(الصفحة 531)
كان قبل الشروع في العمل أو بعده ، قبل حصول الربح أو بعده(1) ، نضّ المال أو كان به عروض ، مطلقاً كانت أو مع اشتراط الأجل وإن كان قبل انقضائه . نعم ، لو اشترط فيها عدم(2) الفسخ إلى زمان كذا يمكن أن يقال بعدم جواز فسخها قبله ، بل هو الأقوى، لوجوب الوفاء بالشرط ، ولكن عن المشهور بطلان الشرط المذكور بل العقد أيضاً ; لأنّه مناف لمقتضى العقد ، وفيه منع بل هو مناف لإطلاقه . ودعوى أنّ الشرط في العقود الغير اللازمة غير لازم الوفاء ، ممنوعة . نعم ، يجوز فسخ العقد فيسقط الشرط ، وإلاّ فما دام العقد باقياً يجب الوفاء بالشرط فيه ، وهذا إنّما يتمّ في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ مثل المقام ، فإنّه يوجب لزوم ذلك العقد(3) .
هذا ، ولو شرط عدم فسخها في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحّة الشرط ولزومه(4) ، وهذا يؤيّد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافياً لمقتضى العقد ، إذ لو كان منافياً لزم عدم صحّته في ضمن عقد آخر أيضاً ، ولو شرط في عقد مضاربة عدم فسخ مضاربة اُخرى سابقة صحّ ووجب الوفاء به ، إلاّ أن يفسخ هذه المضاربة فيسقط الوجوب ، كما أنّه لو اشترط في مضاربة مضاربة
- (1) لا بمعنى اختصاص الربح بأجمعه بالمالك بعد الفسخ، بل بمعنى أنّ حصول العمل وظهور الربح لا يوجب لزوم المضاربة بالإضافة إلى التجارة الآتية، فإنّه يجوز لكلّ منهما فسخها مطلقاً، فيرجع المالك عن إذنه في التصرّف، ويمتنع العامل عن العمل في أيّ وقت.
- (2) أي عدم تحقّق الفسخ خارجاً مع كونه مالكاً له، وأمّا لو كان المشروط عدم ملكية الفسخ رأساً بحيث كان مرجعه إلى لزوم المعاملة فالشرط باطل، لكونه مخالفاً لمقتضى العقد، ولعلّ نظر المشهور إلى هذا الفرض.
- (3) قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ شرط عدم الفسخ لا يرجع إلى اللزوم، وشرط اللزوم باطل.
- (4) أي لزوم الوفاء به لا لزوم المضاربة.
(الصفحة 532)
اُخرى في مال آخر، أو أخذ بضاعة منه، أو قرض أو خدمة أو نحو ذلك وجب الوفاء به ما دامت المضاربة باقية ، وإن فسخها سقط الوجوب ، ولابدّ أن يحمل ما اشتهر من أنّ الشروط في ضمن العقود الجائزة غير لازمة الوفاء على هذا المعنى ، وإلاّ فلا وجه لعدم لزومها مع بقاء العقد على حاله ، كما اختاره صاحب «الجواهر» ، بدعوى أنّها تابعة للعقد لزوماً وجوازاً ، بل مع جوازه هي أولى بالجواز وأنّها معه شبه الوعد ، والمراد من قوله تعالى :
{أَوفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 5 / 1] اللازمة منها ; لظهور الأمر فيها في الوجوب المطلق ، والمراد من قوله (عليه السلام) :
«المؤمنون عند شروطهم» بيان صحّة أصل الشرط لا اللزوم والجواز ; إذ لايخفى ما فيه .
[3392] مسألة 3 : إذا دفع إليه مالاً وقال : اشتر به بستاناً مثلا أو قطيعاً من الغنم ، فإن كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة صحّ مضاربة ، وإن كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحّته مضاربة وجهان ; من أنّ الانتفاع بالنماء ليس من التجارة فلايصحّ، ومن أنّ حصوله يكون بسبب الشراء فيكون بالتجارة ، والأقوى البطلان مع إرادة عنوان المضاربة ; إذ هي ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات وزيادة القيمة لا مثل هذه الفوائد . نعم ، لا بأس بضمّها إلى زيادة القيمة ، وإن لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة فيمكن دعوى(1) صحّته للعمومات .
