(الصفحة 652)
بإذنه، فإن رضي المضمون له بهما صحّ ، وحينئذ فإن كان الدينان متماثلين جنساً وقدراً تحوّل ما على كلّ منهما إلى ذمّة الآخر ، ويظهر الثمر في الإعسار واليسار وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر بناءً على افتكاك الرهن بالضمان ، وإن كانا مختلفين قدراً أو جنساً أو تعجيلاً وتأجيلاً أو في مقدار الأجل فالثمر ظاهر ، وإن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه ، وحينئذ فإن أدّى الجميع رجع على الآخر بما أدّى ، حيث إنّ المفروض كونه مأذوناً منه . وإن أدّى البعض، فإن قصد كونه ممّا عليه أصلاً أو ممّا عليه ضماناً فهو المتّبع ، ويقبل قوله إن ادّعى ذلك ، وإن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط(1) ، ويحتمل القرعة، ويحتمل كونه مخيّراً في التعيين بعد ذلك ، والأظهر الأوّل .
وكذا الحال في نظائر المسألة، كما إذا كان عليه دين عليه رهن ودين آخر لا رهن عليه فأدّى مقدار أحدهما ، أو كان أحدهما من باب القرض والآخر ثمن مبيع وهكذا ، فإنّ الظاهر في الجميع التقسيط . وكذا الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدينين مع عدم قصد كونه من مال الضمان أو من الدين الأصلي ، ويقبل قوله إذا ادّعى التعيين في القصد ; لأنّه لايعلم إلاّ من قبله .
[3595] مسألة 28 : لايشترط علم الضامن حين الضمان بثبوت الدين على المضمون عنه ، كما لايشترط العلم بمقداره ، فلو ادّعى رجل على آخر ديناً فقال : عليّ ما عليه صحّ ، وحينئذ فإن ثبت بالبيّنة يجب عليه أداؤه ، سواء كانت سابقة أو لاحقة ، وكذا إن ثبت بالإقرار السابق على الضمان أو باليمين المردودة(2) كذلك . وأمّا
- (1) والأظهر وقوعه وفاءً لما في ذمّته أصلاً; لأنّ ترتّب الآثار الاُخر من جواز الرجوع وافتكاك الرهن وسقوط الخيار إنّما يتوقّف على تعلّق القصد بموضوعاتها، وأمّا براءة الذمّة من الدين الأصلي فترتّبها على أداء الدين قهريّ منشؤه الانصراف.
- (2) أي كذلك.
(الصفحة 653)
إذا أقرّ المضمون عنه بعد الضمان ، أو ثبت باليمين المردودة فلايكون حجّة على الضامن إذا أنكره ، ويلزم عنه(1) بأدائه في الظاهر . ولو اختلف الضامن والمضمون له في ثبوت الدين أو مقداره، فأقرّ الضامن أو ردّ اليمين على المضمون له فحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا كان منكراً، وإن كان أصل الضمان بإذنه ، ولابدّ في البيّنة المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين الضمان ، فلو شهدت بالدين اللاحق أو أطلقت ولم يعلم سبقه على الضمان أو لحوقه لم يجب على الضامن أداؤه .
[3596] مسألة 29 : لو قال الضامن : عليّ ما تشهد به البيّنة وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلّم بهذا الكلام ; لأنّها طريق إلى الواقع وكاشف عن كون الدين ثابتاً حينه، فما في «الشرائـع» من الحكم بعـدم الصحّـة لا وجه له(2) ولا للتعليل الذي ذكره بقوله ; لأنّه لايعلم ثبوته في الذمّة ، إلاّ أن يكون مراده في صورة إطلاق البيّنة المحتمل للثبوت بعد الضمان . وأمّا ما في «الجواهر» من أنّ مراده بيان عدم صحّة ضمان ما يثبت بالبيّنة من حيث كونه كذلك ; لأنّه من ضمان ما لم يجب، حيث لم يجعل العنوان ضمان ما في ذمّته لتكون البيّنة طريقاً ، بل جعل العنوان ما يثبت بها والفرض وقوعه قبل ثبوته بها ، فهو كما ترى لا وجه له .
