(الصفحة 484)
[3290] مسألة 8 : إذا آجر دابّة كلّيّة ودفع فرداً منها فتلف لاتنفسخ الإجارة، بل
ينفسخ الوفاء(1)، فعليه أن يدفع فرداً آخر.
[3291] مسألة 9 : إذا آجره داراً فانهدمت، فإن خرجت عن الانتفاع بالمرّة(2)
بطلت، فإن كان قبل القبض أو بعده قبل أن يسكن فيها أصلاً رجعت الاُجرة
بتمامها، وإلاّ فبالنسبة(3)، ويحتمل تمامها في هذه الصورة أيضاً، ويضمن اُجرة المثل
بالنسبة إلى ما مضى، لكنّه بعيد. وإن أمكن الانتفاع بها مع ذلك كان للمستأجر
الخيار بين الإبقاء والفسخ، وإذا فسخ كان حكم الاُجرة ماذكرنا، ويقوى هنا(4)
رجوع تمام المسمّى مطلقاً ودفع اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى; لأنّ هذا هو
مقتضى فسخ العقد كما مرّ سابقاً، وإن انهدم بعض بيوتها بقيت الإجارة بالنسبة إلى
البقيّة، وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة، ولو بادر المؤجر إلى تعميرها بحيث
لم يفت الانتفاع أصلاً ليس للمستأجر الفسخ حينئذ على الأقوى، خلافاً للثانيين.
[3292] مسألة 10 : إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه، وإن لم
يمكن إجباره للمستأجر فسخ الإجارة والرجوع بالاُجرة، وله الإبقاء ومطالبة عوض
المنفعة الفائتة، وكذا إن أخذها(5) منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة، ومع
الفسخ في الأثناء يرجع بما يقابل المتخلّف من الاُجرة، ويحتمل(6) قويّاً رجوع تمام
الاُجرة ودفع اُجرة المثل لما مضى، كما مرّ نظيره سابقاً; لأنّ مقتضى فسخ العقد عود
- (1) في التعبير مسامحة واضحة.
- (2) أو عن الانتفاع الذي استأجرها له بنحو التقييد ووحدة المطلوب.
- (3) ويثبت للمستأجر حينئذ خيار التبعّض، وعلى تقدير الفسخ ترجع الاُجرة بتمامها.
- (4) مرّ ما هو مقتضى التحقيق.
- (5) ثبوت الخيار في صورة الأخذ بعد التسليم مشكل.
- (6) مرّ مقتضى التحقيق في المسألة الخامسة.
(الصفحة 485)
تمام كلّ من العوضين إلى مالكهما الأوّل، لكن هذا الاحتمال خلاف فتوى المشهور.
[3293] مسألة 11 : إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض تخيّر بين الفسخ
والرجوع بالاُجرة، وبين الرجوع على الظالم بعوض ما فات، ويحتمل قويّاً(1) تعيّن
الثاني، وإن كان منع الظالم أو غصبه بعد القبض يتعيّن الوجه الثاني، فليس له
الفسخ حينئذ، سواء كان بعد القبض في ابتداء المدّة أو في أثنائها، ثمّ لو أعاد(2) الظالم
العين المستأجرة في أثناء المدّة إلى المستأجر فالخيار باق، لكن ليس له الفسخ إلاّ في
الجميع، وربما يحتمل جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى من المدّة في يد الغاصب،
والرجوع بقسطه من المسمّى واستيفاء باقي المنفعة، وهو ضعيف; للزوم(3)
التبعيض في العقد، وإن كان يشكل الفرق بينه وبين ما ذكر من مذهب المشهور من
إبقاء العقد فيما مضى وفسخه فيما بقي; إذ إشكال تبعيض العقد مشترك بينهما.
[3294] مسألة 12 : لو حدث للمستأجر عذر في الاستيفاء، كما لو استأجر دابّة
لتحمله إلى بلد فمرض المستأجر ولم يقدر فالظاهر البطلان إن اشترط المباشرة على
وجه القيديّة، وكذا لو حصل له عذر آخر، ويحتمل(4) عدم البطلان. نعم، لو كان
هناك عذر عامّ بطلت قطعاً; لعدم قابليّة العين للاستيفاء حينئذ.
[3295] مسألة 13 : التلف السماوي للعين المستأجرة أو لمحلّ العمل موجب
- (1) أي فيما هو المفروض من كون المنع متوجّهاً إلى المستأجر، والممنوع عنه هو الانتفاع بالعين; لعدم الفرق حينئذ بين ما إذا كان المنع قبل القبض أو بعده، وأمّا إذا كان المنع متوجّهاً إلى المؤجر والممنوع عنه هو الإقباض فلا وجه لهذا الاحتمال أصلاً.
