(الصفحة 618)
المعاملات العقلائيّة، ولايكون من المعاملات الغرريّة عندهم . غاية الأمر أنّها ليست من المساقاة المصطلحة .
[3534] مسألة 4 : لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى السقي; لاستغنائها بماء السماء أو لمصّ اُصولها من رطوبات الأرض، وإن احتاجت إلى أعمال اُخر(1) ، ولايضرّ عدم صدق المساقاة حينئذ ، فإنّ هذه اللفظة لم ترد(2) في خبر من الأخبار وإنّما هي من اصطلاح العلماء ، وهذا التعبير منهم مبنيّ على الغالب ، ولذا قلنا(3)بالصحّة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر واستغنائها من السقي ، وإن ضويق نقول بصحّتها وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .
[3535] مسألة 5 : يجوز المساقاة على فسلان مغروسة وإن لم تكن مثمرة إلاّ بعد سنين ، بشرط تعيين مدّة تصير مثمرة فيها ولو بعد خمس سنين أو أزيد .
[3536] مسألة 6 : قد مرّ أنّه لا تصحّ المساقاة على وديّ غير مغروس ، لكن الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على الأشجار المغروسة ; بأن يشترط على العامل غرسه في البستان المشتمل على النخيل والأشجار ودخوله في المعاملة بعد أن يصير(4) مثمراً ، بل مقتضى العمومات صحّة (5) المعاملة على الفسلان الغير المغروسة إلى مدّة تصير مثمرة، وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة .
[3537] مسألة 7 : المساقاة لازمة لا تبطل إلاّ بالتقايل ، أو الفسخ بخيار الشرط ،
- (1) موجبة للاستزادة، وإلاّ فمحلّ إشكال.
- (2) نعم، ورد في خبر يعقوب بن شعيب المتقدّم التعبير بلفظ «اسق» ولعلّ مثله هي العلّة للتعبير من العلماء ـ رضوان الله عليهم ـ وجرى اصطلاحهم على ذلك.
- (3) الاستغناء من السقي أمرٌ وظهور الثمر أمرٌ آخر، ولا ملازمة بين القول بالجواز في الأوّل والقول به في الثاني.
- (4) في العبارة مسامحة.
- (5) محلّ إشكال.
(الصفحة 619)
أو تخلّف بعض الشروط ، أو بعروض مانع عامّ موجب للبطلان ، أو نحو ذلك .
[3538] مسألة 8 : لا تبطل بموت أحد الطرفين، فمع موت المالك ينتقل الأمر إلىوارثه ، ومع موت العامل يقوم مقامه وارثه ، لكن لايجبر على العمل ، فإن اختار العمل بنفسه أو بالاستئجار فله ، وإلاّ فيستأجر الحاكم من تركته من يباشره إلى بلوغ الثمر ثمّ يقسّم بينه وبين المالك . نعم ، لو كانت المساقاة مقيّدة بمباشرة العامل تبطل بموته ، ولو اشترط عليه المباشرة لا بنحو التقييد فالمالك مخيّر بين الفسخ لتخلّف الشرط ، وإسقاط حقّ الشرط والرضا باستئجار من يباشر .
[3539] مسألة 9 : ذكروا أنّ مع إطلاق عقد المساقاة جملة من الأعمال على العامل وجملة منها على المالك ، وضابط الاُولى ما يتكرّر كلّ سنة ، وضابط الثانية ما لايتكرّر نوعاً وإن عرض له التكرّر في بعض الأحوال ، فمن الأوّل : إصلاح الأرض بالحفر فيما يحتاج إليه ، وما يتوقّف عليه من الآلات ، وتنقية الأنهار ، والسقي ومقدّماته ـ كالدلو والرشا ـ وإصلاح طريق الماء واستقائه إذا كان السقي من بئر أو نحوه ، وإزالة الحشيش المضرّة ، وتهذيب جرائد النخل والكرم ، والتلقيح واللقاط، والتشميس ، وإصلاح موضعه ، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة .
