(الصفحة 236)
مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحجّ أو متمّمة لها ، وكذا في الكتب المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته ، فيجب بيع المملوكة منها ، وكذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته فيها بغير المملوكة ; لصدق الاستطاعة حينئذ إذا لم يكن ذلك منافياً لشأنه ولم يكن عليه حرج في ذلك . نعم ، لو لم تكن موجودة وأمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك ، فلايجب بيع ما عنده وفي ملكه ، والفرق عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الاُولى ، إلاّ إذا حصلت بلا سعي منه أو حصّلها مع عدم وجوبه، فإنّه بعد التحصيل يكون كالحاصل أوّلاً .
[3009] مسألة 12 : لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها ، لكن كانت زائدة بحسب القيمة وأمكن تبديلها بما يكون أقلّ قيمة مع كونه لائقاً بحاله أيضاً ، فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحجّ أو لتتميمها؟ قولان ; من صدق الاستطاعة ، ومن عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة ، والأصل عدم وجوب التبديل ، والأقوى الأوّل إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه وكانت الزيادة معتدّاً بها ، كما إذا كانت له دار تسوى مائة وأمكن تبديلها بما يسوى خمسين مع كونه لائقاً بحاله من غير عسر ، فإنّه يصدق الاستطاعة . نعم ، لو كانت الزيادة قليلة جدّاً بحيث لايعتنى بها أمكن دعوى عدم الوجوب ، وإن كان الأحوط التبديل أيضاً .
[3010] مسألة 13 : إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات ، لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها ، ففي جواز شرائها وترك الحجّ إشكال ، بل الأقوى عدم جوازه إلاّ أن يكون عدمها موجباً للحرج عليه ، فالمدار في ذلك هو الحرج وعدمه ، وحينئذ فإن كانت موجودة عنده لايجب بيعها إلاّ مع عدم الحاجة ، وإن لم تكن موجودة لايجوز شراؤها إلاّ مع لزوم الحرج في تركه ، ولو
(الصفحة 237)
كانت موجودة وباعها بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في الحجّ ، فحكم ثمنها حكمها ، ولو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع صرف ثمنها في الحجّ إلاّ مع الضرورة إليها على حدّ الحرج في عدمها .
[3011] مسألة 14 : إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ ونازعته نفسه إلى النكاح صرّح جماعة بوجوب الحجّ وتقديمه على التزويج ، بل قال بعضهم : وإن شقّ عليه ترك التزويج ، والأقوى وفاقاً لجماعة اُخرى عدم وجوبه مع كون ترك التزويج حرجاً عليه ، أو موجباً لحدوث مرض ، أو للوقوع في الزنا ونحوه . نعم ، لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة ولم يكن له حاجة فيها لايجب أن يطلّقها وصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحجّ ; لعدم صدق الاستطاعة عرفاً .
[3012] مسألة 15 : إذا لم يكن عنده ما يحجّ به ، ولكن كان له دين على شخص بمقدار مؤنته أو بما تتمّ به مؤنته ، فاللازم اقتضاؤه وصرفه في الحجّ إذا كان الدين حالاّ وكان المديون باذلاً ; لصدق الاستطاعة حينئذ ، وكذا إذا كان مماطلاً وأمكن إجباره بإعانة متسلّط ، أو كان منكراً وأمكن إثباته عند الحاكم الشرعي وأخذه بلا كلفة وحرج ، بل وكذا إذا توقّف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور، بناءً على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقّف استيفاء الحقّ عليه ; لأنّه حينئذ يكون واجباً بعد صدق الاستطاعة ; لكونه مقدّمة للواجب المطلق ، وكذا لو كان الدين مؤجّلاً وكان المديون باذلاً قبل الأجل لو طالبه ، ومنع صاحب «الجواهر» الوجوب حينئذ بدعوى عدم صدق الاستطاعة محلّ منع . وأمّا لو كان المديون معسراً أو مماطلاً لايمكن إجباره ، أو منكراً للدين ولم يمكن إثباته ، أو كان الترافع مستلزماً للحرج ، أو كان الدين مؤجّلاً مع عدم كون المديون باذلاً فلايجب ، بل الظاهر عدم الوجوب لو لم يكن واثقاً ببذله مع المطالبة .
[3013] مسألة 16 : لايجب الاقتراض للحجّ إذا لم يكن له مال وإن كان قادراً على
(الصفحة 238)
وفائه بعد ذلك بسهولة ; لأنّه تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب . نعم ، لو كان له مال غائب لايمكن صرفه في الحجّ فعلاً ، أو مال حاضر لا راغب في شرائه أو دين مؤجّل لايكون المديون باذلاً له قبل الأجل ، وأمكنه الاستقراض والصرف في الحجّ ثمّ وفاؤه بعد ذلك فالظاهر وجوبه ; لصدق الاستطاعة حينئذ عرفاً ، إلاّ إذا لم يكن واثقاً بوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك، فحينئذ لايجب الاستقراض ; لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة .
[3014] مسألة 17 : إذا كان عنده ما يكفيه للحجّ وكان عليه دين ، ففي كونه مانعاً عن وجوب الحجّ مطلقاً ، سواء كان حالاّ مطالباً به أولا ، أو كونه مؤجّلاً ، أو عدم كونه مانعاً إلاّ مع الحلول والمطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة ، أو كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل وسعة الأجل للحجّ والعود أقوال ، والأقوى كونه مانعاً إلاّ مع التأجيل والوثوق بالتمكّن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحجّ ، وذلك لعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة ، وهي المناط في الوجوب ، لا مجرّد كونه مالكاً للمال. وجواز التصرّف فيه بأيّ وجه أراد ، وعدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لاينفع في صدق الاستطاعة .
