(الصفحة 657)
[3606] مسألة 39 : يجوز(1) عندهم بلا خلاف بينهم ضمان درك الثمن للمشتري إذا ظهر كون المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن ، كما قيّد به الأكثر ، أو مطلقاً كما أطلق آخرون وهو الأقوى ، قيل : وهذا مستثنى من عدم ضمان الأعيان . هذا ، وأمّا لو كان البيع صحيحاً وحصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض فعلى المشهور (2) لم يلزم الضامن ويرجع على البائع ; لعدم ثبوت الحقّ وقت الضمان، فيكون من ضمان ما لم يجب ، بل لو صرّح بالضمان إذا حصل الفسخ لم يصحّ بمقتضى التعليل المذكور . نعم ، في الفسخ بالعيب السابق أو اللاحق اختلفوا في أنّه هل يدخل في العهدة ويصحّ الضمان أو لا ؟ فالمشهور على العدم ، وعن بعضهم دخوله، ولازمه الصحّة مع التصريح بالاُولى ، والأقوى في الجميع الدخول مع الإطلاق ، والصحّة مع التصريح ، ودعوى أنّه من ضمان ما لم يجب ، مدفوعة بكفاية وجود السبب .
هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن إذا حصل الفسخ ، وأمّا بالنسبة إلى مطالبة الأرش فقال بعض من مَنَع من ذلك بجوازها ; لأنّ الاستحقاق له ثابت عند العقد ، فلايكون من ضمان ما لم يجب ، وقد عرفت أنّ الأقوى صحّة الأوّل أيضاً ، وأنّ تحقّق السبب حال العقد كاف ، مع إمكان دعوى أنّ الأرش أيضاً لايثبت(3) إلاّ بعد اختياره ومطالبته ، فالصحّة فيه أيضاً من جهة كفاية تحقّق السبب . وممّا ذكرنا ظهر حال ضمان درك المبيع للبائع .
- (1) محلّ إشكال مع بقاء الثمن، سواء كان قبل القبض أو بعده، وأمّا فيما إذا تلف في يد البائع فلا إشكال في الجواز.
- (2) وهو الحقّ فيه وفيما بعده.
- (3) نعم، ولكن الملاك هو الاستحقاق، وهو ثابت بالعقد بلا إشكال، فلا يبعد الجواز فيه.
(الصفحة 658)
[3607] مسألة 40 : إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض المبيع مستحقّاً فالأقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك البعض ، وفي البعض الآخر يتخيّر المشتري بين الإمضاء والفسخ لتبعّض الصفقة ، فيرجع على البائع بما قابله ، وعن الشيخ جواز الرجوع على الضامن بالجميع ، ولا وجه له .
[3608] مسألة 41 : الأقوى وفاقاً للشهيدين صحّة ضمان ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إذا ظهر كونها مستحقّة للغير وقلع البناء والغرس ، فيضمن الأرش; وهو تفاوت ما بين المقلوع والثابت عن البائع، خلافاً للمشهور(1) ; لأنّه من ضمان ما لم يجب، وقد عرفت كفاية السبب . هذا، ولو ضمنه البائع قيل لايصحّ (2) أيضاً كالأجنبي، وثبوته بحكم الشرع لايقتضي صحّة عقد الضمان المشروط بتحقّق الحقّ حال الضمان ، وقيل بالصحّة ; لأنّه لازم بنفس العقد فلا مانع من ضمانه ; لما مرّ من كفاية تحقّق السبب ، فيكون حينئذ للضمان سببان : نفس العقد، والضمان بعقده . ويظهر الثمر فيما لو أسقط المشتري عنه حقّ الضمان الثابت بالعقد ، فإنّه يبقى الضمان العقدي ، كما إذا كان لشخص خياران بسببين فأسقط أحدهما ، وقد يورد عليه بأنّه لامعنى لضمان شخص عن نفسه والمقام من هذا القبيل ، ويمكن أن يقال : لا مانع منه مع تعدّد الجهة . هذا كلّه إذا كان بعنوان عقد الضمان ، وأمّا إذا اشترط ضمانه فلا بأس به، ويكون مؤكّداً(3) لما هو لازم العقد .
