(الصفحة 629)
كان بعده يكون(1) للعامل حصّته وعليه الاُجرة للمالك إلى زمان البلوغ إن رضي بالبقاء ، وإلاّ فله الإجبار على القطع بقدر حصّته ، إلاّ إذا لم يكن له قيمة أصلاً ، فيحتمل أن يكون للمالك كما قبل الظهور .
[3559] مسألة 29 : قد عرفت أنّه يجوز للمالك مع ترك العامل العمل أن لايفسخ ويستأجر عنه ويرجع عليه ، إمّا مطلقاً كما لايبعد(2) ، أو بعد تعذّر الرجوع إلى الحاكم ، لكن يظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع عليه بالإشهاد على الاستئجار عنه ، فلو لم يشهد ليس له الرجوع عليه حتّى بينه وبين الله ، وفيه ما لايخفى ، فالأقوى أنّ الإشهاد للإثبات ظاهراً وإلاّ فلايكون شرطاً للاستحقاق ، فمع العلم به أو ثبوته شرعاً يستحقّ الرجوع وإن لم يكن أشهد على الاستئجار . نعم ، لو اختلفا في مقدار الاُجرة فالقول قول العامل في نفي الزيادة ، وقد يقال بتقديم قول المالك لأنّه أمين ، وفيه ما لايخفى . وأمّا لو اختلفا في أنّه تبرّع عنه أو قصد الرجوع عليه فالظاهر تقديم قول المالك ; لاحترام(3) ماله وعمله إلاّ إذا ثبت التبرّع، وإن كان لايخلو عن إشكال ، بل يظهر من بعضهم تقديم قول العامل .
[3560] مسألة 30 : لو تبيّن بالبيّنة أو غيرها أنّ الاُصول كانت مغصوبة ، فإن أجاز المغصوب منه المعاملة صحّت المساقاة ، وإلاّ بطلت وكان تمام الثمرة للمالك المغصوب منه ، ويستحقّ العامل اُجرة المثل على الغاصب إذا كان جاهلاً
- (1) بل لا فرق بين هذه الصورة والصورة السابقة، سواء كان الفسخ مؤثّراً من الأصل أو من الحين، وسواء كانت حقيقة المساقاة ما أفاده في تعريفها كما استظهرناه، أو كانت حقيقتها ما اختاره في مسألة 19 المتقدّمة من أنّها عبارة عن التسليط للاستنماء، فإنّه على جميع التقادير يكون أثر الفسخ رفع أثر العقد الذي هي الملكية.
- (2) بل بعيد.
- (3) بل لأنّه أعرف بنيّته ولا تعرف إلاّ من قبله كما في نظائره.
(الصفحة 630)
بالحال(1) ، إلاّ إذا كان مدّعياً عدم الغصبيّة وأنّها كانت للمساقي ، إذ حينئذ ليس له الرجوع عليه; لاعترافه بصحّة المعاملة وأنّ المدّعي أخذ الثمرة منه ظلماً . هذا إذا كانت الثمرة باقية ، وأمّا لو اقتسماها وتلفت عندهما فالأقوى أنّ للمالك الرجوع بعوضها على كلّ من الغاصب والعامل بتمامه ، وله الرجوع على كلّ منهما بمقدار حصّته ، فعلى الأخير لا إشكال ، وإن رجع على أحدهما بتمامه رجع على الآخر بمقدار حصّته ، إلاّ إذا اعترف بصحّة العقد وبطلان دعوى المدّعي للغصبيّة ; لأنّه حينئذ معترف بأنّه غرمه ظلماً .
وقيل : إنّ المالك مخيّر بين الرجوع على كلّ منهما بمقدار حصّته ، وبين الرجوع على الغاصب بالجميع ، فيرجع هو على العامل بمقدار حصّته وليس له الرجوع على العامل بتمامه إلاّ إذا كان عالماً بالحال ، ولا وجه له بعد ثبوت يده على الثمر بل العين أيضاً ، فالأقوى ما ذكرنا ; لأنّ يد كلّ منهما يد ضمان وقرار الضمان على من تلف في يده العين، ولو كان تلف الثمرة بتمامها في يد أحدهما كان قرار الضمان عليه .
