(الصفحة 255)
ودعوى أنّ جواز النيابة ما دامي كما ترى ، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع ، وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها ، خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك ، ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض وغيره ، وبين من كان معذوراً خلقة ، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف ، وهل يختصّ الحكم بحجّة الإسلام، أو يجري في الحجّ النذري والإفسادي أيضاً؟ قولان ، والقدر المتيقّن هو الأوّل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة . وإن لم يتمكّن المعذور من الاستنابة ولو لعدم وجود النائب ، أو وجوده مع عدم رضاه إلاّ بأزيد من اُجرة المثل ولم يتمكّن من الزيادة ، أو كانت مجحفة سقط الوجوب ، وحينئذ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرّاً عليه ، ولايجب مع عدم الاستقرار ، ولو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناءً على الوجوب ، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار ، وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضاً أو لا ؟ وجهان ، أقواهما نعم ، لأنّه استقرّ عليه بعد التمكّن من الاستنابة .
ولو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجز عن حجّة الإسلام، فيجب عليه بعد زوال العذر ، ولو استناب مع رجاء الزوال وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية ، وعن صاحب «المدارك» عدمها ووجوب الإعادة ; لعدم الوجوب مع عدم اليأس، فلايجزئ عن الواجب ، وهو كما ترى ، والظاهر كفاية حجّ المتبرّع عنه في صورة وجوب الاستنابة ، وهل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ وجهان ، لايبعد الجواز حتّى إذا أمكن ذلك في مكّة مع كون الواجب عليه هو التمتّع ، ولكن الأحوط خلافه ; لأنّ القدر المتيقّن من الأخبار الاستنابة من مكانه ، كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرّع عنه لذلك أيضاً .
[3070] مسألة 73 : إذا مات من استقرّ عليه الحجّ في الطريق، فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام ، فلايجب القضاء عنه ، وإن مات
(الصفحة 256)
قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى ، خلافاً لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضاً ، ولا دليل لهما على ذلك إلاّ إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي ، حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم : «وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجّة الإسلام» ، فإنّ مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم ، لكنّه معارض بمفهوم صدرها ، وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل «المقنعة» ، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله : «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل في الحرم ، كما يقال : «أنجد» أي دخل في نجد ، و«أيمن» أي دخل اليمن ، فلاينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام ، كما لايكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام ، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثمّ مات ; لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام ، ولايعتبر دخول مكّة وإن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك ; لإطلاق البقيّة في كفاية دخول الحرم .
والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال ، كما إذا مات بين الإحرامين ، وقد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت في الحلّ أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام ودخول الحرم ، وهو مشكل ; لظهور الأخبار في الموت في الحرم ، والظاهر عدم الفرق بين حجّ التمتّع والقران والإفراد ، كما أنّ الظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه أيضاً ، بل لايبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حجّ القران أوالإفرادعن عمرتهماوبالعكس، لكنّه مشكل; لأنّ الحجّ والعمرة فيهما عملان مستقلاّن بخلاف حجّ التمتّع ، فإنّ العمرة فيه داخلة في الحجّ ، فهما عمل واحد.
ثمّ الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجّة الإسلام، فلايجري الحكم في حجّ النذر والإفساد إذا مات في الأثناء ، بل لايجري في العمرة المفردة أيضاً ، وإن احتمله بعضهم .
(الصفحة 257)
وهل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحجّ عليه، فيجزئه عن حجّة الإسلام إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم ، ويجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان ، بل قولان ; من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور ، ومن أنّه لا وجه لوجوب القضاء عمّن لم يستقرّ عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانيّة ، ولذا لايجب إذا مات في البلد قبل الذهاب ، أو إذا فقد بعض الشرائط الاُخر مع كونه موسراً ، ومن هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقرّ عليه ، وربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقرّ عليه وحمل الأمر بالقضاء على الندب ، وكلاهما مناف لإطلاقها ، مع أنّه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقرّ عليه بلا دليل ، مع أنّه مسلّم بينهم .