[3609] مسألة 42 : لو قال عند خوف غرق السفينة : ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه صحّ بلا خلاف بينهم ، بل الظاهر الإجماع عليه وهو الدليل عندهم ، وأمّا إذا
- (1) وهو الأقوى.
- (2) وهو الأصحّ، وتعدّد الجهة لا يجدي في التصحيح.
- (3) أي ظاهراً، فلا ينافي البطلان المستكشف بظهور المبيع مستحقّاً وردّ المالك البيع والغرض عدم تأثير الشرط في الخلل في البيع لعدم كونه فاسداً.
(الصفحة 659)
لم يكن لخوف الغرق بل لمصلحة اُخرى من خفّة السفينة أو نحوها فلايصحّ عندهم(1) ، ومقتضى العمومات صحّته أيضاً .
تتمة
[في صور التنازع]
قد علم من تضاعيف المسائل المتقدّمة الاتّفاقية أو الخلافيّة أنّ ما ذكروه في أوّل الفصل من تعريف الضمان ، وأنّه نقل الحقّ الثابت من ذمّة إلى اُخرى ، وأنّه لايصحّ في غير الدين ولا في غير الثابت حين الضمان ، لا وجه له ، وأنّه(2) أعمّ من ذلك حسب ما فصّل .
[3610] مسألة 1 : لو اختلف المضمون له والمضمون عنه في أصل الضمان، فادّعى أنّه ضمنه ضامن وأنكره المضمون له ، فالقول قوله ، وكذا لو ادّعى أنّه ضمن تمام ديونه وأنكره المضمون له ; لأصالة بقاء ما كان عليه . ولو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد ويساره ، فادّعى المضمون له إعساره فالقول قول (3) المضمون عنه ، وكذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له وعدمه ، فإنّ القول قول المضمون عنه ، وكذا لو اختلفا في صحّة الضمان وعدمها .
[3611] مسألة 2 : لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل الضمان ، أو في ثبوت الدين وعدمه ، أو في مقداره ، أو في مقدار ما ضمن ، أو في اشتراط تعجيله ، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجّلاً ، أو في اشتراط شيء عليه زائداً على أصل الدين ،
- (1) كما هو الحقّ، بل الأوّل أيضاً محلّ تأمّل.
- (2) أي بناءً على مبناه (قدس سره).
- (3) في خصوص ما إذا كان مسبوقاً باليسار، ومع الجهل بالحال فيه تأمّل وإشكال.
(الصفحة 660)
فالقول قول الضامن . ولو اختلفا في اشتراط تأجيله مع كونه حالاّ ، أو زيادة أجله مع كونه مؤجّلاً أو وفائه ، أو إبراء المضمون له عن جميعه أو بعضه ، أو تقييده بكونه من مال معيّن والمفروض تلفه ، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن ، أو اشتراط شيء على المضمون له ، أو اشتراط كون الضمان بما يسوى أقلّ من الدين ، قدّم قول المضمون له .
[3612] مسألة 3 : لو اختلف الضامن والمضمون عنه في الإذن وعدمه ، أو في وفاء الضامن حتّى يجوز له الرجوع وعدمه ، أو في مقدار الدين الذي ضمن ، وأنكر المضمون عنه الزيادة ، أو في اشتراط(1) شيء على المضمون عنه ، أو اشتراط الخيار للضامن ، قدّم قول المضمون عنه . ولو اختلفا في أصل الضمان ، أو في مقدار الدين الذي ضمنه وأنكر الضامن الزيادة فالقول قول الضامن .
