(الصفحة 467)
الرابع: أن تكون عين المستأجرة ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقائها، فلا تصحّ
إجارة الخبز للأكل مثلا، ولا الحطب للإشعال وهكذا.
الخامس: أن تكون المنفعة مباحة، فلا تصحّ إجارة المساكن لإحراز المحرّمات
أو الدكاكين لبيعها، أو الدوابّ لحملها، أو الجارية للغناء، أو العبد لكتابة الكفر
ونحو ذلك، وتحرم الاُجرة عليها.
السادس: أن تكون العين ممّا يمكن استيفاء المنفعة المقصودة بها، فلا تصحّ
إجارة أرض للزراعة إذا لم يمكن إيصال الماء إليها مع عدم إمكان الزراعة بماء
السماء، أو عدم كفايته.
السابع :(1) أن يتمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة، فلا تصحّ
إجارة الحائض لكنس المسجد مثلا.
[3258] مسألة 1 : لا تصحّ الإجارة إذا كان المؤجر أو المستأجر مكرهاً عليها إلاّ
مع الإجازة اللاحقة، بل الأحوط عدم الاكتفاء بها، بل تجديد العقد إذا رضيا.
نعم، تصحّ مع الاضطرار، كما إذا طلب منه ظالم مالاً فاضطرّ إلى إجارة دار سكناه
لذلك، فإنّها تصحّ حينئذ، كما أنّه إذا اضطرّ إلى بيعها صحّ.
[3259] مسألة 2 : لا تصحّ إجارة المفلس ـ بعد الحجر عليه ـ داره أو عقاره.
نعم، تصحّ إجارته نفسه لعمل أو خدمة، وأمّا السفيه فهل هو كذلك; أي تصحّ
إجارة نفسه للاكتساب مع كونه محجوراً عن إجارة داره مثلا أو لا ؟ وجهان(2);
من كونه من التصرّف المالي وهو محجور، ومن أنّه ليس تصرّفاً في ماله الموجود،
- (1) لا دليل على اشتراط هذا الأمر بعد كون العين ممّا يمكن استيفاء المنفعة المقصودة منها، والبطلان في الصورة المفروضة لأجل عدم كون المنفعة مباحة، لا لأجل عدم تمكّن المستأجر.
- (2) والظاهر هو الوجه الأوّل، خصوصاً إذا كان كسوباً.
(الصفحة 468)
بل هو تحصيل للمال ولاتعدّ منافعه من أمواله، خصوصاً إذا لم يكن كسوباً، ومن
هنا يظهر النظر فيما ذكره بعضهم من حجر السفيهة من تزويج نفسها، بدعوى أنّ
منفعة البضع مال، فإنّه أيضاً محلّ إشكال(1).
[3260] مسألة 3 : لايجوز للعبد أن يؤجر نفسه أو ماله أو مال مولاه إلاّ بإذنه أو
إجازته.
[3261] مسألة 4 : لابدّ من تعيين العين المستأجرة، فلو آجره أحد هذين العبدين
أو إحدى هاتين الدارين لم يصحّ(2)، ولابدّ أيضاً من تعيين نوع المنفعة إذا كانت
للعين منافع متعدّدة. نعم، تصحّ إجارتها بجميع منافعها مع التعدّد، فيكون
المستأجر مخيّراً(3) بينها.
[3262] مسألة 5 : معلوميّة المنفعة إمّا بتقدير المدّة كسكنى الدار شهراً(4)
والخياطة يوماً، أو منفعة ركوب الدابّة إلى زمان كذا، وإمّا بتقدير العمل كخياطة
الثوب المعلوم طوله وعرضه ورقّته وغلظته، فارسيّة أو روميّة، من غير تعرّض
للزمان. نعم، يلزم(5) تعيين الزمان الواقع فيه هذا العمل، كأن يقول: إلى يوم
- (1) أي مع قطع النظر عن النصّ والإجماع، بل الضرورة كما ادّعيا، وأمّا مع ملاحظتها فلا ينبغي الإشكال في البطلان بدون إذن الولي.
- (2) إذا كانا مختلفين في الأوصاف الموجبة لتفاوت الرغبات، وأمّا مع التساوي من جميع هذه الجهات فلا يبعد الحكم بالصحّة.
