(الصفحة 533)
لأنّه ليس شرطاً منافياً لمقتضى العقد كما قد يتخيّل ، بل إنّما هو مناف لإطلاقه ، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك وعدم ضمان العامل إلاّ مع التعدّي أو التفريط .
[3394] مسألة 5 : إذا اشترط المالك على العامل أن لايسافر مطلقاً، أو إلى البلد الفلاني، أو إلاّ إلى البلد الفلاني ، أو لايشتري الجنس الفلاني ، أو إلاّ الجنس الفلاني ، أو لايبيع من زيد مثلا ، أو إلاّ من زيد ، أو لايشتري من شخص ، أو إلاّ من شخص معيّن ، أو نحو ذلك من الشروط ، فلايجوز له المخالفة ، وإلاّ ضمن المال لو تلف بعضاً أو كلاّ ، وضمن الخسارة مع فرضها ، ومقتضى القاعدة وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيديّة إذا أجاز المعاملة ، وثبوت خيار تخلّف الشرط على فرض كون المراد من الشرط التزام في الالتزام ، وكون تمام الربح له على تقدير الفسخ ، إلاّ أنّ الأقوى اشتراكهما في الربح على ما قرّر ; لجملة من الأخبار الدالّة على ذلك ، ولاداعي إلى حملها على بعض المحامل ، ولا إلى الاقتصار على مواردها ; لاستفادة العموم من بعضها الآخر .
[3395] مسألة 6 : لايجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو غيره ، إلاّ مع إذن المالك، عموماً كأن يقول : اعمل به على حسب ما تراه مصلحة إن كان هناك مصلحة ، أو خصوصاً ، فلو خلط بدون الإذن ضمن التلف ، إلاّ أنّ المضاربة باقية والربح بين المالين على النسبة .
[3396] مسألة 7 : مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرّف على حسب ما يراه من حيث البائع والمشتري ونوع الجنس المشترى ، لكن لايجوز له أن يسافر من دون إذن المالك ، إلاّ إذا كان هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق ، وإن خالف فسافر فعلى ما مرّ في المسألة المتقدمّة .
[3397] مسألة 8 : مع إطلاق العقد وعدم الإذن في البيع نسيئة لايجوز له ذلك
(الصفحة 534)
إلاّ أن يكون متعارفاً ينصرف(1) إليه الإطلاق . ولو خالف في غير مورد الانصراف، فإن استوفى الثمن قبل اطّلاع(2) المالك فهو ، وإن اطّلع المالك قبل الاستيفاء ، فإن أمضى فهو ، وإلاّ فالبيع باطل وله الرجوع على كلّ من العامل والمشتري مع عدم وجود المال عنده أو عند مشتر آخر منه ، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لايرجع هو على العامل، إلاّ أن يكون مغروراً من قبله وكانت القيمة أزيد من الثمن ، فإنّه حينئذ يرجع بتلك الزيادة عليه ، وإن رجع على العامل يرجع هو على المشتري بما غرم ، إلاّ أن يكون مغروراً منه وكان الثمن أقلّ ، فإنّه حينئذ يرجع بمقدار الثمن .
[3398] مسألة 9 : في صورة إطلاق العقد لايجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل ، كما أنّه لايجوز أن يبيع بأقلّ من قيمة المثل وإلاّ بطل(3) . نعم ، إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين لابأس به .
[3399] مسألة 10 : لايجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر ، وقيل بعدم جواز البيع إلاّ بالنقد المتعارف ، ولا وجه له إلاّ إذا كان جنساً لا رغبة للناس(4) فيه غالباً .
[3400] مسألة 11 : لايجوز شراء المعيب إلاّ إذا اقتضت المصلحة ، ولو اتّفق فله الردّ أو الأرش على ما تقتضيه المصلحة .
- (1) أي لا ينصرف عنه الإطلاق، كما أنّ المراد بغير مورد الانصراف في صورة المخالفة مورد الانصراف عنه.
- (2) لم يظهر وجه للفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الخامسة المتقدّمة مع اشتراكهما في مخالفة المالك. غاية الأمر أنّ المخالفة هناك كانت بلحاظ الاشتراط وهنا بلحاظ الانصراف.
- (3) قد ظهرت المناقشة فيه ممّا ذكرنا.
- (4) بحيث أوجبت الانصراف عنه.
(الصفحة 535)
[3401] مسألة 12 : المشهور على ما قيل أنّ في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال ، فلايجوز الشراء في الذمّة ، وبعبارة اُخرى يجب أن يكون الثمن شخصيّاً من مال المالك لا كلّيّاً في الذمّة ، والظاهر أنّه يلحق به الكلّي في المعيّن أيضاً ، وعلّل ذلك بأنّه القدر المتيقّن ، وأيضاً الشراء في الذمّة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره ، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء ، ولعلّ المالك غير راض بذلك ، وأيضاً إذا اشترى بكلّي في الذمّة لايصدق على الربح أنّه ربح مال المضاربة ، ولايخفى ما في هذه العلل ، والأقوى ـ كما هو المتعارف ـ جواز(1) الشراء في الذمّة والدفع من رأس المال . ثمّ إنّهم لم يتعرّضوا لبيعه ، ومقتضى ما ذكروه وجوب كون المبيع أيضاً شخصيّاً لا كليّاً ، ثمّ الدفع من الأجناس التي عنده ، والأقوى فيه أيضاً جواز كونه كليّاً ، وإن لم يكن في المتعارف مثل الشراء .
ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه :
أحدها : أن يشتري العامل بقصد المالك وفي ذمّته من حيث المضاربة .
