(الصفحة 577)
ذلك لكلّ منهما بالنسبة إلى الثلث المعزول لنفسه ; بأن يتّجر الوصيّ به أو يدفعه إلى غيره مضاربة ويصرف حصّة الميّت في المصارف المعيّنة للثلث ، بل وكذا يجوز الإيصاء(1) منهما بالنسبة إلى حصّة الكبار أيضاً ، ولايضرّ كونه ضرراً عليهم من حيث تعطيل مالهم إلى مدّة ; لأنّه منجبر بكون الاختيار لهم في فسخ المضاربة وإجازتها ، كما أنّ الحال كذلك بالنسبة إلى ما بعد البلوغ في القصير ، فإنّ له أن يفسخ أو يجيز . وكذا يجوز لهما الإيصاء بالاتّجار بمال القصير على نحو المضاربة ; بأن يكون هو الموصى به لا إيقاع عقد المضاربة ، لكن إلى زمان البلوغ أو أقلّ ، وأمّا إذا جعل المدّة أزيد فيحتاج إلى الإجازة(2) بالنسبة إلى الزائد .
ودعوى عدم صحّة هذا النحو من الإيصاء ; لأنّ الصغير لامال له حينه وإنّما ينتقل إليه بعد الموت، ولا دليل على صحّة الوصيّة العقديّة في غير التمليك ، فلايصحّ أن يكون إيجاب المضاربة على نحو إيجاب التمليك بعد الموت ، مدفوعة بالمنع ، مع أنّه الظاهر من خبر خالد بن بكر الطويل في قضيّة ابن أبي ليلى وموثّق محمّد بن مسلم المذكورين في باب الوصيّة ، وأمّا بالنسبة إلى الكبار من الورثة فلايجوز بهذا النحو ; لوجوب العمل بالوصيّة وهو الاتّجار ، فيكون ضرراً عليهم من حيث تعطيل حقّهم من الإرث وإن كان لهم حصّتهم من الربح ، خصوصاً إذا جعل حصّتهم أقلّ من المتعارف .
[3470] الحادية عشرة : إذا تلف المال في يد العامل بعد موت المالك من غير تقصير ، فالظاهر عدم ضمانه ، وكذا إذا تلف بعد انفساخها بوجه آخر .
[3471] الثانية عشرة : إذا كان رأس المال مشتركاً بين اثنين فضاربا واحداً ، ثمّ فسخ أحد الشريكين هل تبقى بالنسبة إلى حصّة الآخر أو تنفسخ من الأصل ؟
- (1) فيه إشكال بل منع، وكذا في الفرض الآتي.
- (2) بل في كفاية الإجازة من دون إيقاع عقد المضاربة إشكال.
(الصفحة 578)
وجهان أقربهما (1) الانفساخ . نعم ، لو كان مال كلّ منهما متميّزاً وكان العقد واحداً لايبعد بقاء العقد بالنسبة إلى الآخر .
[3472] الثالثة عشرة : إذا أخذ العامل مال المضاربة وترك التجارة به إلى سنة مثلا ، فإن تلف ضمن ، ولايستحقّ المالك عليه غير أصل المال، وإن كان آثماً في تعطيل مال الغير .
[3473] الرابعة عشرة : إذا اشترط العامل على المالك عدم كون الربح جابراً للخسران مطلقاً فكلّ ربح حصل يكون بينهما. وإن حصل خسران بعده أو قبله ، أو اشترط أن لايكون الربح اللاحق جابراً للخسران السابق أو بالعكس فالظاهر الصحّة ، وربما يستشكل بأنّه خلاف وضع المضاربة وهو(2) كما ترى .
[3474] الخامسة عشرة : لو خالف العامل المالك فيما عيّنه جهلاً أو نسياناً أو اشتباهاً ، كما لو قال : لا تشتر الجنس الفلاني أو من الشخص الفلاني مثلا ، فاشتراه جهلاً فالشراء فضولي(3) موقوف على إجازة المالك ، وكذا لو عمل بما ينصرف إطلاقه إلى غيره ، فإنّه بمنزلة النهي عنه، ولعلّ منه ما ذكرنا سابقاً من شراء من ينعتق على المالك مع جهله بكونه كذلك ، وكذا الحال إذا كان مخطئاً في طريقة التجارة ; بأن اشترى ما لا مصلحة في شرائه عند أرباب المعاملة في ذلك الوقت، بحيث لوعرض على التجّار حكموا بخطائه .
- (1) وجه الأقربية غير واضح.
- (2) بل هو في محلّه، بل لا يبعد البطلان فيما هو المفروض من وحدة المضاربة.
- (3) والاستشكال في ذلك نظراً إلى إطلاق جملة من النصوص الواردة في بيان حكم مخالفة العامل لما عيّن له، الدالّة على كون الربح بينهما والوضيعة على العامل، وشمولها للمقام وعدم اختصاصها بخصوص المخالفة العمديّة لعلّه في غير محلّه; لعدم ثبوت الإطلاق لها بحيث يشمل ما هنا.
