(الصفحة 339)
لو لم نقل بثبوت الإجماع على خلافـه، من حيث إنّ علماء الإسلام من زمن الصحابـة إلى يومنا هذا لم يزالوا يستعملون المرجّحات في الأخبار المتعارضـة بظواهرها، ثمّ اختيار أحدهما وطرح الآخر من دون تأويلهما معاً لأجل الجمع.
ثانيهما: الاستدلال على هذه القاعدة بأنّ دلالـة اللفظ على تمام معناه أصليّـة، وعلى جزئـه تبعيّـة، وعلى تقدير الجمع يلزم إهمال دلالـة تبعيّـة، وهو أولى ممّا يلزم على تقدير عدم الجمع وهو إهمال دلالـة أصليـة. فإنّ هذا الدليل يناسب مع ما إذا كان الجمع مستلزماً للتصرّف في جزء مدلول الآخر، وهو يتحقّق بالنسبـة إلى العامّ والخاصّ، فإنّ الجمع بينهما يقتضي إهمال الدلالـة التبعيّـة الثابتـة للعامّ، كما هو واضح.
وكيف كان: فإن كان المراد من القاعدة ما ذكرنا فلابأس بها، لما عرفت(1)في العامّ والخاصّ.
وإن كان المراد منها ما هو ظاهرها من أنّ الجمع بين الدليلين ولو كانا متعارضين عند العقلاء مهما أمكن ولو بالحمل على جهات التأويل أولى من الطرح، فيرد عليها عدم الدليل على إثباتـه من إجماع أو غيره، كدعوى أنّ الأصل في الدليلين الإعمال، فيجب الجمع بينهما مهما أمكن، لاستحالـة الترجيح من غير مرجّح.
وقد فصّل الكلام في هذا المقام الشيخ المحقّق الأنصاري (قدس سره)
(2) في الرسائل، بل أتعب نفسـه الشريفـة لإثبات عدم ثبوت مستند للقاعدة وإن كان
- 1 ـ تقدّم في الصفحـة 319 ـ 321.
- 2 ـ فرائد الاُصول 2: 754 ـ 755.
(الصفحة 340)
لايخلو بعض مواقع كلامـه عن النظر، كدعواه أنّـه لا إشكال ولا خلاف في أنّـه إذا وقع التعارض بين ظاهري مقطوعي الصدور كآيتين أو متواترين وجب تأويلهما والعمل بخلاف ظاهرهما، لأنّ القطع بصدورهما عن المعصوم قرينـة صارفـة لتأويل كلّ من الظاهرين.
فإنّـه يرد عليـه: أنّ القطع بالصدور لا يوجب التصرّف في الظاهر، بمعنى أنّـه لا ينحصر طريق دفع التعارض بذلك، بل يمكن التصرّف في جهـة صدور واحد منهما بدعوى عدم كونـه صادراً لأجل بيان الحكم الواقعي، كما لايخفى. وبالجملـة: فالقاعدة بالمعنى المذكور لم يدلّ عليـه دليل أصلا.
(الصفحة 341)
الفصل الرابع
كلام الشيخ في الفرق بين النصّ والظاهر والأظهر والظاهر
ثمّ إنّـه يستفاد من الشيخ (قدس سره)
(1) في المقام الرابع المعقود لبيان المرجّحات من كتاب التعادل والترجيح ثبوت الفرق بين النصّ والظاهر والأظهر والظاهر من جهتين:
إحداهما: كون النصّ والظاهر خارجاً عن موضوع الأخبار العلاجيّـة التي موضوعها الخبران المتعارضان أو المختلفان، بمعنى عدم شمولها لـه موضوعاً، وأمّا الأظهر والظاهر فهو خارج عنها حكماً، بمعنى شمول تلك الأخبار لـه، ولكن لا ينظر فيـه إلى المرجّحات السنديّـة، بل يقدّم الأظهر على الظاهر الذي مرجعـه إلى الجمع الدلالي.
