(الصفحة 536)
الشراء من مال المضاربة ، ثمّ دفع منه ، وعلى هذا الشراء صحيح(1) ويكون غاصباً في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك ، إلاّ إذا كان مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض .
الرابع : كذلك لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء حتّى يكون الربح له، فقصد نفسه حيلة منه ، وعليه يمكن الحكم بصحّة الشراء، وإن كان عاصياً في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك وضامناً له ، بل ضامناً للبائع أيضاً، حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح ، ويحتمل القول ببطلان الشراء ; لأنّ رضا البائع مقيّد بدفع الثمن ، والمفروض أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح فهو بمنزلة السرقة ، كما ورد في بعض الأخبار : أنّ من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق ، ويحتمل صحّة الشراء وكون قصده لنفسه لغواً بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة ، فإنّ البيع وإن كان بقصد نفسه وكلّيّاً في ذمّته إلاّ أنّه ينصبّ على هذا الذي يدفعه ، فكأنّ البيع وقع عليه ، والأوفق بالقواعد الوجه الأوّل وبالاحتياط الثاني ، وأضعف الوجوه الثالث، وإن لم يستبعده(2) الآقا البهبهاني .
الخامس : أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه وغيره ، وعليه أيضاً يكون المبيع له ، وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصياً. ولو اختلف البائع والعامل في أنّ الشراء كان لنفسه أو لغيره ـ وهو المالك المضارب ـ يقدّم قول البائع
- (1) أي لنفسه وغير مرتبط بالمضاربة، سواء كان غاصباً في الدفع أو مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض.
- (2) يمكن أن يقال بصحّة ما اختاره البهبهاني (قدس سره) في خصوص ما إذا لم يكن للعامل مال أصلاً، ولا يرى لدى الناس لذمّته اعتبار، بل تصدّيهم للمعاملة معه إنّما هو لأجل كونه عاملاً بيده أموال يقدر على الاتّجار بها، ففي هذه الصورة قصد إيقاع المعاملة لنفسه لغو بحكم العرف، إلاّ أن يقال: إنّ لازم ما ذكر بطلان المعاملة رأساً لا صحّتها ووقوعها للمالك.
(الصفحة 537)
لظاهر الحال(1) ، فيلزم بالثمن من ماله ، وليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب .
[3402] مسألة 13 : يجب على العامل بعد تحقّق عقد المضاربة مايعتاد بالنسبة إليه ، وإلى تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان من العمل ، وتولّي ما يتولاّه التاجر لنفسه ; من عرض القماش والنشر والطيّ وقبض الثمن وإيداعه في الصندوق ونحو ذلك ممّا هو اللائق والمتعارف ، ويجوز له استئجار من يكون المتعارف استئجاره; مثل الدلاّل والحمّال والوزّان والكيّال وغير ذلك ، ويعطي الاُجرة من الوسط ، ولو استأجر فيما يتعارف مباشرته بنفسه فالاُجرة من ماله ، ولو تولّى بنفسه ما يعتاد الاستئجار له فالظاهر جواز(2) أخذ الاُجرة إن لم يقصد التبرّع ، وربما يقال بعدم الجواز ، وفيه : أنّه مناف لقاعدة احترام عمل المسلم المفروض عدم وجوبه عليه .
[3403] مسألة 14 : قد مرّ أنّه لايجوز للعامل السفر من دون إذن المالك ، ومعه فنفقته في السفر من رأس المال إلاّ إذا اشترط المالك كونها على نفسه ، وعن بعضهم كونها على نفسه مطلقاً ، والظاهر أنّ مراده فيما إذا لم يشترط كونها من الأصل ، وربما يقال: له تفاوت مابين السفر والحضر، والأقوى ماذكرنا من جواز أخذها من أصل المال بتمامها(3) ; من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك ممّا يصدق عليه النفقة، ففي صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) :
«في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه». هذا ، وأمّا في الحضر فليس له أن يأخذ من رأس المال شيئاً إلاّ إذا اشترط على المالك ذلك .
- (1) إطلاقه محلّ نظر بل منع.
- (2) مع شمول إذن المالك لتولّي نفسه بقصد الاُجرة.
