(الصفحة 654)
[3598] مسألة 31 : إذا كان المديون فقيراً يجوز أن يضمن عنه بالوفاء من طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها من الوجوه التي تنطبق عليه إذا كانت ذمّته مشغولة بها فعلاً ، بل وإن لم تشتغل فعلاً على إشكال(1) .
[3599] مسألة 32 : إذا كان الدين الذي على المديون زكاة أو خمساً جاز أن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي ، بل ولآحاد الفقراء على إشكال(2) .
[3600] مسألة 33 : إذا ضمن في مرض موته ، فإن كان بإذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من الأصل ; لأنّه ليس من التبرّعات ، بل هو نظير القرض والبيع بثمن المثل نسيئة ، وإن لم يكن بإذنه فالأقوى خروجه من الأصل كسائر المنجّزات . نعم ، على القول بالثلث يخرج منه .
[3601] مسألة 34 : إذا كان ما على المديون يعتبر فيه مباشرته لايصحّ ضمانه ، كما إذا كان عليه خياطة ثوب مباشرة ، وكما إذا اشترط أداء الدين من مال معيّن للمديون . وكذا لايجوز ضمان الكلّي في المعيّن، كما إذا باع صاعاً من صبرة معيّنة ، فإنّه لايجوز الضمان عنه والأداء(3) من غيرها مع بقاء (4) تلك الصبرة موجودة .
[3602] مسألة 35 : يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة ; لأنّها دين على الزوج ، وكذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكّنة في صبيحته ; لوجوبها عليه حينئذ وإن لم تكن مستقرّة ; لاحتمال نشوزها في أثناء النهار بناءً على سقوطها بذلك ; وأمّا النفقة المستقبلة فلايجوز ضمانها عندهم ; لأنّه من ضمان ما لم يجب، ولكن لايبعد(5)
- (1) فيه بل وفي الأوّل أيضاً.
- (2) فيه وفي سابقه.
- (3) بل والأداء منها أيضاً، فإنّ جواز الضمان فيه مشكل.
- (4) وكذا مع عدم بقائها كذلك.
- (5) مرّ الكلام فيه في أوائل كتاب الضمان.
(الصفحة 655)
صحّته ; لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجيّة . وأمّا نفقة الأقارب فلايجوز ضمانها بالنسبة إلى ما مضى ; لعدم كونها ديناً على من كانت عليه ، إلاّ إذا أذن للقريب أن يستقرض وينفق على نفسه ، أو أذن له الحاكم في ذلك ; إذ حينئذ يكون ديناً عليه ، وأمّا بالنسبة إلى ما سيأتي فمن ضمان ما لم يجب ، مضافاً إلى أنّ وجوب الإنفاق حكم تكليفيّ، ولا تكون النفقة في ذمّته ، ولكن مع ذلك لايخلو عن إشكال(1) .
[3603] مسألة 36 : الأقوى جواز(2) ضمان مال الكتابة ، سواء كانت مشروطة أو مطلقة ; لأنّه دين في ذمّة العبد وإن لم يكن مستقرّاً ; لإمكان تعجيز نفسه . والقول بعدم الجواز مطلقاً، أو في خصوص المشروطة معللاّ بأنّه ليس بلازم ولايؤول إلى اللّزوم ضعيف كتعليله ، وربما يعلّل بأنّ لازم ضمانه لزومه مع أنّه بالنسبة إلى المضمون عنه غير لازم ، فيكون في الفرع لازماً مع أنّه في الأصل غير لازم ، وهو أيضاً كما ترى .
[3604] مسألة 37 : اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل الإتيان بالعمل ، وكذا مال السبق والرماية ، فقيل بعدم الجواز ; لعدم ثبوته في الذمّة قبل العمل ، والأقوى وفاقاً لجماعة الجواز (3) لا لدعوى ثبوته في الذمّة من الأوّل وسقوطه إذا لم يعمل ، ولا لثبوته من الأوّل بشرط مجيء العمل في المستقبل ; إذ الظاهر أنّ الثبوت إنّما هو بالعمل ، بل لقوله تعالى :
{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 12 / 72]. ولكفاية المقتضي للثبوت في صحّة الضمان ومنع اعتبار الثبوت الفعلي ، كما أشرنا إليه سابقاً .
- (1) بل لا ينبغي الإشكال في البطلان.
- (2) محلّ إشكال.
- (3) محلّ إشكال.
(الصفحة 656)
[3605] مسألة 38 : اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد ونحوهما على قولين ; ذهب إلى كلّ منهما جماعة ، والأقوى الجواز (1)، سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردّها عيناً ومثلها ، أو قيمتها على فرض التلف ، أو كان المراد ضمانها بمعنى التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت ، وذلك لعموم قوله (صلى الله عليه وآله) : «الزعيم غارم» والعمومات العامّة، مثل قوله تعالى :
{أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 5 / 1].
ودعوى أنّه على التقدير الأوّل يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام بردّها مع أنّ الضمان نقل الحقّ من ذمّة إلى اُخرى ، وأيضاً لا إشكال في أنّ الغاصب أيضاً مكلّف بالردّ فيكون من ضمّ ذمة إلى اُخرى وليس من مذهبنا ، وعلى الثاني يكون من ضمان ما لم يجب، كما أنّه على الأوّل أيضاً كذلك بالنسبة إلى ردّ المثل أو القيمة عند التلف ، مدفوعة بأنّه لا مانع منه بعد شمول العمومات. غاية الأمر أنّه ليس من الضمان المصطلح ، وكونه من ضمان ما لم يجب لايضرّ بعد ثبوت المقتضي ، ولا دليل على عدم صحّة ضمان ما لم يجب من نصّ أو إجماع وإن اشتهر في الألسن ، بل في جملة من الموارد حكموا بصحّته ، وفي جملة منها اختلفوا فيه ، فلا إجماع ، وأمّا ضمان الأعيان الغير المضمونة كمال المضاربة والرهن والوديعة قبل تحقّق سبب ضمانها من تعدٍّ أو تفريط فلا خلاف بينهم في عدم صحّته ، والأقوى(2) بمقتضى العمومات صحّته أيضاً .