هذا ، ويحتمل (2) في أصل المسألة كون قرار الضمان على الغاصب مع جهل العامل ; لأنّه مغرور من قبله، ولاينافيه ضمانه لاُجرة عمله فإنّه محترم، وبعد فساد المعاملة لايكون الحصّة عوضاً عنه فيستحقّها ، وإتلافه الحصّة إذا كان بغرور من الغاصب لايوجب ضمانه له .
[3561] مسألة 31 : لايجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره مع اشتراط
- (1) مرّ الكلام فيه مراراً.
- (2) لكنّه غير وجيه، فإنّه لم يقدم على أن تكون الحصّة له مجّاناً، ولم يتحقّق من الغاصب غرور بالإضافة إليه، بل دخل على كونها بإزاء عمله، والمفروض فساد المعاملة ورجوعه إلى الغاصب باُجرة مثل العمل، فما الموجب لعدم كونه ضامناً للحصّة، وأيّ غرور يفرض في المقام.
(الصفحة 631)
المباشرة أو مع النهي عنه(1) ، وأمّا مع عدم الأمرين ففي جوازه مطلقاً كما في الإجارة والمزارعة، وإن كان لايجوز تسليم الاُصول إلى العامل الثاني إلاّ بإذن المالك ، أو لايجوز مطلقاً وإن أذن المالك ، أو لايجوز إلاّ مع إذنه ، أو لايجوز قبل ظهور الثمر ويجوز بعده أقوال ، أقواها الأوّل(2) ، ولا دليل على القول بالمنع مطلقاً أو في الجملة بعد شمول العمومات من قوله تعالى :
{أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 5 / 1] و
{تِجَارَةً عَنْ تَراض} [النساء: 4 / 29]. وكونها على خلاف الأصل، فاللازم الاقتصار على القدر المعلوم ممنوع بعد شمولها . ودعوى أنّه يعتبر فيها كون الأصل مملوكاً للمساقي أو كان وكيلاً عن المالك أو وليّاً عليه كما ترى ، إذ هو أوّل الدعوى .
[3562] مسألة 32 : خراج السلطان في الأراضي الخراجيّة على المالك ; لأنّه إنّما يؤخذ على الأرض التي هي للمسلمين لا الغرس الذي هو للمالك ، وإن اُخذ على الغرس فبملاحظة الأرض ، ومع قطع النظر عن ذلك أيضاً كذلك ، فهو على المالك مطلقاً إلاّ إذا اشترط كونه على العامل أو عليهما بشرط العلم بمقداره .
[3563] مسألة 33 : مقتضى عقد المساقاة ملكيّة العامل للحصّة من الثمر من حين ظهوره ، والظاهر عدم الخلاف فيه إلاّ من بعض العامّة ، حيث قال بعدم ملكيّته له إلاّ بالقسمة قياساً على عامل القراض، حيث إنّه لايملك الربح إلاّ بعد الإنضاض ، وهو ممنوع عليه حتّى في المقيس عليه . نعم ، لو اشترطا ذلك فى ضمن العقد لايبعد صحّته. ويتفرّع على ما ذكرنا فروع :
- (1) نهي المالك بما هو مالك لا يؤثّر بالإضافة إلى المساقاة الثانية; لعدم كونها من شؤون ملكيّته، بل غايته التأثير بالنسبة إلى تسليم الاُصول إلى العامل الثاني، وهو لا يلازم المساقاة.
- (2) كما في المزارعة والإجارة، ولم يظهر للمساقاة وجه اختصاص بالمنع. نعم، قد مرّ الإشكال في صحّة المساقاة بعد ظهور الثمر.
(الصفحة 632)
منها : ما إذا مات العامل بعد الظهور قبل القسمة مع اشتراط مباشرته للعمل ، فإنّ المعاملة تبطل من حينه ، والحصّة تنتقل إلى وارثه على ما ذكرنا .
ومنها : ما إذا فسخ (1) أحدهما بخيار الشرط أو الاشتراط بعد الظهور وقبل القسمة أو تقايلا .
ومنها : ما إذا حصل مانع عن إتمام العمل بعد الظهور .
ومنها : ما إذا اُخرجت الأُصول عن القابليّة لإدراك الثمر ; ليبس أو فقد الماء أو نحو ذلك بعد الظهور ، فإنّ الثمر في هذه الصور مشترك بين المالك والعامل وان لم يكن بالغاً .
