(الصفحة 572)
بتفريط أو بغيره أو ردّه على المالك ، فالظاهر عدم ضمانه وكون جميع تركته للورثة ، وإن كان لايخلو عن إشكال بمقتضى بعض الوجوه الآتية . وأمّا إذا علم ببقائه في يده إلى ما بعد الموت ولم يعلم أنّه موجود في تركته الموجودة أو لا ; بأن كان مدفوناً في مكان غير معلوم ، أو عند شخص آخر أمانة أو نحو ذلك ، أو علم بعدم وجوده في تركته مع العلم ببقائه في يده، بحيث لوكان حيّاً أمكنه الإيصال إلى المالك ، أو شكّ في بقائه في يده وعدمه أيضاً ، ففي ضمانه في هذه الصور الثلاث وعدمه خلاف وإشكال على اختلاف مراتبه ، وكلمات العلماء في المقام وأمثاله كالرهن والوديعة ونحوهما مختلفة ، والأقوى الضمان (1) في الصورتين الاُوليين ; لعموم قوله (عليه السلام) :
«على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» حيث إنّ الأظهر شموله للأمانات أيضاً .
ودعوى خروجها لأنّ المفروض عدم الضمان فيها ، مدفوعة بأنّ غاية ما يكون خروج بعض الصور منها ، كما إذا تلفت بلا تفريط أو ادّعى تلفها كذلك إذا حلف ، وأمّا صورة التفريط والإتلاف ودعوى الردّ في غير الوديعة ودعوى التلف والنكول عن الحلف فهي باقية تحت العموم . ودعوى أنّ الضمان في صورة التفريط والتعدّي من جهة الخروج عن كونها أمانة، أو من جهة الدليل الخارجي كما ترى لا داعي إليها ، ويمكن أن يتمسّك(2) بعموم ما دلّ على وجوب ردّ الأمانة ، بدعوى أنّ الردّ أعمّ من ردّ العين وردّ البدل ، واختصاصه بالأوّل ممنوع ، ألا ترى أنّه يفهم من قوله (عليه السلام) :
«المغصوب مردود» وجوب عوضه عند تلفه . هذا، مضافاً إلى خبر
- (1) بل الأقوى عدمه فيهما; لأنّ التمسّك بالعموم المذكور من مصاديق التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية وهو غير جائز، كما أنّ دعوى أنّ العلم الإجمالي بكون بعض ما كان في يده إلى موته مال الغير أسقط اعتبارها في جميع أطرافه بالنسبة إلى القدر المعلوم، يدفعها عدم تأثير العلم الإجمالي في المقام، كما لا يخفى.
- (2) يرد عليه ما يرد على التمسّك بالعموم المتقدّم.
(الصفحة 573)
السكوني(1)، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) أنّه كان يقول : «من يموت وعنده مال مضاربة قال : إن سمّـاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلان فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو اُسوة الغُرماء» .
وأمّا الصورة الثالثة فالضمان(2) فيها أيضاً لايخلو عن قوّة ; لأنّ الأصل بقاء يده عليه إلى ما بعد الموت واشتغال ذمّته بالردّ عند المطالبة ، وإذا لم يمكنه ذلك لموته يؤخذ من تركته بقيمته . ودعوى أنّ الأصل المذكور معارض بأصالة براءة ذمّته من العوض، والمرجع بعد التعارض قاعدة اليد المقتضية لملكيّته ، مدفوعة بأنّ الأصل الأوّل حاكم على الثاني . هذا، مع أنّه يمكن الخدشة في قاعدة اليد بأنّها مقتضية للملكيّة إذا كانت مختصّة ، وفي المقام كانت مشتركة(3) والأصل بقاؤها على الاشتراك ، بل في بعض الصور يمكن أن يقال : إنّ يده يد المالك من حيث كونه عاملاً له ، كما إذا لم يكن له شيء أصلاً فأخذ رأس المال وسافر للتجارة ولم يكن في يده سوى مال المضاربة ، فإذا مات يكون ما في يده بمنزلة ما في يد المالك ، وإن احتمل أن يكون قد تلف جميع ما عنده من ذلك المال وأنّه استفاد لنفسه ما هو الموجود في يده . وفي بعض الصور يده مشتركة بينه وبين المالك ، كما إذا سافر وعنده من مال المضاربة مقدار ومن ماله أيضاً مقدار . نعم، في بعض الصور لايعدّ يده مشتركة أيضاً ، فالتمسّك باليد بقول مطلق مشكل . ثمّ إنّ جميع ما ذكر إنّما هو إذا
- (1) يرد عليه ـ مضافاً إلى عدم تمامية السند ـ أنّ مورده ما إذا علم بوجود المال في التركة ولم يعلم عينه، فلا ارتباط له بالمقام.
