(الصفحة 551)
وتماميّتها بما ذكرنا (1) من الفسخ والقسمة .
[3425] مسألة 36 : إذا ظهر الربح ونضّ تمامه أو بعض منه فطلب أحدهما قسمته ، فإن رضي الآخر فلا مانع منها ، وإن لم يرض المالك لم يجبر(2) عليها ; لاحتمال الخسران بعد ذلك والحاجة إلى جبره به ، قيل : وإن لم يرض العامل فكذلك أيضاً ; لأنّه لو حصل الخسران وجب عليه ردّ ما أخذه ، ولعلّه لايقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده وهو ضرر عليه. وفيه : أنّ هذا لايعدّ ضرراً ، فالأقوى أنّه يجبر إذا طلب المالك . وكيف كان، إذا اقتسماه ثمّ حصل الخسران ، فإن حصل بعده ربح يجبره فهو ، وإلاّ ردّ العامل أقلّ الأمرين من مقدار الخسران وما أخذ من الربح ; لأنّ الأقلّ إن كان هو الخسران فليس عليه إلاّ جبره والزائد له ، وإن كان هو الربح فليس عليه إلاّ مقدار ما أخذ .
ويظهر من الشهيد أنّ قسمة الربح موجبة لاستقراره وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها ، لكن قسمة مقداره ليست قسمة له من حيث إنّه مشاع في جميع المال ، فأخذ مقدار منه ليس أخذاً له فقط ; حيث قال ـ على ما نقل عنه ـ : إنّ المردود أقلّ الأمرين ممّا أخذه العامل من رأس المال لا من الربح ، فلو كان رأس المال مائة والربح عشرين فاقتسما العشرين ، فالعشرون التي هي الربح مشاعة في الجميع ; نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس ، فالمأخوذ سدس الجميع، فيكون خمسة أسداسها من رأس المال وسدسها من الربح ، فإذا اقتسماها استقرّ ملك العامل على نصيبه من الربح ; وهو نصف سدس العشرين ، وذلك درهم وثلثان يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال ، فإذا خسر المال الباقي ردّ أقلّ الأمرين ممّا
- (1) بل كما عرفت بالفسخ أو القسمة إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ.
- (2) فيه إشكال والتعليل عليل، وكذا الحكم بإجبار العامل معلّلاً بما أفاده (قدس سره).
(الصفحة 552)
خسر ومن ثمانية وثلث ، وفيه ـ مضافاً إلى أنّه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح ، وأنّ عليه غرامة ما أخذه منه ـ أنظار اُخر :
منها : أنّ المأخوذ إذا كان من رأس المال فوجوب ردّه لايتوقّف على حصول الخسران بعد ذلك .
ومنها : أنّه ليس مأذوناً في أخذ رأس المال، فلا وجه للقسمة المفروضة .
ومنها : أنّ المفروض أنّهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أنّه ربح ، لابعنوان كونه منه ومن رأس المال . ودعوى أنّه لايتعيّن لكونه من الربح بمجرّد قصدهما مع فرض إشاعته في تمام المال ، مدفوعة بأنّ المال بعد حصول الربح يصير مشتركاً بين المالك والعامل ، فمقدار رأس المال مع حصّة من الربح للمالك ، ومقدار حصّة الربح المشروط للعامل له ، فلا وجه لعدم التعيّن بعد تعيينهما مقدار مالهما في هذا المال ، فقسمة الربح في الحقيقة قسمة لجميع المال ولا مانع منها .
[3426] مسألة 37 : إذا باع العامل حصّته من الربح بعد ظهوره صحّ(1) مع تحقّق الشرائط من معلوميّة المقدار وغيره ، وإذا حصل خسران بعد هذا لايبطل البيع بل يكون بمنزلة التلف ، فيجب عليه جبره بدفع أقلّ الأمرين من مقدار قيمة ما باعه ومقدار الخسران .
[3427] مسألة 38 : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ، سواء كان سابقاً عليها أو لاحقاً ما دامت المضاربة باقية ولم يتمّ عملها(2) . نعم ، قد عرفت ما عن الشهيد من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا
- (1) في الحكم بالصحّة تأمّل وإشكال كما عرفت، وعلى تقديره لا يبعد كشف الخسران عن البطلان.
- (2) ولم تفسخ.
(الصفحة 553)
اقتسماه ، وأنّ مقدار الربح من المقسوم تستقرّ ملكيّته . وأمّا التلف فإمّا أن يكون بعد الدوران في التجارة ، أو بعد الشروع فيها ، أو قبله ، ثمّ إمّا أن يكون التالف البعض أو الكلّ ، وأيضاً إمّا أن يكون بآفة من الله سماويّة أو أرضيّة ، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبي على وجه الضمان ، فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح ولو كان لاحقاً مطلقاً ، سواء كان التالف البعض أو الكلّ ، كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي .
ودعوى أنّ مع الضمان كأنّه لم يتلف ; لأنّه في ذمّة الضامن ، كما ترى . نعم ، لو أخذ العوض يكون من جملة المال ، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة وإن كان التالف الكلّ ، كما إذا اشترى في الذمّة وتلف المال قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك(1) ، أو باع العامل المبيع وربح فأدّى ، كما أنّ الأقوى في تلف البعض الجبر وإن كان قبل الشروع أيضاً ، كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة ، أو في البلد أيضاً قبل أن يسافر . وأمّا تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة فالظاهر أنّه موجب لانفساخ العقد ; إذ لايبقى معه مال التجارة حتّى يجبر أو لايجبر . نعم ، إذا أتلفه أجنبي وأدّى عوضه تكون المضاربة باقية ، وكذا إذا أتلفه العامل .
