(الصفحة 560)
المضاربة، فإنّها موضوعة كما مرّ للاسترباح بالتقليب في التجارة ، والشراء المفروض من حيث استلزامه للانعتاق ليس كذلك ، إلاّ أنّ المشهور بل ادّعي عليه الإجماع صحّته ، وهو الأقوى في صورة الجهل بكونه ممّن ينعتق عليه ، فينعتق مقدار حصّته من الربح منه ويسري في البقيّة ، وعليه عوضها للمالك مع يساره ، ويستسعى العبد فيه مع إعساره ; لصحيحة ابن أبي عمير، عن محمّد بن قيس، عن الصادق (عليه السلام) : في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لايعلم ، قال (عليه السلام) :
«يقوّم، فإن زاد درهماً واحداً انعتق واستسعى في مال الرجل». وهي مختصّة بصورة الجهل المنزّل عليها إطلاق كلمات العلماء أيضاً ، واختصاصها بشراء الأب لايضرّ بعد كون المناط كونه ممّن ينعتق عليه ، كما أنّ اختصاصها بما إذا كان فيه ربح لايضرّ أيضاً بعد عدم الفرق بينه وبين الربح السابق ، وإطلاقها من حيث اليسار والإعسار في الاستسعاء أيضاً منزّل على الثاني جمعاً بين الأدلّة .
هذا، ولو لم يكن ربح سابق ولا كان فيه أيضاً ، لكن تجدّد بعد ذلك قبل أن يباع فالظاهر أنّ حكمه أيضاً الانعتاق والسراية بمقتضى القاعدة ، مع إمكان دعوى شمول إطلاق الصحيحة أيضاً للربح المتجدّد فيه ، فيلحق به الربح الحاصل من غيره ; لعدم الفرق .
[3435] مسألة 46 : قد عرفت أنّ المضاربة من العقود الجائزة ، وأنّه يجوز لكلّ منهما الفسخ إذا لم يشترط(1) لزومها في ضمن عقد لازم ، بل أو في ضمن عقدها أيضاً . ثمّ قد يحصل الفسخ من أحدهما، وقد يحصل البطلان والانفساخ لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها ، أو لعدم إمكان التجارة لمانع أو نحو ذلك ، فلابدّ من التكلّم في حكمها من حيث استحقاق العامل للاُجرة وعدمه ، ومن حيث
- (1) قد مرّ أنّ اشتراط اللزوم باطل، سواء كان في ضمن عقد لازم، أو في ضمن عقدها إلاّ إذا كان المشروط عدم تحقّق الفسخ خارجاً.
(الصفحة 561)
وجوب الإنضاض عليه وعدمه إذا كان بالمال عروض ، ومن حيث وجوب الجباية عليه وعدمه إذا كان به ديون على الناس ، ومن حيث وجوب الردّ إلى المالك وعدمه، وكون الاُجرة عليه أو لا .
فنقول : إمّا أن يكون الفسخ من المالك أو العامل ، وأيضاً إمّا أن يكون قبل الشروع في التجارة أو في مقدّماتها ، أو بعده قبل ظهور الربح ، أو بعده في الأثناء ، أو بعد تمام التجارة بعد إنضاض الجميع أو البعض ، أو قبله ; قبل القسمة أو بعدها(1) ، وبيان أحكامها في طيّ مسائل :
[3436] الاُولى : إذا كان الفسخ أو الانفساخ ولم يشرع في العمل ولا في مقدّماته فلا إشكال ولا شيء له ولا عليه ، وإن كان بعد تمام العمل والإنضاض فكذلك ، إذ مع حصول الربح يقتسمانه ، ومع عدمه لا شيء للعامل ولا عليه إن حصلت خسارة ، إلاّ أن يشترط المالك كونها بينهما على الأقوى من صحّة هذا الشرط(2) ، أو يشترط(3) العامل على المالك شيئاً إن لم يحصل ربح ، وربما يظهر من إطلاق بعضهم ثبوت اُجرة المثل مع عدم الربح ولا وجه له أصلاً ; لأنّ بناء المضاربة على عدم استحقاق العامل لشيء سوى الربح على فرض حصوله، كما في الجعالة .