(الصفحة 579)
[3475] السادسة عشرة : إذا تعدّد العامل ، كأن ضارب اثنين بمائة مثلا بنصف الربح بينهما متساوياً أو متفاضلاً ، فإمّا أن يميّز حصّة كلّ منهما من رأس المال; كأن يقول : على أن يكون لكلّ منه نصفه ، وإمّا لايميّز ، فعلى الأوّل الظاهر عدم اشتراكهما في الربح والخسران والجبر إلاّ مع الشرط(1) ; لأنّه بمنزلة تعدّد العقد ، وعلى الثاني يشتركان فيها ، وإن اقتسما بينهما فأخذ كلّ منهما مقداراً منه ، إلاّ أن يشترطا عدم الاشتراك فيها ، فلو عمل أحدهما وربح وعمل الآخر ولم يربح أو خسر يشتركان في ذلك الربح ويجبر به خسران الآخر ، بل لو عمل أحدهما وربح ولم يشرع الآخر بعد في العمل فانفسخت المضاربة يكون الآخر شريكاً وإن لم يصدر(2) منه عمل ; لأنّه مقتضى الاشتراك في المعاملة ، ولايعدّ هذا من شركة الأعمال كما قد يقال ، فهو نظير ما إذا آجرا نفسهما لعمل بالشركة ، فهو داخل في عنوان المضاربة لا الشركة ، كما أنّ النظير داخل في عنوان الإجارة .
[3476] السابعة عشرة : إذا أذن المالك للعامل في البيع والشراء نسيئة ، فاشترى نسيئة وباع كذلك ، فهلك المال فالدين في ذمّة المالك ، وللديّان إذا علم بالحال أو تبيّن له بعد ذلك الرجوع على كلّ منهما ، فإن رجع على العامل وأخذ منه رجع هو على المالك . ودعوى أنّه مع العلم من الأوّل ليس له الرجوع على العامل لعلمه بعدم اشتغال ذمّته ، مدفوعة بأنّ مقتضى المعاملة ذلك خصوصاً في المضاربة ، وسيّما إذا علم أنّه عامل يشتري للغير ، ولكن لم يعرف ذلك الغير أنّه من هو ومن أيّ بلد ، ولو لم يتبيّن للديّان أنّ الشراء للغير يتعيّن له الرجوع على العامل في الظاهر ويرجع هو على المالك .
- (1) بل ومع الشرط أيضاً، إلاّ أن يرجع إلى شرط الإعطاء أو الجبران، وكذا في الفرض الآتي، فإنّ صحّة الشرط فيه أيضاً محلّ إشكال بل منع.
- (2) لعدم مجيء وقته، وإلاّ فمحلّ إشكال.
(الصفحة 580)
[3477] الثامنة عشرة : يكره المضاربة مع الذمّي، خصوصاً إذا كان هو العامل ; لقوله (عليه السلام) : «لاينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمّي ولايبضعه بضاعة ولايودعه وديعة ولايصافيه المودّة». وقوله (عليه السلام) : «إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلاّ أن تكون تجارة حاضرة لايغيب عنها المسلم». ويمكن أن يستفاد من هذا الخبر كراهة مضاربة من لايؤمن منه في معاملاته من الاحتراز عن الحرام .
[3478] التاسعة عشرة : الظاهر صحّة المضاربة على مائة دينار مثلا كلّياً ، فلايشترط كون مال المضاربة عيناً شخصيّة ، فيجوز إيقاعهما العقد على كلّي ثمّ تعيينه في فرد ، والقول بالمنع لأنّ القدر المتيقّن العين الخارجي من النقدين ضعيف ، وأضعف منه احتمال المنع حتّى في الكلّي في المعيّن ; إذ يكفي في الصحّة العمومات .
[3479] متمّم العشرين : لو ضاربه على ألف مثلا فدفع إليه نصفه فعامل به ثمّ دفع إليه النصف الآخر ، فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر ; لأنّه مضاربة واحدة . وأمّا لو ضاربه على خمسمائة فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة زاده ودفع خمسمائة اُخرى ، فالظاهر عدم جبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى ; لأنّهما في قوّة مضاربتين . نعم ، بعد المزج والتجارة بالمجموع يكونان واحدة .
(الصفحة 581)
فصل
في أحكام الشركة
وهي عبارة عن كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، ملكاً أو حقّاً ، وهي إمّا واقعيّة قهريّة ، كما في المال أو الحقّ الموروث ، وإمّا واقعيّة اختياريّة من غير استناد إلى عقد، كما إذا أحيا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك أو حفرا بئراً أو اغترفا ماءً أو اقتلعا شجراً . وإمّا ظاهريّة قهريّة، كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل أجنبيّ بحيث لايتميّز أحدهما (1) من الآخر ، سواء كانا من جنس واحد كمزج حنطة بحنطة، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخلّ بالدبس . وإمّا ظاهريّة اختياريّة، كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة ، فإنّ مال كلّ منهما في الواقع ممتاز عن الآخر ، ولذا لو فرض تمييزهما اختصّ كلّ منهما بماله . وأمّا الاختلاط مع التميّز فلايوجب الشركة ولو ظاهراً ، إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهري أو القرعة . وإمّا واقعيّة مستندة إلى عقد غير عقد الشركة، كما إذا ملكا شيئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها . وإمّا واقعيّة منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله، كما إذا اشترى شيئاً فطلب منه شخص أن يشركه فيه، ويسمّى عندهم بالتشريك، وهوصحيح لجملة من الأخبار.
- (1) إن كان عدم التميّز بنحو لا يرى العرف وجوده واقعاً فالشركة واقعيّة، كما في امتزاج المايعين المتماثلين، بل غير المتماثلين، كما في امتزاج الماء مع الجلاّب، وإلاّ فلا معنى للشركة الظاهرية، بل اللازم الرجوع إلى الصلح أو القرعة، كما في اختلاط الجوز بالجوز والدراهم والدنانير بمثلهما.