[3393] مسألة 4 : إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما كالربح ، أو اشترط ضمانه لرأس المال ففي صحّته وجهان ، أقواهما الأوّل(2) ;
- (1) قد عرفت أنّها بعيدة جدّاً.
- (2) بل الثاني هو الأقوى، إلاّ إذا كان مرجع اشتراط كون الخسارة عليه أو ثبوت الضمان إلى لزوم تداركه من ماله، فإنّه حينئذ لا مانع من الصحّة، ويجب عليه العمل به على تقدير الخسارة أو التلف، والروايات الدالّة على كون الوضيعة على صاحب المال لا دلالة فيها على بطلان الاشتراط في المقام، فإنّها دالّة على حكم صورة الإطلاق لا الاشتراط.
(الصفحة 533)
لأنّه ليس شرطاً منافياً لمقتضى العقد كما قد يتخيّل ، بل إنّما هو مناف لإطلاقه ، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك وعدم ضمان العامل إلاّ مع التعدّي أو التفريط .
[3394] مسألة 5 : إذا اشترط المالك على العامل أن لايسافر مطلقاً، أو إلى البلد الفلاني، أو إلاّ إلى البلد الفلاني ، أو لايشتري الجنس الفلاني ، أو إلاّ الجنس الفلاني ، أو لايبيع من زيد مثلا ، أو إلاّ من زيد ، أو لايشتري من شخص ، أو إلاّ من شخص معيّن ، أو نحو ذلك من الشروط ، فلايجوز له المخالفة ، وإلاّ ضمن المال لو تلف بعضاً أو كلاّ ، وضمن الخسارة مع فرضها ، ومقتضى القاعدة وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيديّة إذا أجاز المعاملة ، وثبوت خيار تخلّف الشرط على فرض كون المراد من الشرط التزام في الالتزام ، وكون تمام الربح له على تقدير الفسخ ، إلاّ أنّ الأقوى اشتراكهما في الربح على ما قرّر ; لجملة من الأخبار الدالّة على ذلك ، ولاداعي إلى حملها على بعض المحامل ، ولا إلى الاقتصار على مواردها ; لاستفادة العموم من بعضها الآخر .
[3395] مسألة 6 : لايجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو غيره ، إلاّ مع إذن المالك، عموماً كأن يقول : اعمل به على حسب ما تراه مصلحة إن كان هناك مصلحة ، أو خصوصاً ، فلو خلط بدون الإذن ضمن التلف ، إلاّ أنّ المضاربة باقية والربح بين المالين على النسبة .
[3396] مسألة 7 : مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرّف على حسب ما يراه من حيث البائع والمشتري ونوع الجنس المشترى ، لكن لايجوز له أن يسافر من دون إذن المالك ، إلاّ إذا كان هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق ، وإن خالف فسافر فعلى ما مرّ في المسألة المتقدمّة .
[3397] مسألة 8 : مع إطلاق العقد وعدم الإذن في البيع نسيئة لايجوز له ذلك
(الصفحة 534)
إلاّ أن يكون متعارفاً ينصرف(1) إليه الإطلاق . ولو خالف في غير مورد الانصراف، فإن استوفى الثمن قبل اطّلاع(2) المالك فهو ، وإن اطّلع المالك قبل الاستيفاء ، فإن أمضى فهو ، وإلاّ فالبيع باطل وله الرجوع على كلّ من العامل والمشتري مع عدم وجود المال عنده أو عند مشتر آخر منه ، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لايرجع هو على العامل، إلاّ أن يكون مغروراً من قبله وكانت القيمة أزيد من الثمن ، فإنّه حينئذ يرجع بتلك الزيادة عليه ، وإن رجع على العامل يرجع هو على المشتري بما غرم ، إلاّ أن يكون مغروراً منه وكان الثمن أقلّ ، فإنّه حينئذ يرجع بمقدار الثمن .
