(الصفحة 649)
يقال(1) : إنّ الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمّته بالأداء، والمفروض أنّ ذمّة المضمون عنه أيضاً مشغولة له ; حيث إنّه أذن له في الضمان، فالأداء المفروض موجب لاشتغال ذمّة الضامن من حيث كونه بأمره ، ولاشتغال ذمّة المضمون عنه، حيث إنّ الضمان بإذنه وقد وفّى الضامن ، فيتهاتران أو يتقاصّان(2) ، وإشكال صاحب «الجواهر» في اشتغال ذمّة الضامن بالقول المزبور في غير محلّه .
[3585] مسألة 18 : إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معاً ، كما لو دفعه أجنبيّ عنه .
[3586] مسألة 19 : إذا ضمن تبرّعاً فضمن عنه ضامن بإذنه وأدّى ليس له الرجوع على المضمون عنه ، بل على الضامن ، بل وكذا لو ضمن بالإذن فضمن عنه ضامن بإذنه ، فإنّه بالأداء يرجع على الضامن ويرجع هو على المضمون عنه الأوّل .
[3587] مسألة 20 : يجوز أن يضمن الدين بأقلّ منه برضا المضمون له ، وكذا يجوز(3) أن يضمنه بأكثر منه ، وفي الصورة الاُولى لايرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان إلاّ بذلك الأقلّ ، كما أنّ في الثانية لايرجع عليه إلاّ بمقدار الدين إلاّ إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة .
[3588] مسألة 21 : يجوز(4) الضمان بغير جنس الدين ، كما يجوز الوفاء بغير الجنس ، وليس له أن يرجع على المضمون عنه إلاّ بالجنس الذي عليه إلاّ برضاه .
- (1) أي بناءً على ما هو ظاهر المشهور، وأمّا بناءً على القول بحدوث الاشتغال للمضمون عنه بمجرّد الضمان، فهو أي التهاتر واضح لا ارتياب فيه.
- (2) لا موقع للمقاصّة هنا.
- (3) محلّ تأمّل وإشكال.
- (4) فيه إشكال إلاّ إذا رجع إلى اشتراط الوفاء من غير الجنس.
(الصفحة 650)
[3589] مسألة 22 : يجوز الضمان بشرط الرهانة فيرهن بعد الضمان ، بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهناً بنحو شرط النتيجة في ضمن عقد الضمان .
[3590] مسألة 23 : إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن فهل ينفكّ بالضمان أو لا ؟ يظهر من «المسالك» و«الجواهر» انفكاكه(1) لأنّه بمنزلة الوفاء ، لكنّه لايخلو عن إشكال . هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع اشتراط البقاء أو عدمه فهو المتّبع .
[3591] مسألة 24 : يجوز اشتراط الضمان في مال معيّن على وجه التقييد(2) ، أو على نحو الشرائط في العقود ; من كونه من باب الالتزام في الالتزام ، وحينئذ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال بمعنى صرفه فيه ، وعلى الأوّل إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان ويرجع المضمون له على المضمون عنه ، كما أنّه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته ، وعلى الثاني لايبطل بل يوجب الخيار(3) لمن له الشرط ; من الضامن أو المضمون له أو هما ، ومع النقصان يجب على الضامن الإتمام مع عدم الفسخ . وأمّا جعل الضمان في مال معيّن من غير اشتغال ذمّة الضامن، بأن يكون الدين في عهدة ذلك المال فلايصحّ .
[3592] مسألة 25 : إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه ، فإن قلنا : إنّ الضامن هو المولى ـ للانفهام العرفي أو لقرائن خارجيّة ـ يكون من اشتراط الضمان في مال معيّن ; وهو الكسب الذي للمولى ، وحينئذ فإذا مات العبد تبقى ذمّة
- (1) وهو الظاهر.
