(الصفحة 597)
المسمّـاة من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة ، أو ضمانه بمقدار تلك الحصّة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث ومن قيمة عمل الزارع ، أو الفرق بين ما إذا اطّلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة; لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن، وبين صورة عدم اطّلاعه إلى أن فات وقت الزرع فيضمن وجوه ، وبعضها أقوال ، فظاهر بل صريح جماعة الأوّل(1) . بل قال بعضهم : يضمن النقص الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص ، واستظهر بعضهم الثاني ، وربما يستقرب الثالث ، ويمكن القول بالرابع ، والأوجه الخامس ، وأضعفها السادس .
ثمّ هذا كلّه إذا لم يكن الترك بسبب عذر عامّ ، وإلاّ فيكشف عن بطلان المعاملة . ولو انعكس المطلب; بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد فللعامل الفسخ ، ومع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصّته من منفعة الأرض أو ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين ، أو التفصيل بين صورة العذر وعدمه ، أو عدم الضمان حتّى لو قلنا به في الفرض الأوّل بدعوى الفرق بينهما، وجوه(2) .
[3500] مسألة 8 : إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم يمكن الاسترداد منه ، فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخيّر بين الفسخ وعدمه ، وإن كان بعده لم يكن له الفسخ ، وهل يضمن (3) الغاصب تمام منفعة
- (1) وهو الأقرب فيما هو المفروض من تسليم الأرض إليه، الظاهر في كونها تحت يد العامل واستيلائه في تلك المدّة، بل الظاهر ضمان النقص الحاصل بسبب ترك الزرع أيضاً.
- (2) والأخير أوجه.
- (3) أي مع عدم الفسخ، سواء كان ذلك لأجل عدم ثبوت حقّه له كما في الفرض الثاني، أو لأجل عدم اختياره إيّاه كما في أحد الشقّين من الفرض الأوّل.
(الصفحة 598)
الأرض في تلك المدّة للمالك فقط ، أو يضمن له بمقدار حصّته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض، ويضمن له أيضاً مقدار قيمة حصّته من عمل العامل حيث فوّته عليه ، ويضمن للعامل أيضاً مقدار حصّته من منفعة الأرض ؟ وجهان(1) ، ويحتمل ضمانه لكلّ منهما ما يعادل حصّته من الحاصل بحسب التخمين .
[3501] مسألة 9 : إذا عيّن المالك نوعاً من الزرع من حنطة أو شعير أو غيرهما تعيّن ولم يجز للزارع التعدّي عنه ، ولو تعدّى إلى غيره ذهب بعضهم إلى أنّه إن كان ما زرع أضرّ ممّا عيّنه المالك كان المالك مخيّراً بين الفسخ وأخذ اُجرة المثل للأرض ، والإمضاء وأخذ الحصّة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضرّ ، وإن كان أقلّ ضرراً لزم وأخذ الحصّة منه . وقال بعضهم: يتعيّن أخذ اُجرة المثل للأرض مطلقاً ; لأنّ ما زرع غير ما وقع عليه العقد ، فلايجوز أخذ الحصّة منه مطلقاً ، والأقوى(2) أنّه إن علم أنّ المقصود مطلق الزرع، وأنّ الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة الأرض وترك ما يوجب ضرراً فيها ، يمكن أن يقال : إنّ الأمر كما ذكر ; من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ، وتعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضرراً ، لكن التحقيق مع ذلك خلافه .
وإن كان التعيين لغرض متعلّق بالنوع الخاصّ لا لأجل قلّة الضرر وكثرته ،
- (1) لا يبعد أقربية الوجه الأوّل.