- (3) إلاّ فيما إذا اشترط المالك كونها على نفس العامل، كما صرّح باستثنائه في صدر المسألة.
(الصفحة 538)
[3404] مسألة 15 : المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول وملبوس ومركوب وآلات يحتاج إليها في سفره واُجرة المسكن ونحو ذلك ، وأمّا جوائزه وعطاياه وضيافاته ومصانعاته فعلى نفسه إلاّ إذا كانت التجارة موقوفة عليها(1) .
[3405] مسألة 16 : اللازم الاقتصار على القدر اللائق ، فلو أسرف حسب عليه . نعم ، لو قتّر على نفسه أو صار ضيفاً عند شخص لايحسب له .
[3406] مسألة 17 : المراد من السفر العرفي لا الشرعي ، فيشمل السفر فرسخين أو ثلاثة ، كما أنّه إذا أقام في بلد عشرة أيّام أو أزيد كان نفقته من رأس المال ; لأنّه في السفر عرفاً . نعم ، إذا أقام بعد تمام العمل لغرض آخر ـ مثل التفرّج أو لتحصيل مال له أو لغيره ممّا ليس متعلّقاً بالتجارة ـ فنفقته في تلك المدّة على نفسه . وإن كان مقامه لما يتعلّق بالتجارة ولأمر آخر بحيث يكون كلّ منهما علّة مستقلّة لولا الآخر ، فإن كان الأمر الآخر عارضاً في البين فالظاهر(2) جواز أخذ تمام النفقة من مال التجارة ، وإن كانا في عرض واحد ففيه وجوه، ثالثها : التوزيع ، وهو الأحوط(3) في الجملة ، وأحوط منه كون التمام على نفسه ، وإن كانت العلّة مجموعهما بحيث يكون كلّ واحد جزءاً من الداعي فالظاهر التوزيع .
[3407] مسألة 18 : استحقاق النفقة مختصّ بالسفر المأذون فيه ، فلو سافر من غير إذن ، أو في غير الجهة المأذون فيه، أو مع التعدّي عمّا أذن فيه ليس له أن يأخذ من مال التجارة .
[3408] مسألة 19 : لو تعدّد أرباب المال; كأن يكون عاملاً لاثنين أو أزيد ، أو
- (1) بالأصل أو بالكمال.
- (2) بل الظاهر توزيع النفقة من زمان العروض عليهما.
- (3) بل الظاهر كما مرّ.
(الصفحة 539)
عاملاً لنفسه وغيره توزّع النفقة(1) ، وهل هو على نسبة المالين أو على نسبة العملين ؟ قولان .
[3409] مسألة 20 : لايشترط في استحقاق النفقة ظهور ربح ، بل ينفق من أصل المال وإن لم يحصل ربح أصلاً . نعم ، لو حصل الربح بعد هذا تحسب من الربح(2)ويعطى المالك تمام رأس ماله ثمّ يقسّم بينهما .
[3410] مسألة 21 : لو مرض في أثناء السفر ، فإن كان لم يمنعه من شغله فله أخذ النفقة، وإن منعه ليس له(3)، وعلى الأوّل لايكون منها مايحتاج إليه للبرء من المرض.
[3411] مسألة 22 : لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر فنفقة الرجوع على نفسه ، بخلاف ما إذا بقيت ولم تنفسخ ، فإنّها من مال المضاربة .
[3412] مسألة 23 : قد عرفت الفرق بين المضاربة والقرض والبضاعة ، وأنّ في الأوّل(4) الربح مشترك ، وفي الثاني للعامل ، وفي الثالث للمالك ، فإذا قال : خذ هذا المال مضاربة والربح بتمامه لي ، كان مضاربة فاسدة(5) إلاّ إذا علم أنّه قصد الإبضاع
- (1) بشرط كون كلٍّ علّة مستقلّة أو كانت العلّة هي المجموع.
- (2) أي من جميع المال من الربح ورأس المال، كما وقع التعبير به في صحيح عليّ بن جعفر المتقدّم.
- (3) على الأحوط إلاّ في المرض الذي كان السفر موجباً له، فإنّ له حينئذ أخذ النفقة التي منها ما يحتاج إليه للبرء من المرض.