- (2) لا يظهر معنى معقول لتقييد الضمان، الذي هو عبارة عن اشتغال ذمّة الضامن بما على عهدة المضمون عنه بالمال المعيّن الموجود في الخارج، إلاّ إذا كان بنحو الكلّي في المعيّن، حيث إنّه يجتمع فيه الذمّة والمعيّن معاً، فيكون ضمانه في حدوده ولا يتجاوز عنه، فإذا تلف الجميع يرتفع اشتغال الذمّة، ومع بقاء مقداره أو بعض منه يتعيّن للأداء.
- (3) قد مرّ الإشكال في ثبوت الخيار في الضمان مطلقاً.
(الصفحة 651)
المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود ، ويبطل إن كان على وجه التقييد ، وإن انعتق يبقى(1) وجوب الكسب عليه ، وإن قلنا : إنّ الضامن هو المملوك وأنّ مرجعه إلى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان ، فإذا مات لايجب على المولى شيء، وتبقى ذمّة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها ، وإن انعتق يبقى الوجوب عليه .
[3593] مسألة 26 : إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد ، فإمّا أن يكون على التعاقب أو دفعة ، فعلى الأوّل الضامن من رضي المضمون له بضمانه ، ولو أطلق الرضا بهما كان الضامن هو السابق ، ويحتمل قوّياً(2) كونه كما إذا ضمنا دفعة، خصوصاً بناءً على اعتبار القبول من المضمون له ، فإنّ الأثر حاصل بالقبول نقلاً لا كشفاً ، وعلى الثاني إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن ، وإن رضي بهما معاً ففي بطلانه كما عن «المختلف» و«جامع المقاصد» واختاره صاحب «الجواهر» ، أو التقسيط بينهما بالنصف أو بينهم بالثلث إن كانوا ثلاثة وهكذا ، أو ضمان كلّ منهما فللمضمون له مطالبة من شاء كما في تعاقب الأيدي وجوه ، أقواها الأخير(3) ، وعليه إذا أبرأ المضمون له واحداً منهما برئ دون الآخر ، إلاّ إذا علم إرادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمّة ذلك الواحد .
[3594] مسألة 27 : إذا كان له على رجلين مال فضمن كلّ منهما ما على الآخر
- (1) لا وجه لبقاء وجوب الكسب عليه مع كون الضامن هو المولى على الفرض، كما أنّه لا وجه لبقاء ذمّة المولى مشغولة لتعذّر الكسب بما هو مال للمولى.
- (2) وهذا هو المتعيّن; لما مرّ من أنّ الأقوى اعتبار القبول، وهو الملاك في التعاقب والدفعة لا الإيجاب.
- (3) لا وجه لأقوائيته على ما هو الحقّ في معنى الضمان. نعم، لها وجه على ما يراه غيرنا في معناه، فالأظهر على مسلكنا هو الوجه الأوّل.
(الصفحة 652)
بإذنه، فإن رضي المضمون له بهما صحّ ، وحينئذ فإن كان الدينان متماثلين جنساً وقدراً تحوّل ما على كلّ منهما إلى ذمّة الآخر ، ويظهر الثمر في الإعسار واليسار وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر بناءً على افتكاك الرهن بالضمان ، وإن كانا مختلفين قدراً أو جنساً أو تعجيلاً وتأجيلاً أو في مقدار الأجل فالثمر ظاهر ، وإن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه ، وحينئذ فإن أدّى الجميع رجع على الآخر بما أدّى ، حيث إنّ المفروض كونه مأذوناً منه . وإن أدّى البعض، فإن قصد كونه ممّا عليه أصلاً أو ممّا عليه ضماناً فهو المتّبع ، ويقبل قوله إن ادّعى ذلك ، وإن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط(1) ، ويحتمل القرعة، ويحتمل كونه مخيّراً في التعيين بعد ذلك ، والأظهر الأوّل .