- (2) والظاهر بعد كون المفروض هو صورة علم المالك بعد بلوغ الحاصل هو التفصيل من أوّل الأمر بين كون التعيين على وجه الشرطية، أو على نحو القيدية، ففي الأوّل يتخيّر المالك بين أخذ اُجرة مثل المنفعة الفائتة من الأرض، وأخذ حصّته من الحاصل فيما إذا كان البذر من العامل، وفي الثاني يتعيّن له أخذ اُجرة مثل الأرض. نعم، لو صارت ناقصة بواسطة زرع غير ما هو المعيّن يثبت له أرش النقص على الزارع أيضاً، وأمّا ما يستفاد من المتن من فرض صورة ثالثة خارجة عن صورتي الاشتراط والتقييد، فيدفعه أنّ تلك الصورة ترجع لا محالة إلى إحدى الصورتين.
(الصفحة 599)
فإمّا أن يكون التعيين على وجه التقييد والعنوانيّة ، أو يكون على وجه تعدّد المطلوب والشرطيّة ، فعلى الأوّل إذا خالف ما عيّن فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلاً حتّى انقضت المدّة ، فيجري فيه الوجوه الستّة المتقدّمة في تلك المسألة ، وأمّا بالنسبة إلى الزرع الموجود ، فإن كان البذر من المالك فهو له ، ويستحقّ العامل اُجرة عمله على إشكال في صورة علمه(1) بالتعيين وتعمّده الخلاف ; لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله ، وإن كان البذر للعامل كان الزرع له ، ويستحقّ المالك عليه اُجرة الأرض مضافاً إلى ما استحقّه من بعض الوجوه المتقدّمة ، ولايضرّ استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه مرّتين على ما بيّنا في محلّه ; لأنّه من جهتين(2). وقد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة أيضاً .
وعلى الثاني يكون المالك مخيّراً بين أن يفسخ المعاملة لتخلّف شرطه ، فيأخذ اُجرة المثل للأرض، وحال الزرع الموجود حينئذ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر، وبين أن لايفسخ ويأخذ حصّته من الزرع الموجود بإسقاط حقّ شرطه، وبين أن لايفسخ ولكن لايسقط حقّ شرطه أيضاً ، بل يغرم العامل على بعض الوجوه الستّة المتقدّمة ، ويكون(3) حال الزرع الموجود كما مرّ من كونه لمالك البذر .
[3502] مسألة 10 : لو زارع على أرض لاماء لها فعلاً لكن أمكن تحصيله بعلاج
- (1) بل مطلقاً.
- (2) الظاهر عدم تعدّد الجهة هنا وثبوت اُجرة المثل فقط.
- (3) مع فرض عدم الفسخ لا وجه لاختصاص الزرع الموجود بمالك البذر، بل يكون مشتركاً بينهما على ما شرط; لفرض عدم الفسخ وعدم تقيّد متعلّقه بمفاده، وأمّا التغريم فالظاهر أيضاً عدم ثبوت الوجه له، خصوصاً على ما يستفاد من العبارة من كونه ناشئاً عن ترك الزرع الخاصّ، لا إيجاد زرع آخر حتّى يمكن أن يقال إنّه على ثبوت التفاوت بين الزرعين.
(الصفحة 600)
من حفر ساقية أو بئر أو نحو ذلك ، فإن كان الزارع عالماً بالحال صحّ ولزم ، وإن كان جاهلاً كان له خيار الفسخ ، وكذا لو كان الماء مستولياً عليها وأمكن قطعه عنها، وأمّا لو لم يمكن التحصيل في الصورة الاُولى أو القطع في الثانية كان باطلاً ، سواء كان الزارع عالماً أو جاهلاً . وكذا لو انقطع في الأثناء ولم يمكن تحصيله أو استولى عليها ولم يمكن قطعه ، وربما يقال بالصحّة مع علمه بالحال ، ولاوجه له وإن أمكن الانتفاع بها بغير الزرع ; لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع . نعم ، لو استأجر أرضاً للزراعة مع علمه بعدم الماء وعدم إمكان تحصيله أمكن الصحّة ; لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع إلاّ أن يكون على وجه التقييد ، فيكون باطلاً أيضاً .