الثاني : أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنّه عامل ووكيل عن المالك ، ويرجع إلى الأوّل ، وحكمها الصحّة وكون الربح مشتركاً بينهما على ما ذكرنا ، وإذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمّة المالك (2) يؤدّي من ماله الآخر .
الثالث : أن يقصد ذمّة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ولم يقصد الوفاء حين
- (1) إن كان المراد به هو الجواز بحيث يثبت به شيء في ذمّة المالك، ويلزم بالتأدية من غير مال المضاربة في صورة تعذّر أدائه منه فالظاهر عدمه; لعدم الإذن وعدم التعارف. وإن كان المراد به هو الجواز في ذمة المالك متقيّداً بالأداء من مال المضاربة فهو وإن كان أقوى، خصوصاً بعد عدم لزوم كون المال بيد العامل، وعدم اعتبار كونه معيّناً كما مرّ، إلاّ أنّ الظاهر عدم كون المشهور مخالفاً في هذه الصورة.
- (2) قد ظهر أنّ المضاربة بمجرّدها لا تقتضي ذلك، فالثبوت في ذمّة المالك يحتاج إلى الإذن أو الإجازة، ومع عدمهما يكون الشراء باطلاً.
(الصفحة 536)
الشراء من مال المضاربة ، ثمّ دفع منه ، وعلى هذا الشراء صحيح(1) ويكون غاصباً في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك ، إلاّ إذا كان مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض .
الرابع : كذلك لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء حتّى يكون الربح له، فقصد نفسه حيلة منه ، وعليه يمكن الحكم بصحّة الشراء، وإن كان عاصياً في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك وضامناً له ، بل ضامناً للبائع أيضاً، حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح ، ويحتمل القول ببطلان الشراء ; لأنّ رضا البائع مقيّد بدفع الثمن ، والمفروض أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح فهو بمنزلة السرقة ، كما ورد في بعض الأخبار : أنّ من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق ، ويحتمل صحّة الشراء وكون قصده لنفسه لغواً بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة ، فإنّ البيع وإن كان بقصد نفسه وكلّيّاً في ذمّته إلاّ أنّه ينصبّ على هذا الذي يدفعه ، فكأنّ البيع وقع عليه ، والأوفق بالقواعد الوجه الأوّل وبالاحتياط الثاني ، وأضعف الوجوه الثالث، وإن لم يستبعده(2) الآقا البهبهاني .
الخامس : أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه وغيره ، وعليه أيضاً يكون المبيع له ، وإذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصياً. ولو اختلف البائع والعامل في أنّ الشراء كان لنفسه أو لغيره ـ وهو المالك المضارب ـ يقدّم قول البائع
- (1) أي لنفسه وغير مرتبط بالمضاربة، سواء كان غاصباً في الدفع أو مأذوناً في الاستقراض وقصد القرض.
- (2) يمكن أن يقال بصحّة ما اختاره البهبهاني (قدس سره) في خصوص ما إذا لم يكن للعامل مال أصلاً، ولا يرى لدى الناس لذمّته اعتبار، بل تصدّيهم للمعاملة معه إنّما هو لأجل كونه عاملاً بيده أموال يقدر على الاتّجار بها، ففي هذه الصورة قصد إيقاع المعاملة لنفسه لغو بحكم العرف، إلاّ أن يقال: إنّ لازم ما ذكر بطلان المعاملة رأساً لا صحّتها ووقوعها للمالك.
(الصفحة 537)
لظاهر الحال(1) ، فيلزم بالثمن من ماله ، وليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب .
[3402] مسألة 13 : يجب على العامل بعد تحقّق عقد المضاربة مايعتاد بالنسبة إليه ، وإلى تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان من العمل ، وتولّي ما يتولاّه التاجر لنفسه ; من عرض القماش والنشر والطيّ وقبض الثمن وإيداعه في الصندوق ونحو ذلك ممّا هو اللائق والمتعارف ، ويجوز له استئجار من يكون المتعارف استئجاره; مثل الدلاّل والحمّال والوزّان والكيّال وغير ذلك ، ويعطي الاُجرة من الوسط ، ولو استأجر فيما يتعارف مباشرته بنفسه فالاُجرة من ماله ، ولو تولّى بنفسه ما يعتاد الاستئجار له فالظاهر جواز(2) أخذ الاُجرة إن لم يقصد التبرّع ، وربما يقال بعدم الجواز ، وفيه : أنّه مناف لقاعدة احترام عمل المسلم المفروض عدم وجوبه عليه .
[3403] مسألة 14 : قد مرّ أنّه لايجوز للعامل السفر من دون إذن المالك ، ومعه فنفقته في السفر من رأس المال إلاّ إذا اشترط المالك كونها على نفسه ، وعن بعضهم كونها على نفسه مطلقاً ، والظاهر أنّ مراده فيما إذا لم يشترط كونها من الأصل ، وربما يقال: له تفاوت مابين السفر والحضر، والأقوى ماذكرنا من جواز أخذها من أصل المال بتمامها(3) ; من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك ممّا يصدق عليه النفقة، ففي صحيح عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) :
«في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه». هذا ، وأمّا في الحضر فليس له أن يأخذ من رأس المال شيئاً إلاّ إذا اشترط على المالك ذلك .
- (1) إطلاقه محلّ نظر بل منع.
- (2) مع شمول إذن المالك لتولّي نفسه بقصد الاُجرة.
- (3) إلاّ فيما إذا اشترط المالك كونها على نفس العامل، كما صرّح باستثنائه في صدر المسألة.