[3428] مسألة 39 : العامل أمين فلايضمن إلاّ بالخيانة ، كما لو أكل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئاً لنفسه فأدّى الثمن من ذلك، أو وطئ الجارية المشتراة أو نحو ذلك ، أو التفريط بترك الحفظ ، أو التعدّي بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه ، كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر ، أو اشترى ما نهى عن شرائه ، أو ترك شراء ما أمره به ، فإنّه يصير بذلك ضامناً للمال لو تلف ولو بآفة سماويّة، وإن بقيت
- (1) تحقّق الجبران في هذه الصورة محلّ إشكال.
(الصفحة 554)
المضاربة كما مرّ ، والظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضاً . وإذا رجع عن تعدّيه أو خيانته فهل يبقى الضمان أو لا ؟ وجهان(1) مقتضى الاستصحاب بقاؤه، كما ذكروا في باب الوديعة أنّه لو أخرجها الودعي عن الحرز بقي الضمان وإن ردّها بعد ذلك إليه ، ولكن لايخلو عن إشكال ; لأنّ المفروض بقاء الإذن وارتفاع سبب الضمان ، ولو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان ولم يبع ضمن الوضيعة إن حصلت بعد ذلك ، وهل يضمن بنيّة الخيانة مع عدم فعلها ؟ وجهان(2) ; من عدم كون مجرّد النيّة خيانة ، ومن صيرورة يده حال النيّة بمنزلة يد الغاصب ، ويمكن الفرق بين العزم عليها فعلاً وبين العزم على أن يخون بعد ذلك .
[3429] مسألة 40 : لايجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئاً من مال المضاربة ; لأنّه ماله . نعم ، إذا ظهر الربح يجوز(3) له أن يشتري حصّة العامل منه مع معلوميّة قدرها ، ولايبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك فإنّه بمنزلة التلف ، ويجب على العامل ردّ قيمتها لجبر الخسارة ، كما لو باعها من غير المالك ، وأمّا العامل فيجوز أن يشتري من المالك قبل ظهور الربح بل وبعده ، لكن يبطل الشراء بمقدار حصّته من المبيع ; لأنّه ماله . نعم ، لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته بحيث يكون الربح حاصلاً بهذا الشراء يمكن الإشكال فيه ، حيث إنّ بعض الثمن حينئذ يرجع إليه من جهة كونه ربحاً(4) ، فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من حيث عوده
- (1) والأقرب البقاء.
- (2) والأقرب العدم مطلقاً، والفرق بين الموردين غير تامّ.
- (3) بناءً على صحّة بيع العامل حصّته، وعلى تقديرها فقد عرفت انكشاف البطلان بحصول الخسران.
- (4) أي بالإضافة إلى مال المضاربة، وإن كان خسراناً بالإضافة إلى نفس المعاملة; لأنّ المفروض أنّه اشتراه بأزيد من قيمته الواقعية، لكن المناط هو الأوّل.
(الصفحة 555)
إلى نفسه ، ويمكن دفعه(1) بأنّ كونه ربحاً متأخّر عن صيرورته للبائع ، فيصير أوّلاً للبائع الذي هو المالك من جهة كونه ثمناً ، وبعد أن تمّت المعاملة وصار ملكاً للبائع وصدق كونه ربحاً يرجع إلى المشتري الذي هو العامل على حسب قرار المضاربة ، فملكيّة البائع متقدّمة طبعاً .
وهذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذي هو مال المالك من أجنبي بأزيد من قيمته ، فإنّ المبيع ينتقل من المالك والثمن يكون مشتركاً بينه وبين العامل ، ولا بأس به فإنّه من الأوّل يصير ملكاً للمالك ، ثمّ يصير بمقدار حصّة العامل منه له بمقتضى قرار المضاربة ، لكن هذا على ما هو المشهور من أنّ مقتضى المعاوضة دخول المعوّض في ملك من خرج عنه العوض، وأنّه لايعقل غيره ، وأمّا على ما هو الأقوى من عدم المانع من كون المعوّض لشخص ، والعوض داخلاً في ملك غيره ، وأنّه لاينافي حقيقة المعاوضة ، فيمكن أن يقال : من الأوّل يدخل الربح في ملك العامل بمقتضى قرار المضاربة، فلايكون هذه الصورة مثالاً للمقام ونظيراً له .
[3430] مسألة 41 : يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة ولايجوز العكس ، مثلا إذا كانت دار مشتركة بين العامل والأجنبي فاشترى العامل حصّة الأجنبي بمال المضاربة يجوز له إذا كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة ; لأنّ الشراء قبل حصول الربح يكون للمالك ، فللعامل أن يأخذ تلك الحصّة بالشفعة منه ، وأمّا إذا كانت الدار مشتركة بين المالك والأجنبي، فاشترى العامل حصّة الأجنبي ليس للمالك الأخذ بالشفعة لأنّ الشراء له، فليس له أن يأخذ
- (1) لكنّه (قدس سره) صرّح في المسألة 44 الآتية بأقوائية القول بأنّ العامل يملك الربح أوّلاً بلا توسّط ملكية المالك بالجعل الأوّلي حين العقد وعدم منافاته لحقيقة المعاوضة، ولعلّ الاعتبار في باب المضاربة يساعد على هذا المبنى، وعليه فلا يبقى موقع للإشكال والجواب أصلاً. نعم، يبقى الإشكال من بعض الوجوه الاُخر.