[3398] مسألة 9 : في صورة إطلاق العقد لايجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل ، كما أنّه لايجوز أن يبيع بأقلّ من قيمة المثل وإلاّ بطل(3) . نعم ، إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين لابأس به .
[3399] مسألة 10 : لايجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر ، وقيل بعدم جواز البيع إلاّ بالنقد المتعارف ، ولا وجه له إلاّ إذا كان جنساً لا رغبة للناس(4) فيه غالباً .
[3400] مسألة 11 : لايجوز شراء المعيب إلاّ إذا اقتضت المصلحة ، ولو اتّفق فله الردّ أو الأرش على ما تقتضيه المصلحة .
- (1) أي لا ينصرف عنه الإطلاق، كما أنّ المراد بغير مورد الانصراف في صورة المخالفة مورد الانصراف عنه.
- (2) لم يظهر وجه للفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الخامسة المتقدّمة مع اشتراكهما في مخالفة المالك. غاية الأمر أنّ المخالفة هناك كانت بلحاظ الاشتراط وهنا بلحاظ الانصراف.
- (3) قد ظهرت المناقشة فيه ممّا ذكرنا.
- (4) بحيث أوجبت الانصراف عنه.
(الصفحة 535)
[3401] مسألة 12 : المشهور على ما قيل أنّ في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال ، فلايجوز الشراء في الذمّة ، وبعبارة اُخرى يجب أن يكون الثمن شخصيّاً من مال المالك لا كلّيّاً في الذمّة ، والظاهر أنّه يلحق به الكلّي في المعيّن أيضاً ، وعلّل ذلك بأنّه القدر المتيقّن ، وأيضاً الشراء في الذمّة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره ، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء ، ولعلّ المالك غير راض بذلك ، وأيضاً إذا اشترى بكلّي في الذمّة لايصدق على الربح أنّه ربح مال المضاربة ، ولايخفى ما في هذه العلل ، والأقوى ـ كما هو المتعارف ـ جواز(1) الشراء في الذمّة والدفع من رأس المال . ثمّ إنّهم لم يتعرّضوا لبيعه ، ومقتضى ما ذكروه وجوب كون المبيع أيضاً شخصيّاً لا كليّاً ، ثمّ الدفع من الأجناس التي عنده ، والأقوى فيه أيضاً جواز كونه كليّاً ، وإن لم يكن في المتعارف مثل الشراء .
ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه :
أحدها : أن يشتري العامل بقصد المالك وفي ذمّته من حيث المضاربة .
الثاني : أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنّه عامل ووكيل عن المالك ، ويرجع إلى الأوّل ، وحكمها الصحّة وكون الربح مشتركاً بينهما على ما ذكرنا ، وإذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمّة المالك (2) يؤدّي من ماله الآخر .
الثالث : أن يقصد ذمّة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ولم يقصد الوفاء حين
- (1) إن كان المراد به هو الجواز بحيث يثبت به شيء في ذمّة المالك، ويلزم بالتأدية من غير مال المضاربة في صورة تعذّر أدائه منه فالظاهر عدمه; لعدم الإذن وعدم التعارف. وإن كان المراد به هو الجواز في ذمة المالك متقيّداً بالأداء من مال المضاربة فهو وإن كان أقوى، خصوصاً بعد عدم لزوم كون المال بيد العامل، وعدم اعتبار كونه معيّناً كما مرّ، إلاّ أنّ الظاهر عدم كون المشهور مخالفاً في هذه الصورة.
- (2) قد ظهر أنّ المضاربة بمجرّدها لا تقتضي ذلك، فالثبوت في ذمّة المالك يحتاج إلى الإذن أو الإجازة، ومع عدمهما يكون الشراء باطلاً.