(الصفحة 528)
مشاعاً أو مفروزاً بعد العلم بمقداره ووصفه ، فلو كان المال مشتركاً بين شخصين فقال أحدهما للعامل : قارضتك بحصّتي في هذا المال ، صحّ مع العلم بحصّته من ثلث أو ربع ، وكذا لو كان للمالك مائة دينار مثلا ، فقال : قارضتك بنصف هذا المال صحّ .
الخامس : أن يكون الربح مشاعاً بينهما(1) ، فلو جعل لأحدهما مقداراً معيّناً والبقيّة للآخر أو البقيّة مشتركة بينهما لم يصحّ .
السادس : تعيين حصّة كلّ منهما من نصف أو ثلث أو نحو ذلك ، إلاّ أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق .
السابع : أن يكون الربح بين المالك والعامل ، فلو شرطا جزءاً منه لأجنبي عنهما لم يصحّ إلاّ أن يشترط عليه عمل متعلّق بالتجارة . نعم ، ذكروا أنّه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صحّ ، ولا بأس به خصوصاً(2) على القول بأنّ العبد لايملك ; لأنّه يرجع إلى مولاه ، وعلى القول الآخر يشكل ، إلاّ أنّه لمّا كان مقتضى القاعدة صحّة الشرط حتّى للأجنبي، والقدر المتيقّن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاماً لأحدهما ، فالأقوى الصحّة مطلقاً ، بل لايبعد (3) القول به في الأجنبي أيضاً وإن لم يكن عاملاً ; لعموم الأدلّة .
الثامن : ذكر بعضهم أنّه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل ، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصحّ ، لكن لادليل عليه ، فلا مانع(4) أن يتصدّى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك، كما عن التذكرة .
- (1) لا دليل على اعتبار هذا الأمر أيضاً خصوصاً مع الوثوق والاطمئنان بحصول الزائد على المقدار المعيّن.
- (2) إذا لم يقصد ملك العبد نفسه، وإلاّ فالشرط باطل.
- (3) محلّ تأمّل.
- (4) وعليه فلا يبقى مجال لتعريف المضاربة بما أفاده في المتن، كما نبّهنا عليه.
(الصفحة 529)
التاسع : أن يكون الاسترباح بالتجارة ، وأمّا إذا كان بغيرها كأن يدفع إليه ليصرفه في الزراعة مثلا، ويكون الربح بينهما يشكل صحّته ; إذ القدر المعلوم من الأدلّة هو التجارة ، ولو فرض صحّة غيرها للعمومات كما لايبعد(1) لايكون داخلاً في عنوان المضاربة .
العاشر : أن لايكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به ، مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير ، أو كان عاجزاً حتّى مع الاستعانة بالغير وإلاّ فلايصحّ ; لاشتراط كون العامل قادراً(2) على العمل ، كما أنّ الأمر كذلك في الإجارة للعمل ، فإنّه إذا كان عاجزاً تكون باطلة ، وحينئذ فيكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله مع جهله بالبطلان ، ويكون ضامناً لتلف المال(3) إلاّ مع
- (1) بل بعيد جدّاً.
- (2) إن كان المراد بالقدرة القدرة على التجارة في الجميع في مقابل العجزمطلقاً، كمايدلّ عليه قوله (قدس سره): فإنّه إذا كان...الخ. فيرد عليه أنّه لا دليل على اعتبار هذا النحو من القدرة في المضاربة، ولا على كونها مثل الإجارة لو سلّم الحكم فيها. وإن كان المراد بها هي القدرة ولو في الجملة، نظراً إلى أنّه مع العجز الكلّي تتّصف المعاملة باللغويّة، ولا يجدي في ذلك مجرّد الفرق بين الإجارة والمضاربة بعدم ثبوت التمليك فيها ابتداءً بخلاف الإجارة، فإنّ عدم ثبوت التمليك لايخرج المعاملة مع العجز عن اللغوية فيرد عليه منع الحكم فيما فرّعه على ذلك، فإنّ لازم ذلك إمّا الحكم بالصحّة مطلقاً، أو في خصوص المقدار المقدور واشتراكهما في الربح في خصوص ذلك المقدار لا اختصاص المالك به وثبوت الاُجرة للعامل مع جهله بالبطلان.
