(الصفحة 644)
للمضمون له فسخه والرجوع على المضمون عنه ، لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره ، بخلاف ما لو كان معسراً حين الضمان وكان جاهلاً بإعساره ، ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، ويستفاد من بعض الأخبار أيضاً ، والمدار كما أشرنا إليه في الإعسار واليسار على حال الضمان ، فلو كان موسراً ثمّ أعسر لايجوز له الفسخ ، كما أنّه لو كان معسراً ثمّ أيسر يبقى الخيار(1) ، والظاهر عدم الفرق في ثبوت الخيار مع الجهل بالإعسار بين كون المضمون عنه أيضاً معسراً أو لا ، وهل يلحق بالإعسار تبيّن كونه مماطلاً مع يساره في ثبوت الخيار أو لا ؟ وجهان(2) .
[3572] مسألة 5 : يجوز(3) اشتراط الخيار في الضمان للضامن والمضمون له ; لعموم أدلّة الشروط ، والظاهر جواز اشتراط شيء لكلّ منهما ، كما إذا قال الضامن : أنا ضامن بشرط(4) أن تخيط لي ثوباً ، أو قال المضمون له : أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا ، ومع التخلّف يثبت للشارط خيار تخلّف الشرط .
[3573] مسألة 6 : إذا تبيّن كون الضامن مملوكاً وضمن من غير إذن مولاه، أو بإذنه وقلنا : إنّه يتبع بما ضمن بعد العتق لايبعد ثبوت الخيار للمضمون له .
[3574] مسألة 7 : يجوز ضمان الدين الحالّ حالاّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان المؤجّل حالاّ ومؤجّلاً بمثل ذلك الأجل أو أزيد أو أنقص ، والقول بعدم صحّة الضمان إلاّ مؤجّلاً وأنّه يعتبر فيه الأجل كالسلم ضعيف ، كالقول بعدم صحّة ضمان الدين
- (1) إلاّ إذا كان العلم بالإعسار بعد حدوث اليسار، ففيه يكون بقاء الخيار محلّ تأمّل وارتياب.
- (2) أظهرهما العدم.
- (3) على إشكال فيه وفي ثبوت الخيار عند تخلّف الشرط.
- (4) أي مع شرط.
(الصفحة 645)
المؤجّل حالاّ أو بأنقص ، ودعوى أنّه من ضمان ما لم يجب كما ترى .
[3575] مسألة 8 : إذا ضمن الدين الحالّ مؤجّلاً بإذن المضمون عنه فالأجل للضمان لا للدين ، فلو أسقط الضامن أجله وأدّى الدين قبل الأجل يجوز له الرجوع على المضمون عنه ; لأنّ الذي عليه كان حالاّ ولم يصر مؤجّلاً بتأجيل الضمان ، وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحلّ ما عليه وأخذ من تركته يجوز لوارثه الرجوع على المضمون عنه ، واحتمال صيرورة أصل الدين مؤجّلاً حتّى بالنسبة إلى المضمون عنه ضعيف .
[3576] مسألة 9 : إذا كان الدين مؤجّلاً فضمنه الضامن كذلك ، فمات وحلّ ما عليه وأخذ من تركته ليس لوارثه الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل أصل الدين ; لأنّ الحلول على الضامن بموته لايستلزم الحلول على المضمون عنه ، وكذا لو أسقط أجله وأدّى الدين قبل الأجل لايجوز له الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد انقضاء الأجل .
[3577] مسألة 10 : إذا ضمن الدين المؤجّل حالاّ بإذن المضمون عنه ، فإن فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك، وإلاّ فلا يجوز إلاّ بعد انقضاء الأجل ، والإذن في الضمان(1) أعمّ من كونه حالاّ .
[3578] مسألة 11 : إذا ضمن الدين المؤجّل بأقلّ من أجله وأدّاه ليس له الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد(2) انقضاء أجله ، وإذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد وأدّاه جاز له الرجوع عليه، على ما مرّ من أنّ أجل الضمان لايوجب صيرورة أصل الدين مؤجّلاً ، وكذا إذا مات بعد انقضاء أجل الدين قبل انقضاء
- (1) لعلّ المراد به أنّ الإذن في الضمان حالاًّ أعمّ من الرجوع عليه في الحال، ولا يبعد أن يقال بكفاية الإذن الصريح في الضمان حالاّ في جواز الرجوع عليه كذلك.