[3437] الثانية : إذا كان الفسخ من العامل في الأثناء قبل حصول الربح فلا اُجرة له لما مضى من عمله ، واحتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام لا وجه له أصلاً ، وإن كان من المالك أو حصل الانفساخ القهري ففيه قولان ; أقواهما العدم أيضاً بعد كونه هو المقدّم على المعاملة الجائزة التي مقتضاها عدم استحقاق شيء إلاّ الربح ، ولاينفعه بعد ذلك كون إقدامه من حيث البناء على الاستمرار .
- (1) أي بعد قسمة البعض.
- (2) قد مرّ أنّ الأقوى هو البطلان، إلاّ إذا كان مرجع الشرط إلى لزوم التدارك من ماله.
- (3) بنحو شرط الفعل.
(الصفحة 562)
[3438] الثالثة : لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك وصرف جملة من رأس المال في نفقته ، فهل للمالك تضمينه مطلقاً ، أو إذا كان لا لعذر منه ؟ وجهان ، أقواهما العدم(1) ; لما ذكر من جواز المعاملة وجواز الفسخ في كلّ وقت ، فالمالك هو المقدم على ضرر نفسه .
[3439] الرابعة : لوحصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح وبالمال عروض لايجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك ببيع ونحوه ، وإن احتمل تحقّق الربح بهذا البيع ، بل وإن وجد زبون يمكن أن يزيد في الثمن فيحصل الربح . نعم ، لو كان هناك زبون بان على الشراء بأزيد من قيمته لايبعد جواز إجبار المالك على بيعه منه ; لأنّه في قوّة وجود الربح(2) فعلاً ، ولكنّه مشكل مع ذلك ; لأنّ المناط كون الشيء في حدّ نفسه زائد القيمة والمفروض عدمه ، وهل يجب عليه البيع والإنضاض إذا طلبه المالك أو لا ؟ قولان ، أقواهما(3) عدمه ، ودعوى أنّ مقتضى قوله (عليه السلام) :
«على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» وجوب ردّ المال إلى المالك كما كان ، كما ترى .
[3440] الخامسة : إذا حصل الفسخ أو الانفساخ بعد حصول الربح قبل تمام العمل أو بعده وبالمال عروض ، فإن رضيا بالقسمة كذلك فلا إشكال ، وإن طلب
- (1) فيه إشكال; لعدم وضوح شمول إطلاق النصّ لهذه الصورة، خصوصاً مع عدم العذر.
- (2) مقتضى التعليل حصول الشركة بمقدار حصّته، بناءً على حصولها في موارد ظهور الربح، كما هو المشهور ومختار الماتن (قدس سره)، وعليه فيجوز له بيع ذلك المقدار من دون مراجعة المالك، ولا وجه لجواز إجباره إلاّ أن يقال: إنّ المناط في حصول الشركة غير المناط في جواز الإجبار، وأنّه لابدّ في الأوّل من أن يكون الشيء في حدّ نفسه زائد القيمة، وفي الثاني وجود الراغب الباذل لأزيد منها، وعليه فلا يبقى مجال للإشكال، معلّلاً بعدم وجود المناط كما في المتن.
- (3) الأقوائية ممنوعة.
(الصفحة 563)
العامل بيعها فالظاهر عدم وجوب إجابته وإن احتمل ربح فيه ، خصوصاً إذا كان هو الفاسخ ، وإن طلبه المالك ففي وجوب إجابته وعدمه وجوه ، ثالثها التفصيل بين صورة كون مقدار رأس المال نقداً فلايجب ، وبين عدمه فيجب ; لأنّ اللازم تسليم مقدار رأس المال كما كان عملاً بقوله (عليه السلام) : «على اليد . . .». والأقوى(1) عدم الوجوب مطلقاً، وإن كان استقرار ملكيّة العامل للربح موقوفاً على الإنضاض ، ولعلّه يحصل الخسارة بالبيع إذ لا منافاة ، فنقول : لايجب عليه الإنضاض بعد الفسخ لعدم الدليل عليه ، لكن لو حصلت الخسارة بعده قبل القسمة بل أو بعدها(2) يجب جبرها بالربح ، حتّى أنّه لو أخذه يستردّ منه .
