(الصفحة 550)
بعد ظهور الربح خرج عن ملكيّة العامل ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيّته من الأوّل ، وعلى ما ذكرنا يترتّب عليه جميع آثار الملكيّة من جواز المطالبة بالقسمة، وإن كانت موقوفة على رضا المالك، ومن صحّة تصرّفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعة للحجّ وتعلّق حقّ الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك .
[3424] مسألة 35 : الربح وقاية لرأس المال ، فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة ، فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقرّ ملكيّته ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقسمة ، فبعدها إذا تلف شيء لايحسب من الربح ، بل تلف كلّ على صاحبه ، ولايكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ ، بل ولا قسمة(1) الكلّ كذلك ولا بالفسخ(2) مع عدم القسمة ، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الربح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ويتمّم رأس المال بالربح . نعم ، لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة فهل تستقرّ الملكيّة أم لا ؟ إن قلنا بوجوب(3) الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار ، وإن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان ، أقواهما الاستقرار . والحاصل أنّ اللازم أوّلاً دفع مقدار رأس المال للمالك ثمّ يقسّم مازاد عنه بينهما على حسب حصّتهما، فكلّ خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح ،
- (1) إلاّ إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ، فإنّها حينئذ فسخ فعليّ.
- (2) الظاهر حصول الاستقرار بالفسخ فقط كما هو مقتضى القواعد.
- (3) وجوب الإنضاض على تقديره لا ينافي الاستقرار.
(الصفحة 551)
وتماميّتها بما ذكرنا (1) من الفسخ والقسمة .
[3425] مسألة 36 : إذا ظهر الربح ونضّ تمامه أو بعض منه فطلب أحدهما قسمته ، فإن رضي الآخر فلا مانع منها ، وإن لم يرض المالك لم يجبر(2) عليها ; لاحتمال الخسران بعد ذلك والحاجة إلى جبره به ، قيل : وإن لم يرض العامل فكذلك أيضاً ; لأنّه لو حصل الخسران وجب عليه ردّ ما أخذه ، ولعلّه لايقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده وهو ضرر عليه. وفيه : أنّ هذا لايعدّ ضرراً ، فالأقوى أنّه يجبر إذا طلب المالك . وكيف كان، إذا اقتسماه ثمّ حصل الخسران ، فإن حصل بعده ربح يجبره فهو ، وإلاّ ردّ العامل أقلّ الأمرين من مقدار الخسران وما أخذ من الربح ; لأنّ الأقلّ إن كان هو الخسران فليس عليه إلاّ جبره والزائد له ، وإن كان هو الربح فليس عليه إلاّ مقدار ما أخذ .
ويظهر من الشهيد أنّ قسمة الربح موجبة لاستقراره وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها ، لكن قسمة مقداره ليست قسمة له من حيث إنّه مشاع في جميع المال ، فأخذ مقدار منه ليس أخذاً له فقط ; حيث قال ـ على ما نقل عنه ـ : إنّ المردود أقلّ الأمرين ممّا أخذه العامل من رأس المال لا من الربح ، فلو كان رأس المال مائة والربح عشرين فاقتسما العشرين ، فالعشرون التي هي الربح مشاعة في الجميع ; نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس ، فالمأخوذ سدس الجميع، فيكون خمسة أسداسها من رأس المال وسدسها من الربح ، فإذا اقتسماها استقرّ ملك العامل على نصيبه من الربح ; وهو نصف سدس العشرين ، وذلك درهم وثلثان يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال ، فإذا خسر المال الباقي ردّ أقلّ الأمرين ممّا
- (1) بل كما عرفت بالفسخ أو القسمة إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ.
- (2) فيه إشكال والتعليل عليل، وكذا الحكم بإجبار العامل معلّلاً بما أفاده (قدس سره).
(الصفحة 552)
خسر ومن ثمانية وثلث ، وفيه ـ مضافاً إلى أنّه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح ، وأنّ عليه غرامة ما أخذه منه ـ أنظار اُخر :
منها : أنّ المأخوذ إذا كان من رأس المال فوجوب ردّه لايتوقّف على حصول الخسران بعد ذلك .
ومنها : أنّه ليس مأذوناً في أخذ رأس المال، فلا وجه للقسمة المفروضة .
ومنها : أنّ المفروض أنّهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أنّه ربح ، لابعنوان كونه منه ومن رأس المال . ودعوى أنّه لايتعيّن لكونه من الربح بمجرّد قصدهما مع فرض إشاعته في تمام المال ، مدفوعة بأنّ المال بعد حصول الربح يصير مشتركاً بين المالك والعامل ، فمقدار رأس المال مع حصّة من الربح للمالك ، ومقدار حصّة الربح المشروط للعامل له ، فلا وجه لعدم التعيّن بعد تعيينهما مقدار مالهما في هذا المال ، فقسمة الربح في الحقيقة قسمة لجميع المال ولا مانع منها .