ومن الثاني : حفر الآبار والأنهار، وبناء الحائط والدولاب والدالية، ونحو ذلك ممّا لايتكرّر نوعاً ، واختلفوا في بعض الاُمور أنّه على المالك أو العامل; مثل البقر الذي يدير الدولاب ، والكشّ للتلقيح ، وبناء الثلم ، ووضع الشوك على الجدران وغير ذلك ، ولا دليل على شيء من الضابطين ، فالأقوى أنّه إن كان هناك انصراف في كون شيء على العامل أو المالك فهو المتّبع ، وإلاّ فلابدّ من ذكر مايكون على كلّ منهما رفعاً للغرر ، ومع الإطلاق وعدم الغرر يكون عليهما معاً ; لأنّ المال مشترك بينهما ، فيكون ما يتوقّف عليه تحصيله عليهما .
[3540] مسألة 10 : لو اشترطا كون جميع الأعمال على المالك فلاخلاف بينهم في
(الصفحة 620)
البطلان ; لأنّه خلاف وضع المساقاة . نعم ، لو أبقى العامل شيئاً من العمل عليه واشترط كون الباقي على المالك ، فإن كان ممّا يوجب زيادة الثمرة فلا إشكال في صحّته ، وإن قيل بالمنع من جواز جعل العمل على المالك ولو بعضاً منه ، وإلاّ كما في الحفظ ونحوه ففي صحّته قولان ، أقواهما(1) الأوّل . وكذا الكلام إذا كان إيقاع عقد المساقاة بعد بلوغ الثمر وعدم بقاء عمل إلاّ مثل الحفظ ونحوه، وإن كان الظاهر في هذه الصورة عدم الخلاف في بطلانه كما مرّ .
[3541] مسألة 11 : إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال ، فإن لم يفت وقته فللمالك إجباره على العمل ، وإن لم يمكن فله الفسخ ، وإن فات وقته فله الفسخ بخيار تخلّف الشرط ، وهل له أن لايفسخ ويطالبه باُجرة العمل بالنسبة إلى حصّته ; بمعنى أن يكون مخيّراً بين الفسخ وبين المطالبة بالاُجرة ؟ وجهان ، بل قولان ; أقواهما ذلك(2) ، ودعوى أنّ الشرط لايفيد تمليك العمل المشروط لمن له على وجه يكون من أمواله ، بل أقصاه التزام من عليه الشرط بالعمل وإجباره عليه والتسلّط على الخيار بعدم الوفاء به ، مدفوعة بالمنع من عدم إفادته التمليك ، وكونه قيداً في المعاملة لا جزءاً من العوض يقابل بالمال لاينافي إفادته لملكيّة من له الشرط إذا كان عملاً من الأعمال على من عليه ، والمسألة سيّالة في سائر العقود ، فلو شرط في عقد البيع على المشتري مثلا خياطة ثوب في وقت معيّن وفات الوقت فللبائع الفسخ أو المطالبة باُجرة الخياطة وهكذا .
[3542] مسألة 12 : لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه معه صحّ ، أمّا لو شرط أن يكون تمام العمل على غلام المالك فهو كما لو شرط أن يكون تمام العمل على المالك ، وقد مرّ عدم الخلاف في بطلانه ; لمنافاته لمقتضى وضع المساقاة . ولو
- (1) بل الأقرب الثاني، وكذا في الفرع التالي.
- (2) محلّ تأمّل، بل منع مطلقاً.
(الصفحة 621)
شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه في البستان الخاصّ بالعامل فلاينبغي الإشكال في صحّته ، وإن كان ربما يقال بالبطلان، بدعوى أنّ عمل الغلام في قبال عمل العامل فكأنّه صار مساقياً بلا عمل منه ، ولايخفى ما فيها. ولو شرطا أن يعمل غلام المالك للعامل تمام عمل المساقاة ; بأن يكون عمله له بحيث يكون كأنّه هو العامل ففي صحّته وجهان ، لايبعد الأوّل(1) ; لأنّ الغلام حينئذ كأنّه نائب عنه في العمل بإذن المالك، وإن كان لايخلو عن إشكال مع ذلك ، ولازم القول بالصحّة الصحّة في صورة اشتراط تمام العمل على المالك بعنوان النيابة عن العامل .