- (4) ظاهر العبارة يعطي أنّ الفرق بين القرض وبينهما في الآثار فقط، مع أنّ الفرق بينهما بحسب الجوهر والماهية واختلاف الآثار ناشئ عن ذلك الفرق، ضرورة أنّ القرض مشتمل على التمليك دونهما. نعم، الفرق بين المضاربة والبضاعة إنّما هو في مجرّد كون الربح مشتركاً أو مختصّاً.
- (5) قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ اللازم في المثال الحمل على البضاعة; لأنّه مع التصريح بأنّ الربح له لا يبقى مجال لاحتمال المضاربة، فلابدّ من التصرّف في كلمتها.
(الصفحة 540)
فيصير بضاعة ، ولايستحقّ (1) العامل اُجرة إلاّ مع الشرط أو القرائن الدالّة على عدم التبرّع ، ومع الشكّ فيه وفي إرادة الاُجرة يستحقّ الاُجرة أيضاً ; لقاعدة احترام عمل المسلم . وإذا قال : خذه قراضاً وتمام الربح لك ، فكذلك مضاربة فاسدة(2) إلاّ إذا علم أنّه أراد القرض . ولو لم يذكر لفظ المضاربة; بأن قال : خذه واتّجر به والربح بتمامه لي ، كان بضاعة إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة فتكون فاسدة ، ولو قال : خذه واتّجر به والربح لك بتمامه ، فهو قرض إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة ففاسد ، ومع الفساد في الصور المذكورة يكون تمام الربح للمالك وللعامل اُجرة عمله إلاّ مع علمه(3) بالفساد .
[3413] مسألة 24 : لو اختلف العامل والمالك في أنّها مضاربة فاسدة أو قرض ، أو مضاربة فاسدة أو بضاعة ، ولم يكن هناك ظهور لفظيّ ولا قرينة معيّنة ، فمقتضى القاعدة التحالف(4) . وقد يقال بتقديم قول من يدّعي الصحّة وهو مشكل ، إذ مورد
- (1) بل يستحقّ الاُجرة إلاّ مع شرط العدم أو كون العامل متبرّعاً، وفي صورة الشكّ يستحقّ أيضاً لقاعدة الاحترام بضميمة أصالة عدم قصد التبرّع على إشكال فيها.
- (2) مع اختلاف القراض، والقرض بحسب الماهية كما عرفت لا دليل على الحمل على كونها مضاربة فاسدة، ضرورة أنّه إن كان المقصود تمليك العين فلابدّ من كونه قرضاً، وإلاّ فلابدّ من الحمل على القراض، وتمليك تمام الربح بعد ظهوره فهي مضاربة صحيحة. غاية الأمر أنّه لا يترتّب على ذلك التمليك أثر أصلاً، فالأمر دائر بين القرض والقراض الصحيح، ولا يبعد دعوى أقوائيّة ظهور الذيل الموجب للحمل على القرض.
- (3) لا دخل للعلم والجهل في استحقاق الاُجرة وعدمه.
- (4) مطلقاً إن كان المدار في تشخيص المدّعي والمنكر هي عبارة الدعوى ومصبّها كما هو الظاهر، وأمّا لو كان المدار هو الغرض المقصود والأثر المنظور فالظاهر اختلاف الموارد، فإن كان المالك مدّعياً للقرض في صورة الخسران، أو التلف لتضمين العامل ونفي استحقاقه الاُجرة، وادّعى العامل المضاربة الفاسدة لنفي الضمان وإثبات الاُجرة، فالظاهر ثبوت التحالف وبعده يحكم بالضمان والاستحقاق، وأمّا إذا انعكست الدعوى; بأن ادّعى المالك القراض الفاسد في صورة حصول الربح ليكون جميعه له، والعامل القرض كذلك فالظاهر أنّ الحلف يتوجّه على المالك لنفي القرض، ولا يترتّب على دعوى المالك أثر أصلاً، هذا في الفرض الأوّل. وأمّا في الفرض الثاني الذي يدور الأمر فيه بين المضاربة والبضاعة، فلا مجال فيه للتحالف على هذا المبنى أصلاً، لاتّفاقهما على ثبوت الربح للمالك واستحقاق العامل للاُجرة، فلا يترتّب على دعواهما أثر.