(الصفحة 614)
سنين أو أقلّ أو أزيد، حسب ما تقتضيه المصلحة على أن يعمرها ويزرعها إلى سنتين مثلا لنفسه ، ثمّ يكون الحاصل مشتركاً بالإشاعة بحصّة معيّنه .
[3530] العاشرة : يستحبّ للزارع كما في الأخبار الدعاء عند نثر الحبّ ; بأن يقول :
«اللّهمّ قد بذرنا وأنت الزارع، فاجعله حبّاً متراكماً». وفي بعض الأخبار :
«إذا أردت أن تزرع زرعاً فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة وقل : {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ*
ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 56 / 63 و64] ثلاث مرّات، ثمّ تقول : بل الله الزارع، ثلاث مرّات ، ثمّ قل : اللّهمَّ اجعله حبّاً مباركاً وارزقنا فيه السلامة ، ثمّ انثر القبضة التي في يدك في القراح». وفي خبر آخر :
«لمّا اُهبط آدم (عليه السلام)
إلى الأرض احتاج إلى الطعام والشراب فشكى ذلك إلى جبرئيل (عليه السلام)
فقال له جبرئيل : يا آدم كن حرّاثاً ، فقال (عليه السلام)
: فعلّمني دعاء، قال : قل : اللّهمّ اكفني مؤنة الدّنيا وكلّ هول دون الجنّة، وألبسني العافية حتّى تهنئني المعيشة» .
(الصفحة 615)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المساقاة
[فصل
في معنى المساقاة وشرائطها وأحكامها]
وهي معاملة على اُصول ثابتة بحصّة من ثمرها ، ولا إشكال في مشروعيّتها في الجملة ، ويدلّ عليها مضافاً إلى العمومات خبر يعقوب بن شعيب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : سألته عن الرّجل يعطي الرجل أرضه وفيها رمّان أو نخل أو فاكهة ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج؟ قال :
«لا بأس». وجملة من أخبار خيبر ، منها : صحيح الحلبي قال: أخبرني أبو عبدالله (عليه السلام)
«أنّ أباه حدّثه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أعطى خيبر بالنصف أرضها ونخلها، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبدالله بن رواحة . . . » الخ . هذا، مع أنّها من المعاملات العقلائيّة ولم يرد نهي عنها، ولا غرر فيها حتّى يشملها النهي عن الغرر .
ويشترط فيها اُمور :
الأوّل : الإيجاب والقبول ، ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً ، بل الجملة الاسميّة مع قصد الإنشاء بأيّ لغة كانت ، ويكفي
(الصفحة 616)
القبول الفعلي(1) بعد الإيجاب القولي، كما أنّه يكفي المعاطاة .
الثاني : البلوغ والعقل والاختيار .
الثالث : عدم(2) الحجر لسفه أو فلس .
الرابع : كون الاُصول مملوكة عيناً ومنفعة ، أو منفعة فقط ، أو كونه نافذ التصرّف فيها لولاية أو وكالة أو تولية .
الخامس : كونها معيّنة عندهما معلومة لديهما .
السادس : كونها ثابتة مغروسة ، فلاتصحّ في الوديّ ; أي الفسيل قبل الغرس .
السابع : تعيين المدّة بالأشهر والسنين وكونها بمقدار يبلغ فيه الثمر غالباً . نعم ، لايبعد(3) جوازها في العام الواحد إلى بلوغ الثمر من غير ذكر الأشهر ; لأنّه معلوم بحسب التخمين، ويكفي ذلك في رفع الغرر ، مع أنّه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدّمة .
الثامن : أن يكون قبل ظهور الثمر أو بعده وقبل البلوغ، بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر . وأمّا إذا لم يكن كذلك ففي صحّتها إشكال، وإن كان محتاجاً إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك .
التاسع : أن يكون الحصّة معيّنه مشاعة ، فلا تصحّ مع عدم تعيينها إذا لم يكن هناك انصراف ، كما لا تصحّ إذا لم تكن مشاعة; بأن يجعل لأحدهما مقداراً معيّناً
- (1) مرّ الإشكال فيه في كتاب المزارعة.
- (2) هذا إنّما يعتبر بالإضافة إلى المالك دون العامل إذا لم يستلزم تصرّفاً ماليّاً، كما مرّ في كتاب المزارعة.
