ; لإطلاق الآية
(الصفحة 235)
والأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب ، وإذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لابدّ من وجود النفقة إليه إذا لم يكن أبعد من وطنه ، وإلاّ فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه .
[3007] مسألة 10 : قد عرفت أنّه لايشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحجّ من الزاد والراحلة ، ولا وجود أثمانها من النقود ، بل يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها ، لكن يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريّات معاشه، فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله ، ولا خادمه المحتاج إليه ، ولا ثياب تجمّله اللائقة بحاله فضلاً عن ثياب مهنته ، ولا أثاث بيته ; من الفراش والأواني وغيرهما ممّا هو محلّ حاجته ، بل ولا حليّ المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في زمانها ومكانها ، ولا كتب العلم لأهله، التي لابدّ له منها فيما يجب تحصيله ; لأنّ الضرورة الدينيّة أعظم من الدنيويّة ، ولا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه ، ولا فرس ركوبه مع الحاجة إليه ، ولا سلاحه ولا سائر ما يحتاج إليه ; لاستلزام التكليف بصرفها في الحجّ العسر والحرج .
ولايعتبر فيها الحاجة الفعليّة ، فلا وجه لما عن «كشف اللثام» من أنّ فرسه إن كان صالحاً لركوبه في طريق الحجّ فهو من الراحلة ، وإلاّ فهو في مسيره إلى الحجّ لايفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره ، ولا دليل على عدم وجوب بيعه حينئذ ، كما لا وجه لما عن «الدروس» من التوقّف في استثناء ما يضطرّ إليه من أمتعة المنزل والسلاح وآلات الصنائع ، فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه ممّا يكون إيجاب بيعه مستلزماً للعسر والحرج . نعم ، لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحجّ ، وكذا لو استغنى عنها بعد الحاجة كمافي حليّ المرأة إذا كبرت عنه ونحوه .
[3008] مسألة 11 : لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه، وكان عنده دار
|