(الصفحة 283)
رجحان أصل الحجّ في الانعقاد ، إذ لايلزم أن يكون المتعلّق راجحاً بجميع قيوده وأوصافه ، فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له ، وأضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحجّ لا في صفة المشي ، فيجب مطلقاً ; لأنّ المفروض نذر المقيّد، فلا معنى لبقائه مع عدم صحّة قيده .
[3134] مسألة 27 : لو نذر الحجّ راكباً انعقد ووجب ، ولايجوز حينئذ المشي وإن كان أفضل ; لما مرّ من كفاية رجحان المقيّد دون قيده . نعم ، لو نذر الركوب في حجّه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد ; لأنّ المتعلّق حينئذ الركوب لا الحجّ راكباً ، وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كلّ يوم أو فرسخين ، وكذا ينعقد لو نذر الحجّ حافياً ، وما في صحيحة الحذّاء من أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بركوب اُخت عقبة بن عامر ـ مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت الله حافية ـ قضيّة في واقعة، يمكن أن يكون لمانع من صحّة نذرها ; من إيجابه كشفها أو تضرّرها أو غير ذلك.
[3135] مسألة 28 : يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر وعدم تضرّره بهما ، فلو كان عاجزاً أو كان مضرّاً ببدنه لم ينعقد . نعم ، لا مانع منه إذا كان حرجاً لايبلغ حدّ الضرر ; لأنّ رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة . هذا إذا كان حرجيّاً حين النذر وكان عالماً به ، وأمّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطاً للوجوب .
[3136] مسألة 29 : في كون مبدأ وجوب المشي، أو الحفاء بلد النذر أو الناذر، أو أقرب البلدين إلى الميقات ، أو مبدأ الشروع في السفر ، أو أفعال الحجّ أقوال ، والأقوى أنّه تابع للتعيين أو الانصراف ، ومع عدمهما فأوّل أفعال الحجّ إذا قال : «لله عليّ أن أحجّ ماشياً» . ومن حين الشروع في السفر إذا قال : «لله عليّ أن أمشي إلى بيت الله» أو نحو ذلك ، كما أنّ الأقوى أنّ منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار; لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور ، ولا الإفاضة من عرفات كما
(الصفحة 284)
في بعض الأخبار .
[3137] مسألة 30 : لايجوز لمن نذر الحجّ ماشياً أو المشي في حجّه أن يركب البحر لمنافاته لنذره ، وإن اضطرّ إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره ، كما أنّه لو كان منحصراً فيه من الأوّل لم ينعقد ، ولو كان في طريقه نهر أو شطّ لايمكن العبور إلاّ بالمركب فالمشهور أنّه يقوم فيه لخبر السكوني ، والأقوى عدم وجوبه ; لضعف الخبر عن إثبات الوجوب ، والتمسّك بقاعدة الميسور لا وجه له ، وعلى فرضه فالميسور هو التحرّك لا القيام .
[3138] مسألة 31 : إذا نذر المشي فخالف نذره فحجّ راكباً ، فإن كان المنذور الحجّ ماشياً من غير تقييد بسنة معيّنة وجب عليه الإعادة ولا كفّارة إلاّ إذا تركها أيضاً ، وإن كان المنذور الحجّ ماشياً في سنة معيّنة فخالف وأتى به راكباً وجب عليه القضاء والكفّارة ، وإذا كان المنذور المشي في حجّ معيّن وجبت الكفّارة دون القضاء ; لفوات محلّ النذر ، والحجّ صحيح في جميع الصور ، خصوصاً الأخيرة ; لأنّ النذر لايوجب شرطيّة المشي في أصل الحجّ ، وعدم الصحّة من حيث النذر لايوجب عدمها من حيث الأصل ، فيكفي في صحّته الإتيان به بقصد القربة ، وقد يتخيّل البطلان; من حيث إنّ المنويّ ـ وهو الحجّ النذري ـ لم يقع وغيره لم يقصد .
وفيه : أنّ الحجّ في حدّ نفسه مطلوب، وقد قصده في ضمن قصد النذر وهو كاف، ألا ترى أنّه لو صام أيّاماً بقصد الكفّارة ثمّ ترك التتابع لايبطل الصيام في الأيّام السابقة أصلاً، وإنّما تبطل من حيث كونها صيام كفّارة ، وكذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته وأذكاره التي أتى بها من حيث كونها قرآناً أو ذكراً ، وقد يستدلّ للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأنّ الأمر بإتيانها ماشياً موجب للنهي عن إتيانها راكباً ، وفيه : منع كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، ومنع
(الصفحة 285)
استلزامه البطلان على القول به ، مع أنّه لايتمّ فيما لو نذر الحجّ ماشياً مطلقاً من غير تقييد بسنة معيّنة ولا بالفوريّة ; لبقاء محلّ الإعادة .
[3139] مسألة 32 : لو ركب بعضاً ومشى بعضاً فهو كما لو ركب الكلّ ; لعدم الإتيان بالمنذور ، فيجب عليه القضاء أو الإعادة ماشياً ، والقول بالإعادة والمشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له .