- (3) أي مع التضادّ، وبدونه يجوز له الجمع، بل في صورة التضادّ أيضاً يمكن الجمع بلحاظ إجزاء المدّة المضروبة.
- (4) أي شهراً معلوماً بالتعيين أو الإطلاق المنصرف إلى الاتّصال، وأمّا معلومية الدار فاعتبارها مستفاد من المسألة الرابعة.
- (5) مع اختلاف أغراض العقلاء الناشئ من اختلاف الرغبات والمالية حسب الأزمنة المختلفة.
(الصفحة 469)
الجمعة مثلا، وإن أطلق(1) اقتضى التعجيل على الوجه العرفي، وفي مثل استئجار
الفحل للضراب يعيّن بالمرّة والمرّتين ولو قدّر المدّة والعمل على وجه التطبيق، فإن
علم سعة الزمان له صحّ، وإن علم عدمها بطل، وإن احتمل الأمران ففيه قولان(2).
[3263] مسألة 6 : إذا استأجر دابّة للحمل عليها لابدّ من تعيين ما يحمل عليها
بحسب الجنس إن كان يختلف الأغراض باختلافه، وبحسب الوزن ولو بالمشاهدة
والتخمين إن ارتفع به الغرر، وكذا بالنسبة إلى الركوب لابدّ من مشاهدة الراكب أو
وصفه، كما لابدّ من مشاهدة الدابّة أو وصفها حتّى الذكوريّة والاُنوثيّة إن اختلفت
الأغراض بحسبهما. والحاصل أنّه يعتبر تعيين الحمل والمحمول عليه، والراكب
والمركوب عليه من كلّ جهة يختلف غرض العقلاء باختلافها.
[3264] مسألة 7 : إذا استأجر الدابّة لحرث جريب معلوم فلابدّ من مشاهدة
الأرض أو وصفها على وجه يرتفع الغرر.
[3265] مسألة 8 : إذا استأجر دابّة للسفر مسافة لابدّ(3) من بيان زمان السير من
ليل أو نهار، إلاّ إذا كان هناك عادة متّبعة.
[3266] مسألة 9 : إذا كانت الاُجرة ممّا يكال أو يوزن لابدّ من تعيين كيلها أو
وزنها ولاتكفي المشاهدة، وإن كانت ممّا يعدّ لابدّ من تعيين عددها، وتكفي
المشاهدة فيما يكون اعتباره بها.
- (1) لا يجتمع الحكم بلزوم التعيين مع الحكم بصحّة الإطلاق وحمله على التعجيل، فإنّ مقتضى لزوم تعيين المدّة البطلان مع الإطلاق، فكيف يجتمع مع الحكم بالصحّة.
- (2) والظاهر هو البطلان; من دون فرق بين أن يكون التطبيق ملحوظاً ابتداءً وانتهاءً، أو بالإضافة إلى خصوص أحدهما، ومن دون فرق أيضاً بين أن يكون الزمان في الفروض الثلاثة مأخوذاً بنحو التقييد أو بنحو الاشتراط.
- (3) مع اختلاف الأغراض.
(الصفحة 470)
[3267] مسألة 10 : ما كان معلوميّته بتقدير المدّة لابدّ من تعيينها شهراً أو سنة أو
نحو ذلك، ولو قال: آجرتك إلى شهر أو شهرين بطل، ولو قال: آجرتك كلّ شهر
بدرهم مثلا، ففي صحّته مطلقاً، أو بطلانه مطلقاً، أو صحّته في شهر وبطلانه في
الزيادة، فإن سكن فاُجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة، أو الفرق بين التعبير
المذكور، وبين أن يقول: آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه، بالبطلان
فيالأوّل والصحّة في شهر في الثاني أقوال: أقواها الثاني(1)، وذلك لعدم تعيين المدّة
الموجب لجهالة الاُجرة بل جهالة المنفعة أيضاً; من غير فرق بين أن يعيّن المبدأ أو
لا، بل على فرض عدم تعيين المبدأ يلزم جهالة اُخرى، إلاّ أن يقال: إنّه حينئذ
ينصرف إلى المتّصل بالعقد. هذا إذا كان بعنوان الإجارة، وأمّا إذا كان بعنوان
الجعالة(2) فلامانع منه; لأنّه يغتفر فيها مثل هذه الجهالة، وكذا إذا كان بعنوان
الإباحة بالعوض.