- (3) المراد بالمال هو المقدار الذي يقدر على الاتّجار به، وقد عرفت في الحاشية السابقة صحّة المضاربة مطلقاً أو بالإضافة إليه، وعليه فلا وجه لضمانه بالنسبة إليه، وأمّا المقدار الزائد فالظاهر عدم ثبوت الضمان فيه أيضاً، إمّا لصحّة المضاربة في المجموع وإمّا لعدم كون فسادها موجباً للضمان كما في الإجارة الفاسدة ـ على ما مرّ ـ والفرق بين صورة المزج وعدمه، وكذا بين صورة تعدّد الأخذ ووحدته ممّا لا وجه له أصلاً.
(الصفحة 530)
علم المالك بالحال ، وهل يضمن حينئذ جميعه لعدم التميّز مع عدم الإذن في أخذه على هذا الوجه ، أو القدر الزائد لأنّ العجز إنّما يكون بسببه فيختصّ به ، أو الأوّل إذا أخذ الجميع دفعة، والثاني إذا أخذ أوّلاً بقدر مقدوره ثمّ أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أوّلاً ؟ أقوال ، أقواها الأخير .
ودعوى أنّه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع وهو عاجز عن المجموع من حيث المجموع ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه ، إذ لو ترك الأوّل وأخذ الزيادة لايكون عاجزاً كما ترى ; إذ الأوّل وقع صحيحاً والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه ، والمفروض عدم المزج . هذا ، ولكن ذكر بعضهم : أنّ مع العجز المعاملة صحيحة فالربح مشترك ، ومع ذلك يكون العامل ضامناً مع جهل المالك، ولا وجه له لما ذكرنا ، مع أنّه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان ، ثمّ إذا تجدّد العجز في الأثناء وجب عليه ردّ الزائد وإلاّ ضمن .
[3390] مسألة 1 : لو كان له مال موجود في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه عليها صحّ ، وإن كان في يده غصباً أو غيره ممّا يكون اليد فيه يد ضمان فالأقوى أنّه يرتفع(1) الضمان بذلك ; لانقلاب اليد حينئذ فينقلب الحكم . ودعوى أنّ الضمان مغيّاً بالتأدية ولم تحصل كما ترى ، ولكن ذكر جماعة بقاء الضمان إلاّ إذا اشترى به شيئاً ودفعه(2) إلى البائع ، فإنّه يرتفع الضمان به ; لأنّه قد قضى دينه بإذنه ، وذكروا نحو ذلك في الرهن أيضاً ، وأنّ العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهناً عنده أنّها تبقى على الضمان ، والأقوى ما ذكرنا في المقامين لما ذكرنا .
[3391] مسألة 2 : المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها، سواء
- (1) إذا كان إيقاع المضاربة معه قرينة ظاهرة على الإذن في إبقاء اليد عليه، وإلاّ فلا وجه للارتفاع; لما مرّ من أنّه لا يعتبر في حقيقتها أن يكون المال بيد العامل.
- (2) أي بإذن المالك، وإلاّ فلا وجه لارتفاع الضمان.
(الصفحة 531)
كان قبل الشروع في العمل أو بعده ، قبل حصول الربح أو بعده(1) ، نضّ المال أو كان به عروض ، مطلقاً كانت أو مع اشتراط الأجل وإن كان قبل انقضائه . نعم ، لو اشترط فيها عدم(2) الفسخ إلى زمان كذا يمكن أن يقال بعدم جواز فسخها قبله ، بل هو الأقوى، لوجوب الوفاء بالشرط ، ولكن عن المشهور بطلان الشرط المذكور بل العقد أيضاً ; لأنّه مناف لمقتضى العقد ، وفيه منع بل هو مناف لإطلاقه . ودعوى أنّ الشرط في العقود الغير اللازمة غير لازم الوفاء ، ممنوعة . نعم ، يجوز فسخ العقد فيسقط الشرط ، وإلاّ فما دام العقد باقياً يجب الوفاء بالشرط فيه ، وهذا إنّما يتمّ في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ مثل المقام ، فإنّه يوجب لزوم ذلك العقد(3) .