- (3) إذا كان المبدأ معلوماً ولو للانصراف إلى الشروع من حين العقد أو بحسب العرف والعادة.
(الصفحة 617)
والبقيّة للآخر . نعم ، لايبعد (1) جواز أن يجعل لأحدهما أشجاراً معلومة وللآخر اُخرى ، بل وكذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراك في البقيّة ، أو اشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر أزيد من ذلك المقدار وأنّه تبقى بقيّة .
العاشر : تعيين ما على المالك من الاُمور وما على العامل من الأعمال إذا لم يكن هناك انصراف .
[3531] مسألة 1 : لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر ، كما لا خلاف في عدم صحتها بعد البلوغ والإدراك بحيث لايحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف ، واختلفوا في صحّتها إذا كان بعد الظهور قبل البلوغ ، والأقوى كما أشرنا إليه صحّتها، سواء كان العمل ممّا يوجب الاستزادة أولا(2) ، خصوصاً إذا كان في جملتها بعض الأشجار التي بعد لم يظهر ثمرها .
[3532] مسألة 2 : الأقوى جواز المساقاة على الأشجار التي لا ثمر لها وإنّما ينتفع بورقها ، كالتوت والحنّاء ونحوهما .
[3533] مسألة 3 : لايجوز عندهم المساقاة على اُصول غير ثابتة، كالبطّيخ والباذنجان والقطن وقصب السكّر ونحوها، وإن تعدّدت اللّقطات فيها كالأوّلين ، ولكن لايبعد(3) الجواز للعمومات، وإن لم يكن من المساقاة المصطلحة ، بل لايبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك ، فإنّ مقتضى العمومات الصحّة بعد كونه من
- (1) الظاهر عدم الجواز كما اختاره في المزارعة. نعم، لو حملت العبارة على الاشتراك في الباقي ـ كما هو خلاف ظاهرها ـ يمكن القول بالجواز، مع أنّه أيضاً مشكل كما في الفرضين التاليين، إلاّ إذا كانت الأشجار المعيّنة خارجة عن المساقاة.
- (2) فيه بل في الفرض الأوّل أيضاً إشكال.
- (3) محلّ إشكال، وأولى منه مطلق الزرع.
(الصفحة 618)
المعاملات العقلائيّة، ولايكون من المعاملات الغرريّة عندهم . غاية الأمر أنّها ليست من المساقاة المصطلحة .
[3534] مسألة 4 : لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى السقي; لاستغنائها بماء السماء أو لمصّ اُصولها من رطوبات الأرض، وإن احتاجت إلى أعمال اُخر(1) ، ولايضرّ عدم صدق المساقاة حينئذ ، فإنّ هذه اللفظة لم ترد(2) في خبر من الأخبار وإنّما هي من اصطلاح العلماء ، وهذا التعبير منهم مبنيّ على الغالب ، ولذا قلنا(3)بالصحّة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر واستغنائها من السقي ، وإن ضويق نقول بصحّتها وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .
[3535] مسألة 5 : يجوز المساقاة على فسلان مغروسة وإن لم تكن مثمرة إلاّ بعد سنين ، بشرط تعيين مدّة تصير مثمرة فيها ولو بعد خمس سنين أو أزيد .
[3536] مسألة 6 : قد مرّ أنّه لا تصحّ المساقاة على وديّ غير مغروس ، لكن الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على الأشجار المغروسة ; بأن يشترط على العامل غرسه في البستان المشتمل على النخيل والأشجار ودخوله في المعاملة بعد أن يصير(4) مثمراً ، بل مقتضى العمومات صحّة (5) المعاملة على الفسلان الغير المغروسة إلى مدّة تصير مثمرة، وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .
[3537] مسألة 7 : المساقاة لازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل ، أو الفسخ بخيار الشرط ،
- (1) موجبة للاستزادة، وإلاّ فمحلّ إشكال.
- (2) نعم، ورد في خبر يعقوب بن شعيب المتقدّم التعبير بلفظ «اسق» ولعلّ مثله هي العلّة للتعبير من العلماء ـ رضوان الله عليهم ـ وجرى اصطلاحهم على ذلك.
- (3) الاستغناء من السقي أمرٌ وظهور الثمر أمرٌ آخر، ولا ملازمة بين القول بالجواز في الأوّل والقول به في الثاني.
- (4) في العبارة مسامحة.
- (5) محلّ إشكال.