[3613] مسألة 4 : إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفي الحقّ منه بالبيّنة ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر(2) للإذن أو الدين ; لاعترافه بكونه أخذ منه ظلماً . نعم ، لو كان مدّعياً مع ذلك للإذن في الأداء بلا ضمان، ولم يكن منكراً لأصل الدين ، وفرض كون المضمون عنه أيضاً معترفاً بالدين والإذن في الضمان جاز له الرجوع عليه(3) ، إذ لا منافاة بين إنكار الضمان وادّعاء الإذن في الأداء ، فاستحقاقه الرجوع معلوم . غاية الأمر أنّه يقول : إنّ ذلك للإذن في الأداء ، والمضمون عنه
- (1) أي في ضمن عقد آخر; لأنّه ليس طرفاً في عقد الضمان.
- (2) هذا القيد لا دخالة له في الحكم.
- (3) فيه إشكال، فإنّ جواز الرجوع عليه يتفرّع على براءة ذمّة المضمون عنه باعتقاد الضامن، والمفروض في المقام عدمه; لأنّ المأخوذ ظلماً لا يصلح لتحقّق البراءة، بل باق على ملك الضامن باعتقاده، ولم يتعيّن بسببه كلّي الدين، فكيف يجوز مع ذلك الرجوع إلى المضمون عنه، وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين ذلك المثال.
(الصفحة 661)
يقول : إنّه للإذن في الضمان ، فهو كما لو ادّعى على شخص أنّه يطلب منه عشر قرانات قرضاً ، والمدّعي ينكر القرض ويقول : إنّه يطلبه من باب ثمن المبيع ، فأصل الطلب معلوم ولو لم يعترف(1) المضمون عنه بالضمان أو الإذن فيه، وثبت عليه ذلك بالبيّنة ، فكذلك يجوز له الرجوع عليه مقاصّة عمّا أخذ منه ، وهل يجوز للشاهدين على الإذن في الضمان حينئذ أن يشهدا بالإذن من غير بيان كونه الإذن في الضمان، أو كونه الإذن في الأداء ؟ الظاهر(2) ذلك وإن كان لايخلو عن إشكال ، وكذا في نظائره ، كما إذا ادّعى شخص على آخر أنّه يطلب قرضاً ، وبيّنته تشهد بأنّه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض ، فيجوز لهما أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أنّه للقرض أو لثمن المبيع على إشكال .
[3614] مسألة 5 : إذا ادّعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون له وحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدّقه في ذلك ، وإن صدّقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه، وتقبل شهادته له بالأداء إذا لم يكن هناك مانع من تهمة أو غيرها ممّا يمنع من قبول الشهادة .
- (1) لم يظهر لي مورد المسألة. وأنّ عدم الاعتراف هل فرض في صورة ادّعاء الضامن الضمان والإذن فيه، أو فرض في صورة ادّعائه الإذن في الأداء، وكون المأخوذ منه ظلماً؟ فعلى الأوّل لا معنى للمقاصّة أصلاً; لأنّه بعد فرض الثبوت بالبيّنة يجوز له الرجوع على المضمون عنه بعنوان الضمان، وعلى الثاني لا وجه لقيام البيّنة على غير ما يدّعيه المدّعي بل ينكره; لأنّ مدّعى الضامن إنّما يدّعي مجرّد الإذن وينكر الضمان رأساً، والمفروض إنكار المضمون عنه له أيضاً، كما أنّه لا وجه لإقامة المضمون له البيّنة، على أنّ المضمون عنه قد أذن في الضمان، فالعبارة مشوّشة جدّاً.
- (2) بل الظاهر العدم; لما اُفيد من أنّه ليس الإذن مع قطع النظر عن متعلّقه موضوعاً متحصّلاً له أحكام حتّى يترتّب عليه أحكامه بقيام البيّنة عليه بدون ذكر متعلّقه، وليس مثل الدين، فإنّ له في حدّ نفسه تحصّلاً وأحكاماً، وليس متقوّماً بأسبابه.