- (2) أو تصريحه بالإذن في الضمان كذلك، على ما ذكرناه في الحاشية السابقة.
(الصفحة 646)
الزائد فأخذ من تركته ، فإنّه يرجع على المضمون عنه .
[3579] مسألة 12 : إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمّته ولم يكن له الرجوع عليه وإن كان أداؤه بإذنه أو أمره ، إلاّ أن يأذن له في الأداء عنه تبرّعاً منه في وفاء دينه; كأن يقول : أدّ ما ضمنت عنّي وارجع به عليّ ، على إشكال في هذه الصورة أيضاً ; من حيث إنّ مرجعه حينئذ إلى الوعد الذي لايلزم الوفاء به ، وإذا ضمن بإذنه فله الرجوع عليه بعد الأداء وإن لم يكن بإذنه ; لأنّه بمجرّد الإذن في الضمان اشتغلت ذمّته من غير توقّف على شيء . نعم ، لو أذن له في الضمان تبرّعاً فضمن ليس له الرجوع عليه ; لأنّ الإذن على هذا الوجه كلا إذن .
[3580] مسألة 13 : ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه في صورة الإذن ، إلاّ بعد أداء مال الضمان على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، وإنّما يرجع عليه بمقدار ما أدّى ، فليس له المطالبة قبله ; إمّا لأنّ ذمّة الضامن وإن اشتغلت حين الضمان بمجرّده إلاّ أنّ ذمّة المضمون عنه لا تشتغل إلاّ بعد الأداء وبمقداره ، وإمّا لأنّها تشتغل حين الضمان لكن بشرط الأداء ، فالأداء على هذا كاشف عن الاشتغال من حينه ، وإمّا لأنّها وإن اشتغلت بمجرّد الضمان إلاّ أنّ جواز المطالبة مشروط بالأداء ، وظاهرهم هو الوجه الأوّل ، وعلى أيّ حال لا خلاف في أصل الحكم وإن كان مقتضى القاعدة (1) جواز المطالبة واشتغال ذمّته من حين الضمان في قبال اشتغال
- (1) الظاهر أنّ الأوفق بالقاعدة ولو من جهة الأصل وعدم الدليل على خلافه هو الوجه الأوّل، فإنّ عقد الضمان لا يؤثّر إلاّ في ثبوت الاشتغال للضامن، وانتقال ما في ذمّة المضمون عنه إليه، وليس فيه من اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن عين ولا أثر، وليس له الرجوع عليه من دون الإذن في الضمان، فالاشتغال إنّما هو في صورة الإذن، وحيث لا دليل على ثبوته بمجرّد الضمان فمقتضى الاستصحاب عدم حدوثه إلاّ بعد الأداء; لأنّه لا إشكال نصّاً وفتوى في ثبوته بعده.
- ثمّ لو فرضنا أنّ مقتضى القاعدة ما أفاده الماتن (قدس سره)فثبوت الإجماع والخبر على خلافه ممنوع. أمّا الأوّل; فلأنّه حكم الشيخ (قدس سره) وبعض آخر بأنّه يجوز للضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه من الدين وإن لم يطالبه المضمون له، وذلك ظاهر في ثبوت الاشتغال قبل الأداء ومطالبة المضمون له. ودعوى أنّ الحكم بجواز المطالبة بذلك غير الحكم باشتغال ذمّة المضمون عنه واضحة الفساد، فإنّه كيف يعقل جواز المطالبة منه مع عدم اشتغال ذمّته بشيء. وأمّا الثاني; فلأنّه لا منافاة بين كون الاشتغال من حين الضمان، وبين عدم جواز الرجوع إلاّ بالمقدار الذي صولح الضامن عمّا ضمنه بذلك المقدار. غاية الأمر أنّه لو كانت المصالحة بعد أخذ مال الضمان يجب عليه ردّ الزائد.