[3268] مسألة 11 : إذا قال: إن خطت هذا الثوب فارسيّاً ـ أي بدرز ـ فلك
درهم، وإن خطّته روميّاً ـ أي بدرزين ـ فلك درهمان، فإن كان بعنوان الإجارة
- (1) بل الأقوى الأوّل، وهي الصحّة مطلقاً في كلا التعبيرين، غاية الأمر أنّ استحقاق اُجرة ما زاد على الشهر في الأوّل على تقدير السكونة إنّما يكون بنفس الإجارة، وفي الثاني بالشرط الواقع في ضمنها، ولا دليل على قدح هذا المقدار من الجهالة في الإجارة، وسائر وجوه البطلان غير تامّ أيضاً.
- (2) ظاهره أنّ الجاعل هو مالك العين، ولذا أورد عليه بأنّه لا معنى للجعالة هنا، فإنّ الجعالة هي جعل شيء على نفسه لمن يعمل عملاً له، وهاهنا جعل شيئاً لنفسه على من يستوفي منفعة ملكه، ويمكن أن يكون الجاعل هو الساكن والاُجرة مجعولة في مقابل السكنى أو الإسكان، كما أنّه يمكن أن يكون الجاعل هو المالك، بأن يقول: من دفع إليّ درهماً من المال فله استيفاء منفعة الدار شهراً مثلاً، ولا يرد عليه ما أُورد، ولكن مع ذلك كلّه الحكم بجريان الجعالة في مثل المقام مشكل.
(الصفحة 471)
بطل(1) لما مرّ من الجهالة، وإن كان بعنوان الجعالة كما هو ظاهر العبارة صحّ(2)، وكذا
الحال إذا قال: إن عملت العمل الفلاني في هذا اليوم فلك درهمان، وإن عملته في
الغد فلكدرهم، والقولبالصحّةإجارةفيالفرضينضعيف،وأضعفمنهالقول بالفرق
بينهما بالصحّة في الثاني دون الأوّل، وعلى ما ذكرناه من البطلان فعلى تقدير العمل
يستحقّ اُجرة المثل، وكذا في المسألة السابقة إذا سكن الدار شهراً أو أقلّ أو أكثر.
[3269] مسألة 12 : إذا استأجره أو دابّته ليحمله أو يحمل متاعه إلى مكان معيّن
في وقت معيّن باُجرة معيّنة; كأن استأجر منه دابّة لإيصاله إلى كربلاء قبل ليلة
النصف من شعبان ولم يوصله، فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت وعدم إمكان
الإيصال فالإجارة باطلة(3)، وإن كان الزمان واسعاً ومع هذا قصّر(4) ولم يوصله،
فإن كان ذلك على وجه العنوانيّة والتقييد لم يستحقّ شيئاً من الاُجرة; لعدم العمل
بمقتضى الإجارة أصلاً، نظير ما إذا استأجره ليصوم يوم الجمعة فاشتبه وصام يوم
السبت. وإن كان ذلك على وجه الشرطيّة; بأن يكون متعلّق الإجارة(5) الإيصال
- (1) الظاهر هو الصحّة هنا وفي الفرض الآتي، والاستناد في البطلان إلى الجهالة ممّا لا وجه له، بعد كون المانع في المقام على تقدير المانعية هو الإبهام والترديد لا الجهل وعدم العلم، ولم ينهض دليل عليها.
- (2) كما أنّه يصحّ بنحو إجارة واشتراط; بأن يستأجره للخياطة بدرز واحد بدرهم، واشترط عليه أنّه إن زاد درزاً آخر استحقّ درهماً آخر.
- (3) إذا كان الإيصال في ذلك الوقت مأخوذاً بنحو العنوانية والتقييد، وأمّا إذا كان مأخوذاً بنحو الاشتراط فالبطلان عارض للشرط خاصّة.
- (4) أو لم يتحقّق الإيصال ولو اتّفاقاً من دون تقصير، كما يظهر من الفرض الذي جعله نظيراً للمقام.
- (5) التعبير بالمتعلّق لا يخلو من المسامحة، فإنّ متعلّقها هو الشخص أو الدابّة، والإيصال إنّما هو الغرض والمقصود.