- (2) أي في الصورة الاُولى التي حكم فيها بالخيار، وحينئذ فالتعبير بالإعادة فيه مسامحة واضحة; لعدم كون العين في يد المستأجر في زمان أصلاً.
- (3) لا للزوم التبعيض حتّى يشكل الفرق بينه وبين ما ذكر من مذهب المشهور، بل لأجل عدم تأثير الفسخ في الزمان السابق بعد وقوع الإجارة صحيحة، وعليه فالفرق ظاهر.
- (4) وهذا هو الأظهر.
(الصفحة 486)
للبطلان، ومنه إتلاف الحيوانات. وإتلاف المستأجر بمنزلة(1) القبض، وإتلاف
المؤجر موجب للتخيير بين ضمانه والفسخ، وإتلاف الأجنبي موجب لضمانه،
والعذر العامّ بمنزلة التلف. وأمّا العذر الخاصّ بالمستأجر، كما إذا استأجر دابّة
لركوبه بنفسه فمرض ولم يقدر على المسافرة، أو رجلاً لقلع سنّه فزال ألمه أو نحو
ذلك ففيه إشكال(2)، ولايبعد أن يقال: إنّه يوجب البطلان إذا كان بحيث لو كان
قبل العقد لم يصحّ معه العقد.
[3296] مسألة 14 : إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج فيما ينافي حقّ
الاستمتاع وقفت(3) على إجازة الزوج، بخلاف ما إذا لم يكن منافياً فإنّها صحيحة،
وإذا اتّفق إرادة الزوج للاستمتاع كشف عن فسادها.
[3297] مسألة 15 : قد ذكر سابقاً أنّ كلاّ من المؤجر والمستأجر يملك ما انتقل
إليه بالإجارة بنفس العقد، ولكن لايجب تسليم أحدهما إلاّ بتسليم الآخر، وتسليم
المنفعة بتسليم العين، وتسليم الاُجرة بإقباضها، إلاّ إذا كانت منفعة أيضاً فبتسليم
العين التي تستوفى منها، ولايجب على واحد منهما الابتداء بالتسليم، ولو تعاسرا
- (1) لم يدلّ دليل على هذه المنزلة، بل الظاهر أنّ صور الإتلاف الأربعة يجري فيها حكم صورة التلف وهو البطلان. غاية الأمر ضمان المتلف للمالك إذا لم يكن نفسه ولم يكن حيواناً.
- (2) قد مرّ منه استظهار البطلان فيما إذا اشترط المباشرة على وجه القيديّة، ومرّ منّا أنّ الأظهر هو العدم مطلقاً في استئجار الدابّة، وأمّا استئجار الرجل لقلع السنّ فقد عرفت أنّه لا دليل على الانفساخ فيما إذا لم يكن القلع محرّماً، وفي هذه الصورة يشكل الحكم، وأمّا ما ذكره من الضابط فغير مستقيم لعدم التلازم.
- (3) الظاهر هو الصحّة ولو مع منع الزوج; لعدم المنافاة بين الاستحقاقين; لتحقّق الاعتبار بالإضافة إليهما وعدم كون اعتبار القدرة على التسليم على فرضه موجباً للمنع بعد عدم الإخلال به.
(الصفحة 487)
أجبرهما الحاكم، ولو كان أحدهما باذلاً دون الآخر ولم يمكن جبره كان للأوّل
الحبس إلى أن يسلّم الآخر، هذا كلّه إذا لم يشترط في العقد تأجيل التسليم في
أحدهما، وإلاّ كان هو المتبّع.
هذا، وأمّا تسليم العمل، فإن كان مثل الصلاة والصوم والحجّ والزيارة ونحوها
فبإتمامه، فقبله لايستحقّ المؤجر المطالبة وبعده لايجوز للمستأجر المماطلة، إلاّ أن
يكون هناك شرط أو عادة في تقديم الاُجرة فيتّبع، وإلاّ فلايستحقّ حتّى لو لم يمكن
له العمل إلاّ بعد أخذ الاُجرة، كما في حجّ الاستئجاري إذا كان المؤجر معسراً، وكذا
في مثل بناء جدار داره أو حفر بئر في داره أو نحو ذلك، فإنّ إتمام العمل تسليم
ولايحتاج إلى شيء آخر. وأمّا في مثل الثوب الذي أعطاه ليخيطه، أو الكتاب الذي
يكتبه، أو نحو ذلك ممّا كان العمل في شيء بيد المؤجر، فهل يكفي إتمامه في التسليم،
فبمجرّد الإتمام يستحقّ المطالبة، أو لا إلاّ بعد تسليم مورد العمل، فقبل أن يسلّم
الثوب مثلا لايستحقّ مطالبة الاُجرة ؟ قولان.