[3441] السادسة : لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها وجبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا ؟ وجهان ، أقواهما(3) العدم ، من غير فرق بين أن يكون الفسخ من العامل أو المالك .
[3442] السابعة : إذا مات المالك أو العامل قام وارثه مقامه فيما مرّ من الأحكام (4).
[3443] الثامنة : لايجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك وماله ، فلايجب(5) عليه الإيصال إليه . نعم ، لو أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك ولو كان بإذنه يمكن دعوى وجوب الردّ إلى بلده ، لكنّه مع ذلك
- (1) الأقوائية ممنوعة.
- (2) إلاّ إذا كانت في القسمة دلالة عرفيّة على الفسخ، فيحصل الاستقرار حينئذ كما عرفت في بعض الحواشي السابقة.
- (3) لا قوّة فيه، بل الأحوط لو لم يكن أقوى الوجوب، خصوصاً فيما إذا كان الفسخ من العامل.
- (4) إلاّ إذا كانت من الأحكام الثابتة عليه لا له، فإنّه حينئذ لا وجه للثبوت على الوارث.
- (5) والأحوط الإيصال خصوصاً لو كان في بلد آخر.
(الصفحة 564)
مشكل ، وقوله (عليه السلام) : «على اليد ما أخذت . . .» أيضاً لايدلّ على أزيد من التخلية ، وإذا احتاج الردّ إليه إلى الاُجرة فالاُجرة على المالك ، كما في سائر الأموال . نعم ، لو سافر به بدون إذن المالك إلى بلد آخر وحصل الفسخ فيه يكون حاله حال الغاصب في وجوب الردّ والاُجرة ، وإن كان ذلك منه للجهل بالحكم الشرعي من عدم جواز السفر بدون إذنه .
[3444] مسألة 47 : قد عرفت أنّ الربح وقاية لرأس المال ; من غير فرق بين أن يكون سابقاً على التلف أو الخسران أو لاحقاً ، فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق وبالعكس ، ثمّ لايلزم أن يكون الربح حاصلاً من مجموع رأس المال ، وكذا لايلزم أن تكون الخسارة واردة على المجموع ، فلو اتّجر بجميع رأس المال فخسر ثمّ اتّجر ببعض الباقي فربح يجبر ذلك الخسران بهذا الربح ، وكذا إذا اتّجر بالبعض فخسر ثمّ اتّجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح ، ولايلزم في الربح أو الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها ، فالربح مطلقاً جابر للخسارة والتلف مطلقاً مادام لم يتمّ عمل المضاربة . ثمّ إنّه يجوز للمالك أن يستردّ بعض مال المضاربة في الأثناء ، ولكن تبطل بالنسبة إليه ، وتبقى بالنسبة إلى البقيّة وتكون رأس المال .
وحينئذ فإذا فرضنا أنّه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقداراً من البقيّة ، ثمّ اتّجر العامل بالبقيّة أو ببعضها فحصل ربح يكون ذلك الربح جابراً(1) للخسران أو التلف السابق بتمامه ، مثلا إذا كان رأس المال مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقي تسعون ، ثمّ أخذ المالك من التسعين عشرة ، وبقيت ثمانون فرأس المال تسعون، وإذا اتّجر بالثمانين فصار تسعين ، فهذه العشرة
- (1) لا مجال للجبر بعد فرض بطلان المضاربة بالنسبة إلى المقدار الذي أخذه المالك، فإنّ مرجعه إلى استقرار الخسران والتلف بالإضافة إلى ذلك المقدار.