(الصفحة 647)
ذمّة الضامن ، سواء أدّى أو لم يؤدّ ، فالحكم المذكور على خلاف القاعدة ثبت بالإجماع وخصوص الخبر : عن رجل ضمن ضماناً ثمّ صالح عليه، قال :
«ليس له إلاّ الذي صالح عليه» بدعوى الاستفادة منه أن ليس للضامن إلاّ ما خسر .
ويتفرّع على ما ذكروه أنّ المضمون له لو أبرأ ذمّة الضامن عن تمام الدين ليس له الرجوع على المضمون عنه أصلاً ، وإن أبرأه من البعض ليس له الرجوع بمقداره ، وكذا لو صالح معه بالأقلّ كما هو مورد الخبر ، وكذا لو ضمن عن الضامن ضامن تبرّعاً فأدّى ، فإنّه حيث لم يخسر بشيء لم يرجع على المضمون عنه وإن كان بإذنه ، وكذا لو وفّاه عنه غيره تبرّعاً .
[3581] مسألة 14 : لو حسب المضمون له على الضامن ما عليه خمساً أو زكاة أو صدقة ، فالظاهر أنّ له الرجوع على المضمون عنه ولايكون ذلك في حكم الإبراء ، وكذا لو أخذه منه ثمّ ردّه عليه هبة ، وأمّا لو وهبه ما في ذمّته فهل هو كالإبراء أو لا ؟ وجهان(1) ، ولو مات المضمون له فورثه الضامن لم يسقط جواز الرجوع به على المضمون عنه .
- (1) ولا يبعد أن يكون الثاني أقرب.
(الصفحة 648)
[3582] مسألة 15 : لو باعه أو صالحه المضمون له بما يسوى أقلّ من الدين ، أو وفّاه الضامن بما يسوى أقلّ منه ، فقد صرّح بعضهم بأنّه لايرجع على المضمون عنه إلاّ بمقدار ما يسوى ، وهو مشكل(1) بعد كون الحكم على خلاف القاعدة وكون القدر المسلّم غير هذه الصور ، وظاهر خبر الصلح الرضا من الدّين بأقلّ منه لا ما إذا صالحه بما يسوى أقلّ منه ، وأمّا لو باعه أو صالحه أو وفّاه الضامن بما يسوى أزيد فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة .
[3583] مسألة 16 : إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه ، فإن كان ذلك بعنوان الأمانة ليحتسب بعد الأداء عمّا له عليه فلا إشكال، ويكون في يده أمانة لايضمن لو تلف إلاّبالتعدّي أوالتفريط . وإن كان بعنوان وفاء ما عليه، فإن قلنا باشتغال ذمّته حين الضمان وإن لم يجب عليه دفعه إلاّ بعد أداء الضامن ، أو قلنا باشتغاله حينه بشرط الأداء بعد ذلك على وجه الكشف فهو صحيح ويحتسب وفاءً، لكن بشرط حصول الأداء من الضامن على التقدير الثاني ، وإن قلنا إنّه لا تشتغل ذمّته إلاّ بالأداء وحينه كما هو ظاهر المشهور (2) فيشكل صحّته وفاءً ; لأنّ المفروض عدم اشتغال ذمّته بعد، فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد ، وبعد الأداء ليس له الاحتساب إلاّ بإذن جديد أو العلم ببقاء الرضا به .
[3584] مسألة 17 : لو قال الضامن للمضمون عنه : إدفع عنّي إلى المضمون له ما عليّ من مال الضمان ، فدفع برئت ذمّتهما معاً ، أمّا الضامن فلأنّه قد أدّى دينه ، وأمّا المضمون عنه فلأنّ المفروض أنّ الضامن لم يخسر ، كذا قد يقال ، والأوجه أن
- (1) الظاهر أنّه لا إشكال فيه لما مرّ من عدم كون الحكم على خلاف القاعدة، والظاهر عدم الفرق بين مورد خبر الصلح وبين هذين الموردين لو لم نقل بشموله لهما وعدم اختصاصه به، كما لا تبعد دعواه.
- (2) وقد مرّ أنّه الأوفق بالقاعدة.