(الصفحة 546)
المفروض بطلان المضاربة الثانية فلايستحقّ العامل الثاني شيئاً ، وأنّ العامل الأوّل لم يعمل حتّى يستحقّ ، فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز تلك المعاملات الواقعة على ماله ، ويستحقّ العامل الثاني اُجرة عمله مع جهله(1) بالبطلان على العامل الأوّل ; لأنّه مغرور من قبله ، وقيل : يستحقّ على المالك ، ولا وجه له مع فرض عدم الإذن منه له في العمل .
هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً للمالك ، وأمّا إذا ضاربه على أن يكون عاملاً له، وقصد العامل في عمله العامل الأوّل، فيمكن أن يقال : إنّ الربح للعامل الأوّل ، بل هو مختار المحقّق في «الشرائع» ، وذلك بدعوى أنّ المضاربة الاُولى باقية بعد فرض بطلان الثانية ، والمفروض أنّ العامل قصد العمل للعامل الأوّل، فيكون كأنّه هو العامل فيستحقّ الربح ، وعليه اُجرة عمل العامل إذا كان جاهلاً بالبطلان ، وبطلان المعاملة لايضرّ بالإذن الحاصل منه للعمل له ، لكن هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن المباشرة معتبرة في المضاربة الاُولى ، وأمّا مع اعتبارها فلايتمّ، ويتعيّن(2) كون تمام الربح للمالك إذا أجاز المعاملات وإن لم تجز المضاربة الثانية .
[3422] مسألة 33 : إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً ـ كأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً ، أويعطيه درهماً ، أونحو ذلك أو بالعكس ـ فالظاهر صحّته ، وكذا إذا اشترط أحدهما على الآخر بيعاً أو قرضاً أو قراضاً أو بضاعة أو نحو ذلك ، ودعوى أنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن من
- (1) قد مرّ الكلام على التفصيل بين صورتي العلم والجهل.
- (2) من دون فرق بين أن تكون المباشرة معتبرة بنحو التقييد أو مأخوذة بنحو الاشتراط. أمّا في الأوّل فواضع، وأمّا في الثاني، فلأنّ مقتضى القاعدة في مورد التخلّف على تقدير الفسخ كون الربح للمالك، والأخبار التي اُشير إليها في المسألة الخامسة الدالّة على الاشتراك في مورد تخلّف الشرط لا يعلم شمولها للمقام.
(الصفحة 547)
المالك إلاّ رأس المال ، ومن العامل إلاّ التجارة ، مدفوعة بأنّ ذلك من حيث متعلّق العقد ، فلاينافي اشتراط مال أو عمل خارجي في ضمنه ، ويكفي في صحّته عموم أدلّة الشروط .
وعن الشيخ الطوسي فيما إذا اشترط المالك على العامل بضاعة بطلان الشرط دون العقد في أحد قوليه ، وبطلانهما في قوله الآخر ، قال : لأنّ العامل في القراض لايعمل عملاً بغير جعل ولا قسط من الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ; لأنّ قسط العامل يكون مجهولاً ، ثمّ قال : وإن قلنا : إنّ القراض صحيح والشرط جائز لكنّه لايلزم الوفاء به ; لأنّ البضاعة لايلزم القيام بها ، كان قويّاً . وحاصل كلامه في وجه بطلانهما أنّ الشرط المفروض مناف لمقتضى العقد فيكون باطلاً ، وببطلانه يبطل العقد ; لاستلزامه جهالة حصّة العامل من حيث إنّ للشرط قسطاً من الربح ، وببطلانه يسقط ذلك القسط ، وهو غير معلوم المقدار .
وفيه: منع كونه منافياً لمقتضى العقد، فإنّ مقتضاه ليس أزيد من أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح ، والعمل الخارجي ليس عملاً في مال القراض . هذا، مع أنّ ما ذكره من لزوم جهالة حصّة العامل بعد بطلان الشرط ممنوع ; إذ ليس الشرط مقابلاً بالعوض في شيء من الموارد ، وإنّما يوجب زيادة العوض، فلاينقص من بطلانه شيء من الحصّة حتّى تصير مجهولة. وأمّا ما ذكره في قوله : وإن قلنا . . . الخ . فلعلّ غرضه أنّه إذا لم يكن الوفاء بالشرط لازماً يكون وجوده كعدمه فكأنّه لم يشترط ، فلايلزم الجهالة في الحصّة . وفيه : أنّه على فرض إيجابه للجهالة لايتفاوت الحال بين لزوم العمل به وعدمه ; حيث إنّه على التقديرين زيد بعض العوض لأجله .
هذا، وقد يقرّر في وجه بطلان الشرط المذكور أنّ هذا الشرط لا أثر له أصلاً ; لأنّه ليس بلازم الوفاء حيث إنّه في العقد الجائز، ولايلزم من تخلّفه أثر التسلّط على
(الصفحة 548)
الفسخ ، حيث إنّه يجوز فسخه ولو مع عدم التخلّف ، وفيه:
أوّلاً : ما عرفت سابقاً من لزوم العمل بالشرط في ضمن العقود الجائزة ما دامت باقية ولم تفسخ ، وإن كان له أن يفسخ حتّى يسقط وجوب العمل به .
وثانياً : لانسلّم أنّ تخلّفه لايؤثّر في التسلّط على الفسخ ، إذ الفسخ الذي يأتي من قبل كون العقد جائزاً إنّما يكون بالنسبة إلى الاستمرار ، بخلاف الفسخ الآتي من تخلّف الشرط(1)، فإنّه يوجب فسخ المعاملة من الأصل . فإذا فرضنا أنّ الفسخ بعد حصول الربح، فإن كان من القسم الأوّل اقتضى حصوله من حينه . فالعامل يستحقّ ذلك الربح بمقدار حصّته ، وإن كان من القسم الثاني يكون تمام الربح للمالك ، ويستحقّ العامل اُجرة المثل لعمله ، وهي قد تكون أزيد من الربح ، وقد تكون أقلّ، فيتفاوت الحال بالفسخ وعدمه إذا كان لأجل تخلّف الشرط .