ومنها : في مسألة الزكاة ، فإنّها تجب على العامل أيضاً إذا بلغت حصّته النصاب كما هو المشهور ; لتحقّق سبب الوجوب ـ وهو الملكيّة له ـ حين الانعقاد أو بدوّ الصلاح على ما ذكرنا ، بخلافه إذا قلنا بالتوقّف على القسمة . نعم ، خالف في وجوب الزكاة عليه ابن زهرة هنا وفي المزارعة، بدعوى أنّ ما يأخذه كالأُجرة ، ولايخفى ما فيه من الضعف ; لأنّ الحصّة قد ملكت بعقد المعاوضة أو ما يشبه المعاوضة لا بطريق الاُجرة، مع أنّ مطلق الاُجرة لا تمنع من وجوب الزكاة ، بل إذا تعلّق الملك بها بعد الوجوب . وأمّا إذا كانت مملوكة قبله فتجب زكاتها كما في المقام ، وكما لو جعل مال الإجارة لعمل زرعاً قبل ظهور ثمره ، فإنّه يجب على المؤجر زكاته إذا بلغ النصاب ، فهو نظير ما إذا اشترى زرعاً قبل ظهور الثمر .
هذا ، وربما يقال بعدم وجوب الزكاة على العامل في المقام ، ويعلّل
- (1) مرّ أنّ مقتضى الفسخ رجوع تمام الحصّة إلى المالك، من دون فرق بين كونه مؤثّراً من الحين أو من الأصل، ثمّ إنّه بناءً على ما أفاده في كتاب المضاربة من الفرق بين الفسخ الآتي من قبل تخلّف الشرط، والآتي من جهة جواز العقد ذاتاً أو عرضاً، كان اللازم عليه الحكم بالبطلان في المقام في الأوّل لا التشريك بينهما في الحكم ببقاء أثر العقد.
(الصفحة 633)
بوجهين آخرين :
أحدهما : أنّها إنّما تجب بعد إخراج المؤن ، والفرض كون العمل في مقابل الحصّة فهي من المؤن ، وهو كما ترى ، وإلاّ لزم احتساب اُجرة عمل المالك والزارع لنفسه أيضاً ، فلا نسلّم أنّها حيث كانت في قبال العمل تعدّ من المؤن .
الثاني : أنّه يشترط في وجوب الزكاة التمكّن من التصرّف ، وفي المقام وإن حصلت الملكيّة للعامل بمجرّد الظهور إلاّ أنّه لايستحقّ التسلّم إلاّ بعد تمام العمل ، وفيه ـ مع فرض تسليم(1) عدم التمكّن من التصرّف ـ : أنّ اشتراطه مختصّ بما يعتبر في زكاته الحول كالنقدين والأنعام لا في الغلاّت ، ففيها وإن لم يتمكّن من التصرّف حال التعلّق يجب إخراج زكاتها بعد التمكّن على الأقوى ، كما بيّن في محلّه ، ولايخفى أنّ لازم كلام هذا القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصّة على المالك أيضاً كما اعترف به ، فلايجب على العامل لما ذكر ، ولايجب على المالك لخروجها عن ملكه .
[3564] مسألة 34 : إذا اختلفا في صدور العقد وعدمه فالقول قول منكره ، وكذا لو اختلفا في اشتراط شيء على أحدهما وعدمه ، ولو اختلفا في صحّة العقد وعدمها قدّم قول مدّعي الصحّة ، ولو اختلفا في قدر حصّة العامل قدّم قول المالك المنكر للزيادة ، وكذا لو اختلفا في المدّة ، ولو اختلفا في قدر الحاصل قدّم قول العامل ، وكذا لو ادّعى المالك عليه سرقة أو إتلافاً أو خيانة ، وكذا لو ادّعى عليه أنّ التلف كان بتفريطه إذا كان أميناً له كما هو الظاهر ، ولايشترط في سماع دعوى المالك تعيين مقدار ما يدّعيه عليه، بناءً على ما هو الأقوى من سماع(2) الدعوى المجهولة ، خلافاً للعلاّمة في «التذكرة» في المقام .
[3565] مسألة 35 : إذا ثبتت الخيانة من العامل بالبيّنة أو غيرها هل له رفع يد
- (1) والأولى عدم التسليم، وإلاّ ففيه إشكال.
- (2) فيه إشكال.