هذا ، ولو شرط عدم فسخها في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحّة الشرط ولزومه(4) ، وهذا يؤيّد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافياً لمقتضى العقد ، إذ لو كان منافياً لزم عدم صحّته في ضمن عقد آخر أيضاً ، ولو شرط في عقد مضاربة عدم فسخ مضاربة اُخرى سابقة صحّ ووجب الوفاء به ، إلاّ أن يفسخ هذه المضاربة فيسقط الوجوب ، كما أنّه لو اشترط في مضاربة مضاربة
- (1) لا بمعنى اختصاص الربح بأجمعه بالمالك بعد الفسخ، بل بمعنى أنّ حصول العمل وظهور الربح لا يوجب لزوم المضاربة بالإضافة إلى التجارة الآتية، فإنّه يجوز لكلّ منهما فسخها مطلقاً، فيرجع المالك عن إذنه في التصرّف، ويمتنع العامل عن العمل في أيّ وقت.
- (2) أي عدم تحقّق الفسخ خارجاً مع كونه مالكاً له، وأمّا لو كان المشروط عدم ملكية الفسخ رأساً بحيث كان مرجعه إلى لزوم المعاملة فالشرط باطل، لكونه مخالفاً لمقتضى العقد، ولعلّ نظر المشهور إلى هذا الفرض.
- (3) قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ شرط عدم الفسخ لا يرجع إلى اللزوم، وشرط اللزوم باطل.
- (4) أي لزوم الوفاء به لا لزوم المضاربة.
(الصفحة 532)
اُخرى في مال آخر، أو أخذ بضاعة منه، أو قرض أو خدمة أو نحو ذلك وجب الوفاء به ما دامت المضاربة باقية ، وإن فسخها سقط الوجوب ، ولابدّ أن يحمل ما اشتهر من أنّ الشروط في ضمن العقود الجائزة غير لازمة الوفاء على هذا المعنى ، وإلاّ فلا وجه لعدم لزومها مع بقاء العقد على حاله ، كما اختاره صاحب «الجواهر» ، بدعوى أنّها تابعة للعقد لزوماً وجوازاً ، بل مع جوازه هي أولى بالجواز وأنّها معه شبه الوعد ، والمراد من قوله تعالى :
{أَوفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 5 / 1] اللازمة منها ; لظهور الأمر فيها في الوجوب المطلق ، والمراد من قوله (عليه السلام) :
«المؤمنون عند شروطهم» بيان صحّة أصل الشرط لا اللزوم والجواز ; إذ لايخفى ما فيه .
[3392] مسألة 3 : إذا دفع إليه مالاً وقال : اشتر به بستاناً مثلا أو قطيعاً من الغنم ، فإن كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة صحّ مضاربة ، وإن كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحّته مضاربة وجهان ; من أنّ الانتفاع بالنماء ليس من التجارة فلايصحّ، ومن أنّ حصوله يكون بسبب الشراء فيكون بالتجارة ، والأقوى البطلان مع إرادة عنوان المضاربة ; إذ هي ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات وزيادة القيمة لا مثل هذه الفوائد . نعم ، لا بأس بضمّها إلى زيادة القيمة ، وإن لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة فيمكن دعوى(1) صحّته للعمومات .
[3393] مسألة 4 : إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما كالربح ، أو اشترط ضمانه لرأس المال ففي صحّته وجهان ، أقواهما الأوّل(2) ;
- (1) قد عرفت أنّها بعيدة جدّاً.
- (2) بل الثاني هو الأقوى، إلاّ إذا كان مرجع اشتراط كون الخسارة عليه أو ثبوت الضمان إلى لزوم تداركه من ماله، فإنّه حينئذ لا مانع من الصحّة، ويجب عليه العمل به على تقدير الخسارة أو التلف، والروايات الدالّة على كون الوضيعة على صاحب المال لا دلالة فيها على بطلان الاشتراط في المقام، فإنّها دالّة على حكم صورة الإطلاق لا الاشتراط.