[3423] مسألة 34 : يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره من غير توقّف على الإنضاض أو القسمة ، لا نقلاً ولا كشفاً على المشهور ، بل الظاهر الإجماع عليه ; لأنّه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما، ولأنّه مملوك وليس للمالك ، فيكون للعامل ، وللصحيح : رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لايعلم ، قال :
«يقوّم، فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل» إذ لو لم يكن مالكاً لحصّته لم ينعتق أبوه . نعم، عن الفخر، عن والده أنّ في المسألة أربعة أقوال ، ولكن لم يذكر القائل ولعلّها من العامّة .
أحدها : ما ذكرنا .
- (1) ولعلّ وجه الفرق أنّ تخلّف الشرط يرجع إلى عدم تحقّق المقصود الذي وقع العقد عليه، فالفسخ الآتي من قبله يوجب انحلاله من رأس، وأمّا الفسخ الآتي من ناحية جواز العقد فهو يؤثّر من زمان وقوعه; لعدم رجوعه إلى خلل في العقد من جهة عدم تحقّق المقصود.
(الصفحة 549)
الثاني : أنّه يملك بالإنضاض ; لأنّه قبله ليس موجوداً خارجيّاً ، بل هو مقدّر موهوم .
الثالث : أنّه يملك بالقسمة ; لأنّه لو ملك قبله لاختصّ بربحه ، ولم يكن وقاية لرأس المال .
الرابع : أنّ القسمة كاشفة عن الملك سابقاً; لأنّها توجب استقراره .
والأقوى ما ذكرنا لما ذكرنا ، ودعوى أنّه ليس موجوداً كما ترى ، وكون القيمة أمراً وهميّاً ممنوع ، مع أنّا نقول :إنّه يصير شريكاً في العين الموجودة بالنسبة ، ولذا يصحّ له مطالبة القسمة ، مع أنّ المملوك لايلزم أن يكون موجوداً خارجيّاً ، فإنّ الدين مملوك ، مع أنّه ليس في الخارج .
ومن الغريب إصرار صاحب «الجواهر» على الإشكال في ملكيّته، بدعوى أنّه حقيقة ما زاد على عين الأصل ، وقيمة الشيء أمر وهميّ لا وجود له لا ذمّة ولا خارجاً ، فلايصدق عليه الربح . نعم ، لابأس أن يقال : إنّه بالظهور ملك أن يملك ، بمعنى أنّ له الإنضاض فيملك ، وأغرب منه أنّه قال : «بل لعلّ الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضاً ، بناءً على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبنيّ على السراية» .
إذ لايخفى ما فيه ، مع أنّ لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكاً للمالك حتّى مقدار الربح، مع أنّه ادّعى الاتّفاق على عدم كون مقدار حصّة العامل من الربح للمالك ، فلاينبغي التأمّل في أنّ الأقوى ما هو المشهور(1) . نعم ، إن حصل خسران أو تلف
- (1) إن كان مراد المشهور من ملكية العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره صيرورته شريكاً في العين الموجودة بالنسبة، كما أيّده الماتن (قدس سره) بصحّة مطالبة القسمة. وإن كان في التأييد نظر، فهو وإن كان أمراً متصوّراً معقولاً، إلاّ أنّه لا دليل على تحقّق الشركة في نفس العين في باب المضاربة. وإن كان مرادهم حصول الملكية للعامل بمجرّد ظهور الربح لابمعنى الشركة في العين، بل بمعنى الشركة في الربح، فيرد عليهم ما أورده صاحب الجواهر (قدس سره)، والنقض عليه بمثل الدين المملوك واضح الفساد، والآثار التي يرتّبها الماتن على مختاره إنّما يترتّب على فرض الشركة في العين الموجودة، وإن كان ترتّب بعضها كالإرث لا يختصّ بهذا المبنى; لعدم اختصاص الموروث بالمال.
(الصفحة 550)
بعد ظهور الربح خرج عن ملكيّة العامل ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيّته من الأوّل ، وعلى ما ذكرنا يترتّب عليه جميع آثار الملكيّة من جواز المطالبة بالقسمة، وإن كانت موقوفة على رضا المالك، ومن صحّة تصرّفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعة للحجّ وتعلّق حقّ الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك .
[3424] مسألة 35 : الربح وقاية لرأس المال ، فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة ، فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقرّ ملكيّته ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقسمة ، فبعدها إذا تلف شيء لايحسب من الربح ، بل تلف كلّ على صاحبه ، ولايكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ ، بل ولا قسمة(1) الكلّ كذلك ولا بالفسخ(2) مع عدم القسمة ، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الربح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ويتمّم رأس المال بالربح . نعم ، لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة فهل تستقرّ الملكيّة أم لا ؟ إن قلنا بوجوب(3) الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار ، وإن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان ، أقواهما الاستقرار . والحاصل أنّ اللازم أوّلاً دفع مقدار رأس المال للمالك ثمّ يقسّم مازاد عنه بينهما على حسب حصّتهما، فكلّ خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح ،
- (1) إلاّ إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ، فإنّها حينئذ فسخ فعليّ.
- (2) الظاهر حصول الاستقرار بالفسخ فقط كما هو مقتضى القواعد.
- (3) وجوب الإنضاض على تقديره لا ينافي الاستقرار.