(الصفحة 523)
يحمل قوله (عليه السلام) : «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها عشرين سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر، فيعمّرها ويؤدّي ما خرج عليها» ونحوه غيره .
[3386] السابعة عشرة : لابأس بأخذ الاُجرة على الطبابة وإن كانت من الواجبات الكفائيّة ; لأنّها كسائر الصنائع واجبة بالعوض(1) لانتظام نظام معائش العباد، بل يجوز وإنوجبت عيناً لعدم من يقوم بها غيره ، ويجوز اشتراط كون الدواء عليه مع التعيين الرافع للغرر ، ويجوز أيضاً مقاطعته على المعالجة إلى مدّة(2) أو مطلقاً ، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء أو بشرطه إذا كان مظنوناً بل مطلقاً ، وما قيل من عدم جواز ذلك; لأنّ البرء بيد الله فليس اختياريّاً له، وأنّ اللازم مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة لاالإجارة، فيه: أنّه يكفي كون مقدّماته العادية اختياريّة، ولايضرّ التخلّف في بعض الأوقات ، كيف وإلاّ لم يصحّ بعنوان الجعالة أيضاً .
[3387] الثامنة عشرة : إذا استؤجر لختم القرآن لايجب (3) أن يقرأه مرتّباً بالشروع من «الفاتحة» والختم بسورة «الناس» ، بل يجوز أن يقرأ سورة فسورة على خلاف الترتيب ، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات السورة أيضاً ، ولهذا إذا علم بعد الإتمام أنّه قرأ الآية الكذائية غلطاً أو نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط . نعم ، لو اشترط عليه الترتيب وجب مراعاته ، ولو علم إجمالاً بعد الإتمام أنّه قرأ بعض الآيات غلطاً من حيث الإعراب، أو من حيث عدم أداء الحرف من مخرجه، أو من حيث المادّة فلايبعد كفايته وعدم وجوب الإعادة ; لأنّ اللازم القراءة على
- (1) في العبارة مسامحة.
- (2) أي معيّنة، وفي صورة الإطلاق مشكل.
- (3) إذا لم يكن هناك قرينة خاصّة أو تعارف موجب للانصراف إلى القراءة المرتّبة، وكذا بالإضافة إلى آيات سورة واحدة، وكفاية قراءة الآية المنسيّة فقط بعد التذكّر أو التي قرأها غلطاً بعد العلم لا دلالة فيها على عدم لزوم رعاية الترتيب مطلقاً.
(الصفحة 524)
المتعارف والمعتاد ، ومن المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالباً إلاّ من شذّ منهم . نعم ، لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلاً لزم عليه الإعادة مع العلم به في الجملة ، وكذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة أو غيرها ، وكذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لايضرّ في استحقاق الاُجرة إسقاط كلمة (1) أو حرف أو كتابتهما غلطاً .
[3388] التاسعة عشرة : لايجوز في الاستئجار للحجّ البلدي أن يستأجر شخصاً من بلد الميّت إلى النجف، وشخصاً آخر من النجف إلى مكّة ، أو إلى الميقات وشخصاً آخر منها إلى مكّة ; إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر من البلد الحجّ ، والمفروض أنّ مقصده النجف مثلا وهكذا، فما أتى به من السير ليس مقدّمة للحجّ ، وهو نظير أن يستأجر شخصاً لعمرة التمتّع وشخصاً آخر للحجّ ، ومعلوم أنّه مشكل ، بل اللازم (2) على القائل بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص للركعة الاُولى من الصلاة وشخص آخر للثانية ، وهكذا يتمّم .
[3389] العشرون : إذا استؤجر للصلاة عن الميّت فصلّى ونقص من صلاته بعض الواجبات الغير الركنيّة سهواً ، فإن لم يكن زائداً على القدر المتعارف الذي قد يتّفق أمكن أن يقال:لاينقص من اُجرته شيء، وإن كان الناقص من الواجبات والمستحبّات المتعارفة أزيد من المقـدار المتعارف ينقص من الاُجـرة بمقداره ، إلاّ أن يكون المستأجرعليه الصلاة الصحيحة المبرئة للذمّة ، ونظير ذلك إذا استؤجر للحجّ فمات بعد الإحرام ودخول الحرم ; حيث إنّ ذمّة الميّت تبرأ بذلك ، فإن كان المستأجر عليه مايبرئ الذمّة استحقّ تمام الاُجرة ، وإلاّ فتوزّع ويستردّ ما يقابل بقيّة الأعمال.
- (1) إذا لم يكن عن عمد.
- (2) فيه منع.
(الصفحة 525)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المضاربة
[فصل
في معنى المضاربة وشرائطها وأحكامها]
وتسمّى قراضاً عند أهل الحجاز ، والأوّل من الضرب ; لضرب العامل في الأرض لتحصيل الربح ، والمفاعلة باعتبار(1) كون المالك سبباً له والعامل مباشراً ، والثاني من القرض بمعنى القطع ; لقطع المالك حصّة من ماله ودفعه إلى العامل ليتّجر به . وعليه العامل مقارض بالبناء للمفعول ، وعلى الأوّل مضارب بالبناء للفاعل . وكيف كان عبارة عن دفع (2) الإنسان مالاً إلى غيره ليتّجر به على أن يكون الربح
- (1) أوباعتبار عدم دلالتها في مثل المقام على الاشتراك، كماأنّه على تقديرالقراض لا محيص عن ذلك، مع أنّه أيضاً مصدر باب المفاعلة، إلاّ أن يوجّه بأنّ العامل أيضاً يقطع شيئاً من عمله ويخرجه عن حدّ الاختصاص، وعليه فلا يتعيّن أن يكون هو المقارض ـ بالفتح ـ .