والأظهر الحكم بالإطلاق ، إمّا بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق ـ كما عليه جماعة ـ وإن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط ، أو الموت وهو في البلد ، وإمّا بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك، واستفادة الوجوب فيمن استقرّ عليه من الخارج ، وهذا هو الأظهر ، فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقرّ عليه أيضاً ، فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين ، واستحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك .
[3071] مسألة 74 : الكافر يجب عليه الحجّ إذا استطاع ; لأنّه مكلّف بالفروع لشمول الخطابات له أيضاً ، ولكن لايصحّ منه ما دام كافراً كسائر العبادات، وإن كان معتقداً لوجوبه وآتياً به على وجهه مع قصد القربة ; لأنّ الإسلام شرط في الصحّة ، ولو مات لايقضى عنه ; لعدم كونه أهلاً للإكرام والإبراء ، ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه ، وكذا لو استطاع بعد إسلامه ، ولو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى ; لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، كقضاء الصلوات والصيام ، حيث إنّه واجب عليه حال كفره كالأداء ، وإذا أسلم سقط عنه .
(الصفحة 258)
ودعوى أنّه لايعقل الوجوب عليه ، إذ لايصحّ منه إذا أتى به وهو كافر، ويسقط عنه إذا أسلم ، مدفوعة بأنّه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمراً تهكّمياً ليعاقب لا حقيقيّاً ، لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به لا كافراً ولا مسلماً ، والأظهر أن يقال : إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعاً وإن تركه فمتسكّعاً وهو ممكن في حقّه; لإمكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك ، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال ، ومأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها .
وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت، فيقال : إنّه في الوقت مكلّف بالأداء ، ومع تركه بالقضاء وهو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداءً ، ومع تركها قضاءً ، فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلّق .
فحاصل الإشكال أنّه إذا لم يصحّ الإتيان به حال الكفر ولايجب عليه إذا أسلم، فكيف يكون مكلّفاً بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل الجواب أنّه يكون مكلّفاً بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلّق . ومع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء والقضاء ، فيستحقّ العقاب عليه ، وبعبارة اُخرى كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء ، وحينئذ فإذا ترك الإسلام ومات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء ، وإذا أسلم يغفر له ، وإن خالف أيضاً واستحقّ العقاب .
[3072] مسألة 75 : لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء لم يكفه ، ووجب عليه الإعادة من الميقات ، ولو لم يتمكّن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه ، ولايكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً ; لأنّ إحرامه باطل .
[3073] مسألة 76 : المرتدّ يجب عليه الحجّ ، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده ، ولا يصحّ منه ، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه ،
(الصفحة 259)
ولايقضى عنه على الأقوى ; لعدم أهليّته للإكرام وتفريغ ذمّته ، كالكافر الأصلي ، وإن تاب وجب عليه وصحّ منه وإن كان فطريّاً على الأقوى من قبول توبته ; سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته ، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام ; لأنّها مختصّة بالكافر الأصلي بحكم التبادر ، ولو أحرم في حال ردّته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي ، ولو حجّ في حال إحرامه (إسلامه ظ) ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى ، ففي خبر زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) : «من كان مؤمناً فحجّ ثمّ أصابته فتنة ثمّ تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله، ولايبطل منه شيء». وآية الحبط مختصّة بمن مات على كفره بقرينة الآية الاُخرى، وهي قوله تعالى : {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 2 / 217]. وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتدّ الفطري ، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لاوجه له .
[3074] مسألة 77 : لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصحّ ، كما هو كذلك لو ارتدّ في أثناء الغسل ثمّ تاب ، وكذا لو ارتدّ في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة ، بل وكذا لو ارتدّ في أثناء الصلاة ثمّ تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتّصاليّة جزءاً فيها . نعم ، لو ارتدّ في أثناء الصوم بطل وإن تاب بلا فصل .
[3075] مسألة 78 : إذا حجّ المخالف ثمّ استبصر لايجب عليه الإعادة ; بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه ، وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا ; من غير فرق بين الفِرَق ; لإطلاق الأخبار ، وما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السلام) : «يقضي أحبّ إليّ» . وقوله (عليه السلام) : «والحجّ أحبّ إليّ» .
[3076] مسألة 79 : لايشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة ،
|