[3597] مسألة 30 : يجوز الدور في الضمان ; بأن يضمن عن الضامن ضامن آخر ، ويضمن عنه المضمون عنه الأصيل. وما عن«المبسوط» من عدم صحّته لاستلزامه صيرورة الفرع أصلاً وبالعكس ، ولعدم الفائدة لرجوع الدين كما كان مردود ; بأنّ الأوّل غير صالح للمانعيّة ، بل الثاني أيضاً كذلك ، مع أنّ الفائدة تظهر في الإعسار واليسار ، وفي الحلول والتأجيل ، والإذن وعدمه ، وكذا يجوز التسلسل بلا إشكال .
- (1) أي يلزم المضمون عنه.
- (2) بل لا وجه إلاّ له إذا كان المراد ما يثبت بالبيّنة على وجه التقييد; لأنّ الضمان لابدّ وأن يتعلّق بالدين، وما تشهد به البيّنة بهذا العنوان لا يكون كذلك .
(الصفحة 654)
[3598] مسألة 31 : إذا كان المديون فقيراً يجوز أن يضمن عنه بالوفاء من طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها من الوجوه التي تنطبق عليه إذا كانت ذمّته مشغولة بها فعلاً ، بل وإن لم تشتغل فعلاً على إشكال(1) .
[3599] مسألة 32 : إذا كان الدين الذي على المديون زكاة أو خمساً جاز أن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي ، بل ولآحاد الفقراء على إشكال(2) .
[3600] مسألة 33 : إذا ضمن في مرض موته ، فإن كان بإذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من الأصل ; لأنّه ليس من التبرّعات ، بل هو نظير القرض والبيع بثمن المثل نسيئة ، وإن لم يكن بإذنه فالأقوى خروجه من الأصل كسائر المنجّزات . نعم ، على القول بالثلث يخرج منه .
[3601] مسألة 34 : إذا كان ما على المديون يعتبر فيه مباشرته لايصحّ ضمانه ، كما إذا كان عليه خياطة ثوب مباشرة ، وكما إذا اشترط أداء الدين من مال معيّن للمديون . وكذا لايجوز ضمان الكلّي في المعيّن، كما إذا باع صاعاً من صبرة معيّنة ، فإنّه لايجوز الضمان عنه والأداء(3) من غيرها مع بقاء (4) تلك الصبرة موجودة .
[3602] مسألة 35 : يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة ; لأنّها دين على الزوج ، وكذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكّنة في صبيحته ; لوجوبها عليه حينئذ وإن لم تكن مستقرّة ; لاحتمال نشوزها في أثناء النهار بناءً على سقوطها بذلك ; وأمّا النفقة المستقبلة فلايجوز ضمانها عندهم ; لأنّه من ضمان ما لم يجب، ولكن لايبعد(5)
- (1) فيه بل وفي الأوّل أيضاً.
- (2) فيه وفي سابقه.
- (3) بل والأداء منها أيضاً، فإنّ جواز الضمان فيه مشكل.
- (4) وكذا مع عدم بقائها كذلك.
- (5) مرّ الكلام فيه في أوائل كتاب الضمان.
(الصفحة 655)
صحّته ; لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجيّة . وأمّا نفقة الأقارب فلايجوز ضمانها بالنسبة إلى ما مضى ; لعدم كونها ديناً على من كانت عليه ، إلاّ إذا أذن للقريب أن يستقرض وينفق على نفسه ، أو أذن له الحاكم في ذلك ; إذ حينئذ يكون ديناً عليه ، وأمّا بالنسبة إلى ما سيأتي فمن ضمان ما لم يجب ، مضافاً إلى أنّ وجوب الإنفاق حكم تكليفيّ، ولا تكون النفقة في ذمّته ، ولكن مع ذلك لايخلو عن إشكال(1) .