- (2) بل عبارة عن عقد واقع بينهما على أن يكون من أحدهما المال ومن الآخر العمل والربح بينهما، ولو لم يكن المال مدفوعاً إلى العامل، كما سيأتي منه (قدس سره) من الحكم بصحّة المضاربة مع كون المال بيد مالكه.
(الصفحة 526)
بينهما ، لا أن يكون تمام الربح للمالك، ولا أن يكون تمامه للعامل ، وتوضيح ذلك : أنّ من دفع مالاً إلى غيره للتجارة تارة على أن يكون الربح بينهما وهي مضاربة ، وتارة على أن يكون تمامه للعامل ، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده، وتارة على أن يكون تمامه للمالك ، ويسمّى عندهم باسم البضاعة ، وتارة لايشترطان شيئاً ، وعلى هذا أيضاً يكون تمام الربح للمالك، فهو داخل في عنوان البضاعة ، وعليهما يستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله إلاّ أن يشترطا عدمه ، أو يكون العامل قاصداً للتبرّع ، ومع عدم الشرط وعدم قصد التبرّع أيضاً له أن يطالب الاُجرة ، إلاّ أن يكون الظاهر منهما في مثله عدم أخذ الاُجرة ، وإلاّ فعمل المسلم محترم(1) ما لم يقصد التبرّع .
ويشترط في المضاربة الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ دالّ قولاً أو فعلاً ، والإيجاب القوليّ كأن يقول : ضاربتك على كذا ، وما يفيد هذا المعنى . فيقول : قبلت . ويشترط فيها أيضاً بعد البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو جنون(2) اُمور :
الأوّل : أن يكون رأس المال عيناً ، فلا تصحّ بالمنفعة(3) ولا بالدين ، فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة إلاّ بعد قبضه ، ولو أذن للعامل في قبضه ما لم يجدّد العقد بعد القبض. نعم، لووكّله على القبض والإيجاب من طرف المالك والقبول منه; بأن يكون موجباً قابلاً صحّ ، وكذا لو كان له على العامل دين لم يصحّ جعله قراضاً، إلاّ أن يوكّله في تعيينه ثمّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب والقبول بتولّي الطرفين.
- (1) إذا كان واقعاً بأمر الغير، كما صرّح بذلك في كتاب الإجارة.
- (2) الظاهر أنّ المراد به هو السفه، وعدمه وكذا عدم الفلس إنّما يعتبر بالإضافة إلى المالك دون العامل.
- (3) على الأحوط.
(الصفحة 527)
الثاني : أن يكون من الذهب أو الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة ; بأن يكون درهماً أو ديناراً ، فلا تصحّ بالفلوس ولا بالعروض بلا خلاف بينهم ، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع . نعم ، تأمّل فيه بعضهم، وهو في محلّه لشمول العمومات ، إلاّ أن يتحقّق الإجماع وليس ببعيد(1) ، فلايترك الاحتياط ، ولا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به مثل الشاميّات والقَمَري ونحوها . نعم ، لو كان مغشوشاً يجب كسره ـ بأن كان قلباً ـ لم يصحّ وإن كان له قيمة، فهو مثل الفلوس ، ولو قال للعامل : بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً لم يصحّ ، إلاّ أن يوكّله في تجديد العقد عليه بعد أن نضّ ثمنه .
الثالث : أن يكون معلوماً(2) قدراً ووصفاً ، ولاتكفي المشاهدة وإن زال به معظم الغرر .
الرابع : أن يكون معيّناً(3) ، فلو أحضر مالين وقال : قارضتك بأحدهما أو بأيّهما شئت لم ينعقد ، إلاّ أن يعيّن ثمّ يوقعان العقد عليه . نعم ، لا فرق بين أن يكون
- (1) الظاهر عدم تحقّق الإجماع، فإنّ المحكي عن الخلاف والغنية والجواهر للقاضي دعوى الإجماع على الصحّة في الدراهم والدنانير لا على عدمها في غيرهما، مضافاً إلى عدم تعرّض كثير من القدماء لأصل المسألة، وإلى استناد بعض المتعرّضين بغير الإجماع، وإلى عدم حجّية الإجماع المنقول، خصوصاً في مثل المسألة، فالظاهر صحّة المضاربة بجميع الأثمان، ولو كان ديناراً عراقياً أو أسكناساً إيرانياً أو غيرهما ممّا لا يكون درهماً ولا ديناراً. نعم، صحّتها بالعروض محلّ تأمّل، وإن كان مقتضى إطلاق بعض أدلّة الباب الصحّة فيها أيضاً.
- (2) اعتباره محلّ تأمّل، خصوصاً بالإضافة إلى المجهول الذي يؤول إلى العلم، كما إذا وقع العقد على ما في الكيس مثلاً، ثمّ يعدّانه بعد ذلك.
- (3) لا دليل على الاعتبار ولم يثبت الإجماع، ودعوى عدم المعقولية غير ثابتة أيضاً، وذكرنا في كتاب الإجارة أنّه لا يبعد الحكم بصحّة استئجار أحد هذين العبدين إذا كانا متساويين في الأوصاف الموجبة لتفاوت الرغبات.