نعم ، لايبعد الصدق إذا كان واثقاً بالتمكّن من الأداء مع فعليّة الرضا بالتأخير من الدائن ، والأخبار الدالّة على جواز الحجّ لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب وفي كونه حجّة الإسلام . وأمّا صحيح معاوية بن عمّار ، عن الصادق (عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه أن يحجّ ؟ قال : «نعم ، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين» . وخبر عبدالرحمن، عنه (عليه السلام) أنّه قال : «الحجّ واجب على الرجل وإن كان عليه دين» فمحمولان على الصورة التي ذكرنا ، أو على من استقرّ عليه الحجّ سابقاً، وإن كان لايخلو عن إشكال كما سيظهر ، فالأولى الحمل الأوّل .
وأمّا ما يظهر من صاحب «المستند» من أنّ كلاّ من أداء الدين والحجّ واجب ،
(الصفحة 239)
فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة ، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود ، وتقديم الحجّ في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير ، أو التأجيل مع سعة الأجل للحجّ والعود ، ولو مع عدم الوثوق بالتمكّن من أداء الدين بعد ذلك، حيث لايجب المبادرة إلى الأداء فيهما، فيبقى وجوب الحجّ بلا مزاحم ، ففيه : أنّه لا وجه للتخيير في الصورتين الاُوليين ، ولا لتعيين تقديم الحجّ في الأخيرتين بعد كون الوجوب ـ تخييراً أو تعييناً ـ مشروطاً بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام ، خصوصاً مع المطالبة وعدم الرضا بالتأخير ، مع أنّ التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد، والمفروض أنّ وجوب أداء الدين مطلق بخلاف وجوب الحجّ، فإنّه مشروط بالاستطاعة الشرعيّة .
نعم ، لو استقرّ عليه وجوب الحجّ سابقاً فالظاهر التخيير ; لأنّهما حينئذ في عرض واحد، وإن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالاّ مع المطالبة أو مع عدم الرضا بالتأخير; لأهمّيّة حقّ الناس من حقّ الله ، لكنّه ممنوع، ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزّع المال عليهما ، ولايقدّم دين الناس ، ويحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب ، لكنّه أيضاً لا وجه له كما لايخفى .
[3015] مسألة 18 : لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحجّ بين أن يكون سابقاً على حصول المال بقدر الاستطاعة أولا ، كما إذا استطاع للحجّ ثمّ عرض عليه دين; بأن أتلف مال الغير مثلا على وجه الضمان من دون تعمّد قبل خروج الرفقة ، أو بعده قبل أن يخرج هو ، أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال، فحاله حال تلف المال من دون دين ، فإنّه يكشف عن عدم كونه مستطيعاً .
[3016] مسألة 19 : إذا كان عليه خمس أو زكاة وكان عنده مقدار ما يكفيه للحجّ لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة ; لأنّ المستحقّين لهما مطالبون، فيجب صرفه فيهما ولايكون مستطيعاً ، وإن كان الحجّ مستقرّاً عليه سابقاً تجيء الوجوه
(الصفحة 240)
المذكورة من التخيير ، أو تقديم حقّ الناس ، أو تقديم الأسبق . هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمّته ، وأمّا إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحجّ ; سواء كان مستقراً عليه أو لا ، كما أنّهما يقدّمان على ديون الناس أيضاً ، ولو حصلت الاستطاعة والدين والخمس والزكاة معاً فكما لو سبق الدين .
[3017] مسألة 20 : إذا كان عليه دين مؤجّل بأجل طويل جدّاً ، كما بعد خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة ، وكذا إذا كان الديّان مسامحاً في أصله ، كما في مهور نساء أهل الهند ، فإنّهم يجعلون المهر ما لايقدر الزوج على أدائه ـ كمائة ألف روبية ، أو خمسين ألف ـ لإظهار الجلالة وليسوا مقيّدين بالإعطاء والأخذ ، فمثل ذلك لايمنع من الاستطاعة ووجوب الحجّ ، وكالدين ممّن بناؤه على الإبراء إذا لم يتمكّن المديون من الأداء ، أو واعده بالإبراء بعد ذلك .
[3018] مسألة 21 : إذا شكّ في مقدار ماله وأنّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أو لا ، هل يجب عليه الفحص أم لا ؟ وجهان ; أحوطهما ذلك ، وكذا إذا علم مقداره وشكّ في مقدار مصرف الحجّ وأنّه يكفيه أو لا .
[3019] مسألة 22 : لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب والإياب، وكان له مال غائب لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود ، لكن لايعلم بقاءه أو عدم بقائه ، فالظاهر وجوب الحجّ بهذا الذي بيده استصحاباً لبقاء الغائب ، فهو كما لو شكّ في أنّ أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أو لا ، فلايعدّ من الأصل المثبت .
[3020] مسألة 23 : إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحجّ يجوز له قبل أن يتمكّن من المسير أن يتصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة ، وأمّا بعد التمكّن منه فلايجوز، وإن كان قبل خروج الرفقة ، ولو تصرّف بما يخرجه عنها بقيت ذمّته مشغولة به ، والظاهر صحّة التصرّف مثل الهبة والعتق وإن كان فعل حراماً ; لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج . نعم ، لو كان قصده في ذلك التصرّف الفرار من الحجّ
|