- (2) بل الأقوى فيها أيضاً عدم الضمان; لأنّه إذا كانت اليد المتيقّنة غير مؤثّرة في الضمان، كما في الصورتين الأوّلتين، فاليد المستصحبة لا تؤثّر قطعاً.
- (3) دعوى الاشتراك في هذه الصورة، وكذا دعوى الاختصاص بالمالك في الصورة الآتية ممنوعتان.
(الصفحة 574)
لم يكن بترك التعيين عند ظهور أمارات الموت مفرّطاً ، وإلاّ فلا إشكال في ضمانه .
[3461] الثانية : ذكروا من شروط المضاربة التنجيز ، وأنّه لو علّقها على أمر متوقّع بطلت ، وكذا لو علّقها على أمر حاصل إذا لم يعلم بحصوله . نعم ، لو علّق التصرّف على أمر صحّ وإن كان متوقّع الحصول ، ولا دليل لهم على ذلك إلاّ دعوى الإجماع على أنّ أثر العقد لابدّ أن يكون حاصلاً من حين صدوره ، وهو إن صحّ إنّما يتمّ في التعليق على المتوقّع ، حيث إنّ الأثر متأخّر ، وأمّا التعليق على ما هو حاصل فلايستلزم التأخير ، بل في المتوقّع أيضاً إذا اُخذ على نحو الكشف بأن يكون المعلّق عليه وجوده الاستقبالي لايكون الأثر متأخّراً . نعم ، لو قام الإجماع على اعتبار العلم بتحقّق الأثر حين العقد تمّ في صورة الجهل ، لكنّه غير معلوم ، ثمّ على فرض البطلان لا مانع من جواز التصرّف ونفوذه من جهة الإذن ، لكن يستحقّ حينئذ اُجرة المثل لعمله ، إلاّ أن يكون الإذن مقيّداً بالصحّة فلايجوز التصرّف أيضاً .
[3462] الثالثة : قد مرّ اشتراط عدم الحجر بالفلس في المالك ، وأمّا العامل فلايشترط فيه ذلك ; لعدم منافاته لحقّ الغرماء . نعم ، بعد حصول الربح منع من التصرّف(1) إلاّ بالإذن من الغرماء ، بناءً على تعلّق الحجر بالمال الجديد .
[3463] الرابعة : تبطل المضاربة بعروض الموت كما مرّ، أو الجنون أو الإغماء ، كما مرّ في سائر(2) العقود الجائزة ، وظاهرهم عدم الفرق بين كون الجنون مطبقاً أو أدواريّاً ، وكذا في الإغماء بين قصر مدّته وطولها ، فإن كان إجماعاً ، وإلاّ فيمكن أن يقال بعدم البطلان في الأدواري والإغماء القصير المدّة ، فغاية الأمر عدم نفوذ التصرّف حال حصولهما ، وأمّا بعد الإفاقة فيجوز من دون حاجة إلى تجديد العقد ،
- (1) فيه إشكال. نعم، بعد تماميّة العمل وبقاء الربح ينكشف تعلّق حقّ الغرماء به.
- (2) أي كما في سائر العقود الجائزة.
(الصفحة 575)
سواء كانا في المالك أو العامل ، وكذا تبطل(1) بعروض السفه لأحدهما أوالحجر للفلس في المالك أو العامل أيضاً إذا كان بعد حصول الربح إلاّ مع إجازة الغرماء .
[3464] الخامسة : إذا ضارب المالك في مرض الموت صحّ ، وملك العامل الحصّة وإن كانت أزيد من اُجرة المثل على الأقوى من كون منجّزات المريض من الأصل ، بل وكذلك على القول بأنّها من الثلث ; لأنّه ليس مفوّتاً لشيء على الوارث ; إذ الربح أمر معدوم وليس مالاً موجوداً للمالك، وإنّما حصل بسعي العامل .