وكذا الحال في نظائر المسألة، كما إذا كان عليه دين عليه رهن ودين آخر لا رهن عليه فأدّى مقدار أحدهما ، أو كان أحدهما من باب القرض والآخر ثمن مبيع وهكذا ، فإنّ الظاهر في الجميع التقسيط . وكذا الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدينين مع عدم قصد كونه من مال الضمان أو من الدين الأصلي ، ويقبل قوله إذا ادّعى التعيين في القصد ; لأنّه لايعلم إلاّ من قبله .
[3595] مسألة 28 : لايشترط علم الضامن حين الضمان بثبوت الدين على المضمون عنه ، كما لايشترط العلم بمقداره ، فلو ادّعى رجل على آخر ديناً فقال : عليّ ما عليه صحّ ، وحينئذ فإن ثبت بالبيّنة يجب عليه أداؤه ، سواء كانت سابقة أو لاحقة ، وكذا إن ثبت بالإقرار السابق على الضمان أو باليمين المردودة(2) كذلك . وأمّا
- (1) والأظهر وقوعه وفاءً لما في ذمّته أصلاً; لأنّ ترتّب الآثار الاُخر من جواز الرجوع وافتكاك الرهن وسقوط الخيار إنّما يتوقّف على تعلّق القصد بموضوعاتها، وأمّا براءة الذمّة من الدين الأصلي فترتّبها على أداء الدين قهريّ منشؤه الانصراف.
- (2) أي كذلك.
(الصفحة 653)
إذا أقرّ المضمون عنه بعد الضمان ، أو ثبت باليمين المردودة فلايكون حجّة على الضامن إذا أنكره ، ويلزم عنه(1) بأدائه في الظاهر . ولو اختلف الضامن والمضمون له في ثبوت الدين أو مقداره، فأقرّ الضامن أو ردّ اليمين على المضمون له فحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا كان منكراً، وإن كان أصل الضمان بإذنه ، ولابدّ في البيّنة المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين الضمان ، فلو شهدت بالدين اللاحق أو أطلقت ولم يعلم سبقه على الضمان أو لحوقه لم يجب على الضامن أداؤه .
[3596] مسألة 29 : لو قال الضامن : عليّ ما تشهد به البيّنة وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلّم بهذا الكلام ; لأنّها طريق إلى الواقع وكاشف عن كون الدين ثابتاً حينه، فما في «الشرائـع» من الحكم بعـدم الصحّـة لا وجه له(2) ولا للتعليل الذي ذكره بقوله ; لأنّه لايعلم ثبوته في الذمّة ، إلاّ أن يكون مراده في صورة إطلاق البيّنة المحتمل للثبوت بعد الضمان . وأمّا ما في «الجواهر» من أنّ مراده بيان عدم صحّة ضمان ما يثبت بالبيّنة من حيث كونه كذلك ; لأنّه من ضمان ما لم يجب، حيث لم يجعل العنوان ضمان ما في ذمّته لتكون البيّنة طريقاً ، بل جعل العنوان ما يثبت بها والفرض وقوعه قبل ثبوته بها ، فهو كما ترى لا وجه له .
[3597] مسألة 30 : يجوز الدور في الضمان ; بأن يضمن عن الضامن ضامن آخر ، ويضمن عنه المضمون عنه الأصيل. وما عن«المبسوط» من عدم صحّته لاستلزامه صيرورة الفرع أصلاً وبالعكس ، ولعدم الفائدة لرجوع الدين كما كان مردود ; بأنّ الأوّل غير صالح للمانعيّة ، بل الثاني أيضاً كذلك ، مع أنّ الفائدة تظهر في الإعسار واليسار ، وفي الحلول والتأجيل ، والإذن وعدمه ، وكذا يجوز التسلسل بلا إشكال .
- (1) أي يلزم المضمون عنه.
- (2) بل لا وجه إلاّ له إذا كان المراد ما يثبت بالبيّنة على وجه التقييد; لأنّ الضمان لابدّ وأن يتعلّق بالدين، وما تشهد به البيّنة بهذا العنوان لا يكون كذلك .