[3603] مسألة 36 : الأقوى جواز(2) ضمان مال الكتابة ، سواء كانت مشروطة أو مطلقة ; لأنّه دين في ذمّة العبد وإن لم يكن مستقرّاً ; لإمكان تعجيز نفسه . والقول بعدم الجواز مطلقاً، أو في خصوص المشروطة معللاّ بأنّه ليس بلازم ولايؤول إلى اللّزوم ضعيف كتعليله ، وربما يعلّل بأنّ لازم ضمانه لزومه مع أنّه بالنسبة إلى المضمون عنه غير لازم ، فيكون في الفرع لازماً مع أنّه في الأصل غير لازم ، وهو أيضاً كما ترى .
[3604] مسألة 37 : اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل الإتيان بالعمل ، وكذا مال السبق والرماية ، فقيل بعدم الجواز ; لعدم ثبوته في الذمّة قبل العمل ، والأقوى وفاقاً لجماعة الجواز (3) لا لدعوى ثبوته في الذمّة من الأوّل وسقوطه إذا لم يعمل ، ولا لثبوته من الأوّل بشرط مجيء العمل في المستقبل ; إذ الظاهر أنّ الثبوت إنّما هو بالعمل ، بل لقوله تعالى :
{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 12 / 72]. ولكفاية المقتضي للثبوت في صحّة الضمان ومنع اعتبار الثبوت الفعلي ، كما أشرنا إليه سابقاً .
- (1) بل لا ينبغي الإشكال في البطلان.
- (2) محلّ إشكال.
- (3) محلّ إشكال.
(الصفحة 656)
[3605] مسألة 38 : اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد ونحوهما على قولين ; ذهب إلى كلّ منهما جماعة ، والأقوى الجواز (1)، سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردّها عيناً ومثلها ، أو قيمتها على فرض التلف ، أو كان المراد ضمانها بمعنى التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت ، وذلك لعموم قوله (صلى الله عليه وآله) : «الزعيم غارم» والعمومات العامّة، مثل قوله تعالى :
{أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 5 / 1].
ودعوى أنّه على التقدير الأوّل يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام بردّها مع أنّ الضمان نقل الحقّ من ذمّة إلى اُخرى ، وأيضاً لا إشكال في أنّ الغاصب أيضاً مكلّف بالردّ فيكون من ضمّ ذمة إلى اُخرى وليس من مذهبنا ، وعلى الثاني يكون من ضمان ما لم يجب، كما أنّه على الأوّل أيضاً كذلك بالنسبة إلى ردّ المثل أو القيمة عند التلف ، مدفوعة بأنّه لا مانع منه بعد شمول العمومات. غاية الأمر أنّه ليس من الضمان المصطلح ، وكونه من ضمان ما لم يجب لايضرّ بعد ثبوت المقتضي ، ولا دليل على عدم صحّة ضمان ما لم يجب من نصّ أو إجماع وإن اشتهر في الألسن ، بل في جملة من الموارد حكموا بصحّته ، وفي جملة منها اختلفوا فيه ، فلا إجماع ، وأمّا ضمان الأعيان الغير المضمونة كمال المضاربة والرهن والوديعة قبل تحقّق سبب ضمانها من تعدٍّ أو تفريط فلا خلاف بينهم في عدم صحّته ، والأقوى(2) بمقتضى العمومات صحّته أيضاً .
- (1) بل الظاهر العدم، سواء كان المراد به أحد الأمرين المذكورين في المتن، أو كان المراد به هو التعهّد الفعلي لنفس العين المضمونة على حذو ثبوتها في عهدة الضامن الأوّل، المترتّب عليه وجوب الردّ مع البقاء والبدل مثلاً، أو قيمة مع التلف، من دون فرق بين أن يكون المراد ضمّ عهدته إلى عهدة الأوّل، أو النقل عنها إليها.
- (2) بل الأقوى البطلان.