[3426] مسألة 37 : إذا باع العامل حصّته من الربح بعد ظهوره صحّ(1) مع تحقّق الشرائط من معلوميّة المقدار وغيره ، وإذا حصل خسران بعد هذا لايبطل البيع بل يكون بمنزلة التلف ، فيجب عليه جبره بدفع أقلّ الأمرين من مقدار قيمة ما باعه ومقدار الخسران .
[3427] مسألة 38 : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ، سواء كان سابقاً عليها أو لاحقاً ما دامت المضاربة باقية ولم يتمّ عملها(2) . نعم ، قد عرفت ما عن الشهيد من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا
- (1) في الحكم بالصحّة تأمّل وإشكال كما عرفت، وعلى تقديره لا يبعد كشف الخسران عن البطلان.
- (2) ولم تفسخ.
(الصفحة 553)
اقتسماه ، وأنّ مقدار الربح من المقسوم تستقرّ ملكيّته . وأمّا التلف فإمّا أن يكون بعد الدوران في التجارة ، أو بعد الشروع فيها ، أو قبله ، ثمّ إمّا أن يكون التالف البعض أو الكلّ ، وأيضاً إمّا أن يكون بآفة من الله سماويّة أو أرضيّة ، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبي على وجه الضمان ، فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح ولو كان لاحقاً مطلقاً ، سواء كان التالف البعض أو الكلّ ، كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي .
ودعوى أنّ مع الضمان كأنّه لم يتلف ; لأنّه في ذمّة الضامن ، كما ترى . نعم ، لو أخذ العوض يكون من جملة المال ، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة وإن كان التالف الكلّ ، كما إذا اشترى في الذمّة وتلف المال قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك(1) ، أو باع العامل المبيع وربح فأدّى ، كما أنّ الأقوى في تلف البعض الجبر وإن كان قبل الشروع أيضاً ، كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة ، أو في البلد أيضاً قبل أن يسافر . وأمّا تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة فالظاهر أنّه موجب لانفساخ العقد ; إذ لايبقى معه مال التجارة حتّى يجبر أو لايجبر . نعم ، إذا أتلفه أجنبي وأدّى عوضه تكون المضاربة باقية ، وكذا إذا أتلفه العامل .
[3428] مسألة 39 : العامل أمين فلايضمن إلاّ بالخيانة ، كما لو أكل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئاً لنفسه فأدّى الثمن من ذلك، أو وطئ الجارية المشتراة أو نحو ذلك ، أو التفريط بترك الحفظ ، أو التعدّي بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه ، كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر ، أو اشترى ما نهى عن شرائه ، أو ترك شراء ما أمره به ، فإنّه يصير بذلك ضامناً للمال لو تلف ولو بآفة سماويّة، وإن بقيت
- (1) تحقّق الجبران في هذه الصورة محلّ إشكال.
(الصفحة 554)
المضاربة كما مرّ ، والظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضاً . وإذا رجع عن تعدّيه أو خيانته فهل يبقى الضمان أو لا ؟ وجهان(1) مقتضى الاستصحاب بقاؤه، كما ذكروا في باب الوديعة أنّه لو أخرجها الودعي عن الحرز بقي الضمان وإن ردّها بعد ذلك إليه ، ولكن لايخلو عن إشكال ; لأنّ المفروض بقاء الإذن وارتفاع سبب الضمان ، ولو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان ولم يبع ضمن الوضيعة إن حصلت بعد ذلك ، وهل يضمن بنيّة الخيانة مع عدم فعلها ؟ وجهان(2) ; من عدم كون مجرّد النيّة خيانة ، ومن صيرورة يده حال النيّة بمنزلة يد الغاصب ، ويمكن الفرق بين العزم عليها فعلاً وبين العزم على أن يخون بعد ذلك .
[3429] مسألة 40 : لايجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئاً من مال المضاربة ; لأنّه ماله . نعم ، إذا ظهر الربح يجوز(3) له أن يشتري حصّة العامل منه مع معلوميّة قدرها ، ولايبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك فإنّه بمنزلة التلف ، ويجب على العامل ردّ قيمتها لجبر الخسارة ، كما لو باعها من غير المالك ، وأمّا العامل فيجوز أن يشتري من المالك قبل ظهور الربح بل وبعده ، لكن يبطل الشراء بمقدار حصّته من المبيع ; لأنّه ماله . نعم ، لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته بحيث يكون الربح حاصلاً بهذا الشراء يمكن الإشكال فيه ، حيث إنّ بعض الثمن حينئذ يرجع إليه من جهة كونه ربحاً(4) ، فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من حيث عوده
- (1) والأقرب البقاء.
- (2) والأقرب العدم مطلقاً، والفرق بين الموردين غير تامّ.
- (3) بناءً على صحّة بيع العامل حصّته، وعلى تقديرها فقد عرفت انكشاف البطلان بحصول الخسران.
- (4) أي بالإضافة إلى مال المضاربة، وإن كان خسراناً بالإضافة إلى نفس المعاملة; لأنّ المفروض أنّه اشتراه بأزيد من قيمته الواقعية، لكن المناط هو الأوّل.