[3465] السادسة : إذا تبيّن كون رأس المال لغير المضارب، سواء كان غاصباً أو جاهلاً بكونه ليس له ، فإن تلف في يد العامل أو حصل خسران (2) فلمالكه الرجوع على كلّ منهما ، فإن رجع على المضارب لم يرجع على العامل (3)، وإن رجع على العامل رجع إذا كان جاهلاً على المضارب وإن كان جاهلاً أيضاً ; لأنّه مغرور(4) من قبله . وإن حصل ربح كان للمالك إذا أجاز المعاملات الواقعة على ماله ، وللعامل اُجرة المثل على المضارب مع جهله ، والظاهر عدم استحقاقه الاُجرة عليه مع عدم حصول الربح ; لأنّه أقدم على عدم شيء له مع عدم حصوله ، كما أنّه لايرجع عليه إذا كان عالماً بأنّه ليس له ; لكونه متبرّعاً بعمله حينئذ .
[3466] السابعة : يجوز اشتراط المضاربة في ضمن عقد لازم ، فيجب على
- (1) تقدّم أنّ المعتبر في صحّتها عدم السفه من المالك فقط، وكذا بالإضافة إلى الحجر للفلس، فعروضهما للعامل لا يوجب البطلان. نعم، بعد حصول الربح لا ينفذ تصرّفه فيه من دون إجازة الغرماء.
- (2) التشريك بين الخسران والتلف في الحكم غير وجيه، فإنّه في صورة الخسران يكون مخيّراً بين ردّ المعاملة التي حصل فيها الخسران، فيرجع بالعين مع بقائها وتمام البدل مع تلفها، وبين إمضائها فلا رجوع له بشيء على أحد.
- (3) إذا كان مغروراً من قبله.
- (4) تحقّق الغرور مع جهل المضارب محلّ تأمّل وإشكال.
(الصفحة 576)
المشروط عليه إيقاع عقدها مع الشارط ، ولكن لكلّ(1) منهما فسخه بعده ، والظاهر أنّه يجوز اشتراط عمل المضاربة على العامل; بأن يشترط عليه أن يتّجر بمقدار كذا من ماله إلى زمان كذا على أن يكون الربح بينهما ; نظير شرط كونه وكيلاً في كذا في عقد لازم ، وحينئذ لايجوز للمشروط عليه فسخها كما في الوكالة .
[3467] الثامنة : يجوز إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة ; كأن يقول : إذا اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه ، فيكون جعالة تفيد فائدة المضاربة، ولايلزم أن يكون جامعاً لشروط المضاربة ، فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين أو ديناً، أو مجهولاً جهالة لاتوجب الغرر ، وكذا في المضاربة(2) المشروطة في ضمن عقد بنحو شرط النتيجة ، فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين .
[3468] التاسعة : يجوز للأب والجدّ الاتّجار بمال المولّى عليه بنحو المضاربة بإيقاع عقدها ، بل مع عدمه أيضاً ; بأن يكون بمجرّد الإذن(3) منهما ، وكذا يجوز لهما المضاربة بماله مع الغير على أن يكون الربح مشتركاً بينه وبين العامل ، وكذا يجوز ذلك للوصيّ في مال الصغير مع ملاحظة الغبطة والمصلحة والأمن من هلاك المال .
[3469] العاشرة : يجوز للأب والجدّ الإيصاء بالمضاربة بمال المولّى عليه بإيقاع الوصيّ عقدها لنفسه أو لغيره مع تعيين الحصّة من الربح أو إيكاله إليه ، وكذا يجوز لهما الإيصاء بالمضاربة في حصّة القصير من تركتهما بأحد الوجهين ، كما أنّه يجوز
- (1) إذا كان الغرض متعلّقاً بنفس إيقاع المضاربة كما قد يتّفق، ولكن المقصود للعقلاء نوعاً هو الفرض الثاني، وهو وإن كان صحيحاً إلاّ أنّ ترتّب آثار المضاربة عليه واعتبار ما يعتبر فيها فيه ممنوع، كما سيصرّح به في المسألة الآتية.
- (2) أي عمل المضاربة لا عنوانها.
- (3) في العبارة مسامحة، والظاهر أنّ المراد بالإذن هو القصد، ومرجعه إلى عدم لزوم إيقاع العقد وكفاية النيّة فقط.