[3543] مسألة 13 : لايشترط(2) أن يكون العامل في المساقاة مباشراً للعمل بنفسه ، فيجوز له أن يستأجر في بعض أعمالها أو في تمامها ويكون عليه الاُجرة ، ويجوز أن يشترط كون اُجرة بعض الأعمال على المالك ، والقول بالمنع لا وجه له ، وكذا يجوز أن يشترط كون الاُجرة عليهما معاً في ذمّتهما أو الأداء من الثمر . وأمّا لو شرط على المالك أن يكون اُجرة تمام الأعمال عليه أو في الثمر ففي صحّته وجهان :
أحدهما : الجواز ; لأنّ التصدّي لاستعمال الاُجراء نوع من العمل ، وقد تدعو الحاجة إلى من يباشر ذلك ; لمعرفته بالآحاد من الناس وأمانتهم وعدمها ، والمالك ليس له معرفة بذلك .
والثاني : المنع ; لأنّه خلاف وضع المساقاة ، والأقوى الأوّل(3) . هذا ، ولو شرطا كون الاُجرة حصّة مشاعة من الثمر بطل ; للجهل بمقدار مال الإجارة ، فهي باطلة .
- (1) بل هو بعيد جدّاً كما في لازمه، وهو اشتراط تمام العمل على المالك بعنوان النيابة عن العامل.
- (2) أي عند الإطلاق وعدم الانصراف.
- (3) بل الثاني إلاّ إذا لم يكن الغرض متعلّقاً بالمساقاة المصطلحة ففيه إشكال.
(الصفحة 622)
[3544] مسألة 14 : إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل العقد وكان جميعه للمالك ، وحينئذ فإن شرطا انفراد العامل به استحقّ اُجرة المثل(1) لعمله ، وإن شرطا انفراد المالك به لم يستحقّ العامل شيئاً ; لأنّه حينئذ متبرّع بعمله .
[3545] مسألة 15 : إذا اشتمل البستان على أنواع كالنخل والكرم والرمّان ونحوها من أنواع الفواكه فالظاهر عدم اعتبار العلم بمقدار كلّ واحد ، فيجوز المساقاة عليها بالنصف أو الثلث أو نحوهما، وإن لم يعلم عدد كلّ نوع إلاّ إذا كان الجهل بها موجباً للغرر .
[3546] مسألة 16 : يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر ; كأن يجعل النخل بالنصف والكرم بالثلث والرمّان بالربع مثلا وهكذا ، واشترط بعضهم في هذه الصورة العلم بمقدار كلّ نوع ، ولكن الفرق بين هذه وصورة اتّحاد الحصّة في الجميع غير واضح ، والأقوى الصحّة مع عدم الغرر في الموضعين والبطلان معه فيهما .
[3547] مسألة 17 : لو ساقاه بالنصف مثلا إن سقى بالناضح وبالثلث إن سقى بالسيح ففي صحّته قولان ، أقواهما الصحّة ; لعدم إضرار مثل هذه الجهالة ; لعدم ايجابها الغرر مع أنّ بناءها على تحمّله ، خصوصاً على القول(2) بصحّة مثله في الإجارة ، كما إذا قال : إن خطت روميّاً فبدرهمين وإن خطت فارسيّاً فبدرهم .
[3548] مسألة 18 : يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر شيئاً من ذهب أو فضّة أو غيرهما مضافاً إلى الحصّة من الفائدة ، والمشهور كراهة اشتراط المالك على العامل شيئاً من ذهب أو فضّة ، ومستندهم في الكراهة غير واضح ، كما أنّه لم يتّضح اختصاص الكراهة بهذه الصورة أو جريانها بالعكس أيضاً ، وكذا اختصاصها
- (1) أو مقدار الحصّة إذا كانت أقلّ من اُجرة المثل.
- (2) كما عرفت استظهاره منّا في حواشي كتاب الإجارة.