ثانيتهما: أنّ تقديم النصّ على الظاهر ثابت مطلقاً ولا يكون مشروطاً بشرط، وهذا بخلاف تقديم الأظهر على الظاهر، فإنّـه مشروط بكونـه مقبولا عند العقلاء مطبوعاً لديهم، هذا.
وفي كليهما نظر:
أمّا الأوّل: فلأنّ المراد بالتعارض الموجب لشمول أخبار العلاج للدليلين إن كان هو التعارض الابتدائي فمن الواضح تحقّقـه في النصّ والظاهر أيضاً، كما في الأظهر والظاهر، فلا وجـه لدعوى خروجـه عنها موضوعاً.
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 788.
(الصفحة 342)
وإن كان هو التعارض المستقرّ الغير الزائل بالتأمّل والتوجّـه فمن المعلوم عدم تحقّقـه في الأظهر والظاهر أيضاً، فلا وجـه لدعوى دخولـه فيها موضوعاً، مع أنّـه على تقدير دخولـه فيها لا وجـه لدعوى الخروج الحكمي، فإنّـه ليس في شيء من الأخبار العلاجيّـة الإشعار بالجمع الدلالي وكونـه متقدّماً على إعمال المرجّحات السنديّـة، كما هو واضح.
وأمّا الثاني: فلأنّ تقديم النصّ على الظاهر أيضاً مشروط بكونـه مـورداً لقبول العقلاء، ألا تـرى أنّهم لا يقدّمـون قولـه: صلِّ فـي الحمام ـ مثلا ـ على قولـه: لا تصلِّ في الحمام كـذلك.
مـع أنّ الأوّل نصّ في الجـواز، والثاني ظاهـر في عدمـه، بل يعاملون معهما معاملـة المتعارضين، كما يظهر بالمراجعـة إليهم.
فانقدح من ذلك: عدم الفرق بين النصّ والظاهر والأظهر والظاهر، وأنّـه لابـدّ فـي الحكم بتقديم النصّ أو الأظهـر مـن مساعـدة العقلاء، ثـمّ الحكـم بالخروج من أخبار العلاج موضوعاً، وليس في البين خروج حكمي، بل الأمر يدور بين الدخول في الموضوع وترتّب الآثار المترتّبـة عليـه وخروجـه عنـه، كما عرفت.
(الصفحة 343)
الفصل الخامس
في الموارد التي قيل أو يمكن أن يقال
باندراجها في النصّ والظاهر
، أو في الأظهر والظاهر
وهي وإن كانت غير منضبطة، لاختلافها باختلاف المقامات، إلاّ أنّـه يمكن ضبط كلّياتها غالباً، وحيث إنّ كلام المحقّق النائيني (قدس سره)
في هذا المقام أحسن وأشمل من حيث التعرّض لأكثر الموارد فنحن أيضاً نقتفي أثره ونتعرّض للموارد التي تعرّض لها مع ما أفاده فيها، ونضمّ إليه ما عندنا من الإيراد عليه لو كان.
في الموارد التي ادّعي اندراجها في النصّ والظاهر
فنقول:قال:
وجود قدر المتيقّن في مقام التخاطب
من جملـة ا لموارد ا لمندرجـة في ا لنصوصيّـة :
ما إذا كان لأحد الدليلين قدر متيقّن في مقام التخاطب، فإنّ القدر المتيقّن في مقام التخاطب وإن كان لا ينفع في مقام تقيـيد الإطلاق ما لم يصل إلى حدّ يوجب انصراف المطلق إلى المقيّد ـ كما تقدّم تفصيلـه في مبحث المطلق والمقيّد ـ إلاّ أنّ وجود القدر المتيقّن ينفع في مقام رفع التعارض عن الدليلين، فإنّ الدليل يكون كالنصّ في القدر المتيقّن، فيصلح لأن يكون قرينـة على التصرّف في الدليل الآخر.