[3140] مسألة 33 : لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكّنه منه أو رجائه سقط ، وهل يبقى حينئذ وجوب الحجّ راكباً، أو لا بل يسقط أيضاً؟ فيه أقوال :
أحدها : وجوبه راكباً مع سياق بدنة .
الثاني : وجوبه بلا سياق .
الثالث : سقوطه إذا كان الحجّ مقيّداً بسنة معيّنة ، أو كان مطلقاً مع اليأس عن التمكّن بعد ذلك، وتوقّع المكنة مع الإطلاق وعدم اليأس .
الرابع : وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق ، وتوقّع المكنة مع عدم اليأس .
الخامس : وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام ، وإذا كان قبله فالسقوط مع التعيين ، وتوقّع المكنة مع الإطلاق ، ومقتضى القاعدة وإن كان هو القول الثالث ، إلاّ أنّ الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدي على الاستحباب، بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان .
مضافاً إلى خبر عنبسة الدالّ على عدم وجوبه صريحاً فيه ; من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده، وقبل الدخول في الإحرام أو بعده ، ومن غير فرق أيضاً بين كون النذر مطلقاً أو مقيّداً بسنة مع توقّع المكنة وعدمه ، وإن كان الأحوط في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة
(الصفحة 286)
وكونه قبل الشروع في الذهاب الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك ; لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة ، والأحوط إعمال قاعدة الميسور أيضاً بالمشي بمقدار المكنة ، بل لايخلو عن قوّة للقاعدة. مضافاً إلى الخبر : عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافيّاً . قال (عليه السلام) : «فليمش ، فإذا تعب فليركب» . ويستفاد منه كفاية الحرج والتعب في جواز الركوب وإن لم يصل إلى حدّ العجز . وفي مرسل حريز : «إذا حلف الرجل أن لايركب أو نذر أن لايركب فإذا بلغ مجهوده ركب» .
[3141] مسألة 34 : إذا نذر الحجّ ماشياً فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي ; من مرض أو خوفه أو عدّو أو نحو ذلك ، فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أو لا ، لكون الحكم على خلاف القاعدة؟ وجهان ، ولايبعد التفصيل بين المرض ومثل العدوّ باختيار الأوّل في الأوّل ، والثاني في الثاني ، وإن كان الأحوط الإلحاق مطلقاً .
فصل
في النـيابـة
لا إشكال في صحّة النيابة عن الميّت في الحجّ الواجب والمندوب ، وعن الحيّ في المندوب مطلقاً ، وفي الواجب في بعض الصور .
[3142] مسألة 1 : يشترط في النائب اُمور :
أحدها : البلوغ على المشهور ، فلايصحّ نيابة الصبي عندهم وإن كان مميّزاً ، وهو الأحوط، لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينيّة ; لأنّ الأقوى كونها شرعيّة ، ولا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه ; لأنّه أخصّ من المدّعى ، بل لأصالة عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلّة،
(الصفحة 287)
خصوصاً مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرجل ، ولا فرق بين أن يكون حجّه بالإجارة أو بالتبرّع بإذن الوليّ أو عدمه ، وإن كان لايبعد دعوى صحّة نيابته في الحجّ المندوب بإذن الولي .
الثاني : العقل ، فلاتصحّ نيابة المجنون الذي لايتحقّق منه القصد ; مطبقاً كان جنونه أو أدواريّاً في دور جنونه ، ولا بأس بنيابة السفيه .
الثالث : الإيمان ; لعدم صحّة عمل غير المؤمن وإن كان معتقداً بوجوبه وحصل منه نيّة القربة ، ودعوى أنّ ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى .
الرابع : العدالة أو الوثوق بصحّة عمله ، وهذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحّة عمله .
الخامس : معرفته بأفعال الحجّ وأحكامه، وإن كان بإرشاد معلّم حال كلّ عمل .
السادس : عدم اشتغال ذمّته بحجّ واجب عليه في ذلك العام ، فلا تصحّ نيابة من وجب عليه حجّة الإسلام ، أو النذر المضيّق مع تمكّنه من إتيانه ، وأمّا مع عدم تمكّنه لعدم المال فلا بأس ، فلو حجّ عن غيره مع تمكّنه من الحجّ لنفسه بطل على المشهور ، لكن الأقوى أنّ هذا الشرط إنّما هو لصحّة الاستنابة والإجارة ، وإلاّ فالحجّ صحيح وإن لم يستحقّ الاُجرة ، وتبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشيء نهياً عن ضدّه ، مع أنّ ذلك على القول به وإيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم والعمد ، وأمّا مع الجهل أو الغفلة فلا ، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير ; لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعيّة على العمل المستأجر عليه ، حيث إنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي ، ومع الجهل أو الغفلة لا مانع ; لأنّه قادر شرعاً .
[3143] مسألة 2 : لايشترط في النائب الحرّيّة ، فتصحّ نيابة المملوك بإذن مولاه ،
|