- (1) بل الظاهر العدم، سواء كان المراد به أحد الأمرين المذكورين في المتن، أو كان المراد به هو التعهّد الفعلي لنفس العين المضمونة على حذو ثبوتها في عهدة الضامن الأوّل، المترتّب عليه وجوب الردّ مع البقاء والبدل مثلاً، أو قيمة مع التلف، من دون فرق بين أن يكون المراد ضمّ عهدته إلى عهدة الأوّل، أو النقل عنها إليها.
- (2) بل الأقوى البطلان.
(الصفحة 657)
[3606] مسألة 39 : يجوز(1) عندهم بلا خلاف بينهم ضمان درك الثمن للمشتري إذا ظهر كون المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن ، كما قيّد به الأكثر ، أو مطلقاً كما أطلق آخرون وهو الأقوى ، قيل : وهذا مستثنى من عدم ضمان الأعيان . هذا ، وأمّا لو كان البيع صحيحاً وحصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض فعلى المشهور (2) لم يلزم الضامن ويرجع على البائع ; لعدم ثبوت الحقّ وقت الضمان، فيكون من ضمان ما لم يجب ، بل لو صرّح بالضمان إذا حصل الفسخ لم يصحّ بمقتضى التعليل المذكور . نعم ، في الفسخ بالعيب السابق أو اللاحق اختلفوا في أنّه هل يدخل في العهدة ويصحّ الضمان أو لا ؟ فالمشهور على العدم ، وعن بعضهم دخوله، ولازمه الصحّة مع التصريح بالاُولى ، والأقوى في الجميع الدخول مع الإطلاق ، والصحّة مع التصريح ، ودعوى أنّه من ضمان ما لم يجب ، مدفوعة بكفاية وجود السبب .
هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن إذا حصل الفسخ ، وأمّا بالنسبة إلى مطالبة الأرش فقال بعض من مَنَع من ذلك بجوازها ; لأنّ الاستحقاق له ثابت عند العقد ، فلايكون من ضمان ما لم يجب ، وقد عرفت أنّ الأقوى صحّة الأوّل أيضاً ، وأنّ تحقّق السبب حال العقد كاف ، مع إمكان دعوى أنّ الأرش أيضاً لايثبت(3) إلاّ بعد اختياره ومطالبته ، فالصحّة فيه أيضاً من جهة كفاية تحقّق السبب . وممّا ذكرنا ظهر حال ضمان درك المبيع للبائع .
- (1) محلّ إشكال مع بقاء الثمن، سواء كان قبل القبض أو بعده، وأمّا فيما إذا تلف في يد البائع فلا إشكال في الجواز.
- (2) وهو الحقّ فيه وفيما بعده.
- (3) نعم، ولكن الملاك هو الاستحقاق، وهو ثابت بالعقد بلا إشكال، فلا يبعد الجواز فيه.
(الصفحة 658)
[3607] مسألة 40 : إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض المبيع مستحقّاً فالأقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك البعض ، وفي البعض الآخر يتخيّر المشتري بين الإمضاء والفسخ لتبعّض الصفقة ، فيرجع على البائع بما قابله ، وعن الشيخ جواز الرجوع على الضامن بالجميع ، ولا وجه له .
[3608] مسألة 41 : الأقوى وفاقاً للشهيدين صحّة ضمان ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إذا ظهر كونها مستحقّة للغير وقلع البناء والغرس ، فيضمن الأرش; وهو تفاوت ما بين المقلوع والثابت عن البائع، خلافاً للمشهور(1) ; لأنّه من ضمان ما لم يجب، وقد عرفت كفاية السبب . هذا، ولو ضمنه البائع قيل لايصحّ (2) أيضاً كالأجنبي، وثبوته بحكم الشرع لايقتضي صحّة عقد الضمان المشروط بتحقّق الحقّ حال الضمان ، وقيل بالصحّة ; لأنّه لازم بنفس العقد فلا مانع من ضمانه ; لما مرّ من كفاية تحقّق السبب ، فيكون حينئذ للضمان سببان : نفس العقد، والضمان بعقده . ويظهر الثمر فيما لو أسقط المشتري عنه حقّ الضمان الثابت بالعقد ، فإنّه يبقى الضمان العقدي ، كما إذا كان لشخص خياران بسببين فأسقط أحدهما ، وقد يورد عليه بأنّه لامعنى لضمان شخص عن نفسه والمقام من هذا القبيل ، ويمكن أن يقال : لا مانع منه مع تعدّد الجهة . هذا كلّه إذا كان بعنوان عقد الضمان ، وأمّا إذا اشترط ضمانه فلا بأس به، ويكون مؤكّداً(3) لما هو لازم العقد .
[3609] مسألة 42 : لو قال عند خوف غرق السفينة : ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه صحّ بلا خلاف بينهم ، بل الظاهر الإجماع عليه وهو الدليل عندهم ، وأمّا إذا
- (1) وهو الأقوى.
- (2) وهو الأصحّ، وتعدّد الجهة لا يجدي في التصحيح.
- (3) أي ظاهراً، فلا ينافي البطلان المستكشف بظهور المبيع مستحقّاً وردّ المالك البيع والغرض عدم تأثير الشرط في الخلل في البيع لعدم كونه فاسداً.