أقواهما الأوّل; لأنّ المستأجر عليه نفس العمل والمفروض أنّه قد حصل(1)،
لا الصفة الحادثة في الثوب مثلا; وهي المخيطيّة حتّى يقال: إنّها في الثوب
وتسليمها بتسليمه، وعلى ما ذكرنا فلو تلف الثوب مثلا بعد تمام الخياطة في يد
- (1) إن كان الملاك حصول المستأجر عليه وتحقّقه في الخارج ـ كما هو ظاهر العبارة ـ فأيّ فرق بين ما إذا كان هو العمل أو الصفة الحادثة في الثوب; لأنّه في كليهما قد تحقّق ما هو المستأجر عليه وإن لم يسلّم الثوب، وإن كان الملاك تحقّق التسليم كما هو الظاهر، فكما أنّ تسليم الصفة بتسليم الموصوف، كذلك تسليم العمل بتسليم مورده.
وبالجملة: الظاهر عدم الفرق بين الصورتين ولزوم تسليم الثوب على كلا التقديرين، لكنّه لا بمعنى تقدّم استحقاق المستأجر على الأجير، بل بمعنى توقّف استحقاق مطالبة الاُجرة على تسليم الثوب، كما أنّ استحقاق مطالبة الثوب من طرف المستأجر يتوقّف على تسليم الاُجرة.
(الصفحة 488)
المؤجر بلا ضمان يستحقّ اُجرة العمل، بخلافه على القول الآخر(1)، ولو تلف مع
ضمانه أو أتلفه وجب عليه قيمته مع وصف المخيطيّة لا قيمته قبلها، وله الاُجرة
المسمّـاة بخلافه على القول الآخر، فإنّه لايستحقّ الاُجرة، وعليه قيمته غير
مخيط(2)، وأمّا احتمال عدم استحقاقه الاُجرة مع ضمانه القيمة مع الوصف فبعيد،
وإن كان له وجه(3)، وكذا يتفرّع على ما ذكر أنّه لايجوز حبس العين بعد إتمام العمل
إلى أن يستوفي الاُجرة، فإنّها بيده أمانة، إذ ليست هي ولا الصفة التي فيها مورداً
للمعاوضة، فلو حبسها ضمن، بخلافه على القول الآخر.
[3298] مسألة 16 : إذا تبيّن بطلان الإجارة رجعت الاُجرة إلى المستأجر،
واستحقّ المؤجر اُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة، أو فاتت تحت
يده إذا كان جاهلاً بالبطلان، خصوصاً مع علم المستأجر. وأمّاإذا كانعالماً فيشكل
ضمانالمستأجر، خصوصاً إذا كان جاهلاً; لأنّه بتسليمه العين إليه قد هتك(4)
- (1) بل على هذا القول أيضاً يستحقّ اُجرة العمل; لأنّ المتوقّف على تسليم الثوب إنّما هو استحقاق المطالبة لا أصل استحقاق الاُجرة، كيف وقد ذكر في أوّل المسألة أنّ ملكية الاُجرة تتحقّق بنفس العقد من دون توقّف على شيء، ولم يدلّ دليل هنا على انفساخ الإجارة; لعدم كونه من التلف قبل القبض، وتوقّف استحقاق المطالبة على تسليم الثوب إنّما هو فيما إذا أمكن، ومع عدمه كما في المقام يستحقّ المطالبة أيضاً.
- (2) بل عليه قيمته مخيطاً، ويستحق الاُجرة المسمّـاة كما مرّ.
- (3) غير صحيح.
- (4) تسليم العين في المعاملات الفاسدة شرعاً ليس موجباً لهتك حرمة المال ورفع اليد عمّا هو مقتضى احترامه، ضرورة أنّ الإقدام والإذن إنّما هو بعنوان تلك المعاملة. غاية الأمر أنّه مع العلم بالفساد شرعاً لا يقصد إلاّ ما هو معناها بنظر العرف، بل في صورة الصحّة أيضاً لا يكون المقصود إلاّ المعنى العرفي للمعاملة، وعليه فالإقدام مع العلم بالفساد لا يكون موجباً للهتك رافعاً للضمان. نعم، فيما إذا كان الفساد لأجل عدم الاُجرة، أو كونها غير متموّلة عند العرف يكون الإقدام مساوقاً للهتك ورافعاً للضمان، سواء كان ذلك مع العلم بالفساد أو مع الجهل.