[3503] مسألة 11 : لا فرق في صحّة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما ، ولابدّ من تعيين ذلك إلاّ أن يكون هناك معتاد ينصرف إليه الإطلاق . وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصّة بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل ، وكذا لايلزم أن يكون تمام العمل على العامل ، فيجوز كونه عليهما ، وكذا الحال في سائر المصارف . وبالجملة هنا اُمور أربعة : الأرض والبذر والعمل والعوامل ، فيصحّ أن يكون من أحدهما أحد هذه ومن الآخر البقيّة، ويجوز أن يكون من كلّ منهما اثنان منها ، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض أحدها ومن الآخر البقيّة ، كما يجوز الاشتراك في الكلّ ، فهي على حسب ما يشترطان ، ولايلزم على من عليه البذر دفع عينه ، فيجوز له دفع قيمته ، وكذا بالنسبة إلى العوامل ، كما لايلزم مباشرة العامل بنفسه ، فيجوز له أخذ الأجير على العمل إلاّ مع الشرط .
[3504] مسألة 12 : الأقوى جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين ; بأن تكون الأرض من واحد، والبذر من آخر، والعمل من ثالث، والعوامل من رابع ، بل يجوز
(الصفحة 601)
أن يكون بين أزيد من ذلك; كأن يكون بعض البذر من واحد وبعضه الآخر من آخر ، وهكذا بالنسبة إلى العمل والعوامل ; لصدق المزارعة وشمول الإطلاقات ، بل يكفي العمومات العامّة ، فلا وجه لما في «المسالك» من تقوية عدم الصحّة بدعوى أنّها على خلاف الأصل، فتتوقّف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه ذلك . ودعوى أنّ العقد لابدّ أن يكون بين طرفين موجب وقابل ، فلايجوز تركّبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركاناً له ، مدفوعة بالمنع ، فإنّه أوّل الدعوى .
[3505] مسألة 13 : يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته أو يزارعه في حصّته ، من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك، ولايشترط فيه إذنه . نعم ، لايجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلاّ بإذنه وإلاّ كان ضامناً ، كما هو كذلك في الإجارة أيضاً ، والظاهر(1) جواز نقل مزارعته إلى الغير بحيث يكون كأنّه هو الطرف للمالك بصلح ونحوه بعوض ولو من خارج أو بلا عوض ، كما يجوز نقل حصّته إلى الغير ، سواء كان ذلك قبل(2) ظهور الحاصل أو بعده ، كلّ ذلك لأنّ عقد
- (1) إن كان المراد من نقل مزارعته إلى الغير هو إيقاع عقد مزارعة آخر معه يكون العامل فيه بمنزلة المالك في الأوّل. غاية الأمر أنّ الفرق بينه وبين الفرض المتقدّم أنّه هناك يكون العامل الثاني طرفاً للعامل الأوّل، وهنا يكون كأنّه الطرف للمالك، فالظاهر عدم الجواز; لافتقار ذلك إلى فسخ المزارعة الأولى وإيجاد مزارعة جديدة، ومع فرض الفسخ يكون العامل الأوّل أجنبيّاً محضاً. وإن كان المراد نقل حصّته وسهمه إلى الغير بصلح ونحوه بعوض أو بدونه، فهو وإن كان جائزاً إلاّ أنّه لا يصير العامل الثاني بذلك كأنّه هو الطرف للمالك، بل الطرف له هو الأوّل، ويجب عليه القيام بأمر الزراعة ولو من دون مباشرة، مضافاً إلى أنّه لا يبقى الفرق حينئذ بين هذا الفرض والفرض الآتي.
- (2) في صحّة نقل الحصّة قبل ظهور الحاصل إشكال، والتعليل بأنّ عقد المزارعة موجب لنقل منفعة الأرض ـ نصفاً أو مثله ـ عليل، فإنّه لا يقتضي أزيد من ثبوت حقّ الانتفاع بالزرع من الأرض، وليست المزارعة كإجارة الأرض، كماسيأتي في المسألة الخامسة عشرة.